أزمة امتحانات التوجيهي في فلسطين إلى متى؟
أسماء الشرباتي
لا يوجد حدث تعليمي فلسطيني أكثر شهرة وأعظم اهتماما من امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، الذي يعتبر محور العام الدراسي لدى وزارة التربية والتعليم وأحد أهدافها الاستراتيجية، وآليات الاستعداد له عندها لا تختلف كثيرا عما تبذله الديار الحجازية من وقت وجهد كل عام لاستقبال الحجاج. وفيه تدخل المدارس في منافسات عالية وجهود كبيرة لخوض المضمار و تحقيق أرقام قياسية حول عدد المتفوقين منها.
ما يستحق الوقوف هنا هو حالة الاستنفار والاضطراب هذه التي تعيشها المؤسسات التعليمية والأسر على حد سواء منذ بداية العام الدراسي ، التي تنعكس حتما على نفسية طلابنا الأعزاء عندما يجدون أنفسهم فجأة ودون سابق إنذار محط أنظار الوالدين والعائلة والأقارب والمدرسة، وربما الجيران أيضا، ويبدأون بعدها بتعليق الهلع والخوف في سماء أيامهم ولياليهم مدة عام كامل.
وبحكم عملي في إعداد برامج تدريبية لتطوير مهاراتهم الدراسية، ترد إلي في مثل هذه الأوقات العديد من الرسائل، يعبر فيها الطلاب عن إشكالات نفسية حقيقية، وصراع يومي مرير حول إحساسهم بالضالة وضعف الإنجاز، وقد تصل هذه الحالات أحيانا إلى التطرف في القرارات والامتناع عن المشاركة في الامتحان؛ خوفَ الفشل وهروبا من عيون المترقبين.
لماذا وضع نظامنا التعليمي طلابنا في هذه الزاوية؟ ولم التمسك بنظام قديم لم يفعل شيئا سوى زرع هوس المنافسة في عقول الطلاب، وإدخالهم في حلقة مفرغة من سباق الحفظ وحشو الذاكرة، مع غياب واضح لطرق التفكير الإبداعي أو حتى النقدي، وتجسيد ظاهرة خطيرة بنيت تحت مسمى" التعليم من أجل الامتحان"، كما وصفت وزارة التربية والتعليم نظامها في أحد تقاريرها في أثناء تقييمها له، وهل استطاع في أثناء تمسكه به طوال هذه السنوات أن ينجح في قياس منصف لمستوى الطلاب، آخذا بالاعتبار ذكاءاتهم المتعددة، أو أن يقيمهم حسب قدراتهم ومواهبهم ومراكز القوة لديهم؟ وهل حفظهم كفيل بجعلهم قادرين على حل الإشكالات المتعلقة بتلك النصوص وانعكاساتها على الواقع؟ وهل من المنصف تعليق مستقبلهم كاملا على نتيجة امتحان كتابي في نهاية العام!
هذا النظام أمر واقع للأسف منذ سنوات، لم يحاول معظم أصحاب القرار إعادة النظر في جدوى وجوده ومدى فاعليته، أو أخذ قرار باستبداله بأحد النظم العالمية الأكثر نجاعة والأكثر احتراما لعقل الطالب وعمق تفكيره، ومعظم الجهود انصبت في "تحسين شكله" وتقليل اعتراض المجتمع على وجوده واحتواء شكواهم.
إذن حقيقة "الأمر الواقع" هي المسيطرة، وهي ظاهرة اعتدنا وجودها منذ زمن، نعيشها مع أبنائنا سنويا وقسريا دون قدرة على الفرار، طالما أن الطالب يمتلك حلما في الوصول إلى مرحلة دراسية جديدة.
وكوني أصبحت جزءا إلى حد ما في حياة الكثير من طلبة التوجيهي سنويا بحكم الدورات التدريبية حول الموضوع ، بدأت أتخوف مؤخرا من جدوى هذه الدورات وأثرها العميق؟ وبالرغم من نجاحي بفضل الله في مساعدة جزء منهم على تجاوز "المحنة" بأفضل نتيجة ممكنة، وجدت أنني أيضا بشكل أو بآخر أقوم بدعم هذا النظام ، ولا أنتقده. هذه الدورات لم تساعد الطلاب أو المجتمع على المطالبة بالتغيير بقدر ما ساعدتهم على "التأقلم" معه، وتقبله.
وحتى نكون أكثر إنصافا، فمن الضروري الاعتراف أن مسألة التقييم السنوي خصوصا في المرحلة التي تسبق الجامعة والتمييز بين مستويات الطلبة، قضية مهمة وضرورية ولا نملك حق الاعتراض عليها، إلا أن المشكلة تكمن في آلية التقييم، والمؤسسات التعليمية الفلسطينية تمتلك بلا شك العديد من العقول والخبرات والكفاءات القادرة على إعطائنا بدائل علمية قابلة للتطبيق، تحقق الهدف بطريقة أكثر موضوعية مما تفعل الآن. ودمتم بخير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية