أزمة حكومة أم أزمة كيان؟
هاشم عبدالعزيز
الانفجار حدث، لكن هل سيقود إلى الانهيار؟ هذا ما تبادر وتردد من قبل المراقبين والمهتمين في الشأن "الإسرائيلي"، وهم يتابعون تداعيات الانفجار الاجتماعي الذي أطلقته "الحركة الاجتماعية" مطلع الأسبوع الماضي حاشدة قرابة 400 ألف متظاهر نزلوا إلى الشوارع وانخرطت في التظاهرة كبرى النقابات للمطالبة بالعدالة الاجتماعية في تظاهرة غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان.
وفي محاولة لمداراة الأمور التي قلبت المشهد في "إسرائيل" من الصورة "المستقرة" ومظاهر "الانسجام" إلى نقيضه، سارع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى تشكيل فريق خاص يضم وزراء وجامعيين للاستماع بأسرع وقت ممكن لمطالب المتظاهرين وتقديم توصيات.
غير أن هذا التحرك في نظر مراقبين قد لا يكون مجدياً لأنه يأتي متأخراً عن تفاقم هذه الأزمة، وهو يأتي من قبل حكومة لم تضع بالاً لحاجات الأغلبية من مواطنيها، ومن هؤلاء من يرى أن الأزمة وحركة الاحتجاجات في داخل الكيان "الإسرائيلي" كبيرة ومتفاقمة ولن تتوقف عند هذا الحد، وأن هذه الأزمة قديمة، لكن الآن تم الكشف عنها بهذا "الوضوح" و"أن هذه الأزمة ستكون خلال الأيام القليلة المقبلة أكبر مما هي الآن".
قد يعيد البعض ما يجري في "إسرائيل" إلى انعكاسات الأزمة المالية التي شهدها عالمنا الدولي بأسره، والتي ما زالت متداعية في غير مكان، ومع عدم تجاهل هذه المسألة من غير جانب ومن ذلك أن "إسرائيل" لن تكون حاصلة على الهبات المالية السخية من بلدان صديقة لها بعد أن باتت تلك الدول في أوضاع تحتاج هي الأخرى إلى مواجهة أزمتها، إلا أن رأس القضايا والأسباب التي تقف وراء الانفجار الاجتماعي يمكن إجمالها في الأوضاع القائمة وفي السياسات السائدة.
في الأوضاع القائمة، المجتمع "الإسرائيلي" مجتمع طبقي والإشكالية في هذا السياق موجودة على كل المستويات بالنظر إلى الفجوة الواسعة بين قلة متأثرة بالخيرات وجموع واسعة يتزايد حرمانها من حقوقها وحاجاتها إلى الاستقرار.
وفي السياسة هناك تغييب لما هو اجتماعي وتجيير لما هو مرتبط بالاحتلال، حيث تفضل الحكومات المتعاقبة، وأبرزها حكومة نتنياهو الحالية، الناحية الأمنية وتوسيع الاستيطان والإنفاق على الجيش بعيداً عن أفراد المجتمع الذين هم في حاجة ملحة من الناحية المادية إلى استقرار حياتهم المعيشية.
وما كان لافتاً في الانفجار الاجتماعي ليس ربط المطالبة بالعدالة بسقوط حكومة نتنياهو في تلازم ما هو اجتماعي بما هو سياسي فقط، بل كان الغضب من التمييز ساخطاً، وعبر المحتجون عن رؤيتهم إذ رأوا أن الحل هو المساواة في توزيع الأموال وتوزيع الإمكانات، كما أشاروا إلى أن المستوطن في داخل الضفة الغربية والقدس يلقى مساعدات كبيرة جداً من حكومة الاحتلال، وهناك مساكن فائضة عن حاجة المستوطنين في القدس والضفة الغربية، في حين أن "الإسرائيليين" داخل المدن الرئيسية يعانون الحرمان والتجاهل.
إثارة هذه القضية أعادت إلى الأذهان التمييز العنصري الذي يكرس إزاء المستوطنين حيث ينقسمون إلى درجات، الأفضلية للوافدين من أمريكا والأولوية للوافدين من دول أوروبية غربية، وما بعد ذلك الأفضلية والأولوية والاهتمام.
إلى أين ستذهب الأحداث؟ من المناسب التذكير أن أحداثاً جرت في "إسرائيل"، وأدت إلى سقوط حكومات، وكان ذلك في عام 1973 بعد حرب أكتوبر، حيث أدت الاحتجاجات الكبيرة إلى استقالة حكومة غولدا مائير، وفي عام 2006 بعد حرب لبنان وهزيمة جيش الاحتلال استقالت حكومة أولمرت بعد احتجاجات غاضبة.
الآن يدور الحديث حول مستقبل حكومة نتنياهو، والعديد من المحللين يرى أن سبب الاحتجاجات الراهنة داخل "إسرائيل"، والتي تعتبر الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني من الصعب أن تصمد حكومة نتنياهو "وهم يقرون أنها ستسقط خلال أيام أو أسابيع مقبلة"، ما يعني الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ومع أن هذا أمر متوقع ، إلا أن الأمور لن تكون قابلة للتعاطي مع ما يجري بذات السياسات التي اتبعت على إثر احتجاجات الفشل والهزائم العسكرية عامي 1973 و2006 لأن الانفجار الاجتماعي الراهن لا يعني العسكريين في كفاءتهم ولا السياسيين في دورهم، بل يرتبط بالهوية الاجتماعية لهذا الكيان.
إن الانفجار الاجتماعي في "إسرائيل" يكشف زيف الخداع الذي ظلت الأوساط والوسائط السياسية والإعلامية الصهيونية خاصة والغربية الأمريكية تسوقه عن الازدهار والعدل والمساواة والديمقراطية في "إسرائيل".
فال"جنة" الصهيونية الاستعمارية انكشف عنها الغطاء لتتعرى كما هي "جهنم" على من فيها من الفقراء والبسطاء، وفي الإجمال السواد الأعظم من المجتمع.
كاتب وصحافي من اليمن
صحيفة الخليج الإماراتية
وفي محاولة لمداراة الأمور التي قلبت المشهد في "إسرائيل" من الصورة "المستقرة" ومظاهر "الانسجام" إلى نقيضه، سارع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى تشكيل فريق خاص يضم وزراء وجامعيين للاستماع بأسرع وقت ممكن لمطالب المتظاهرين وتقديم توصيات.
غير أن هذا التحرك في نظر مراقبين قد لا يكون مجدياً لأنه يأتي متأخراً عن تفاقم هذه الأزمة، وهو يأتي من قبل حكومة لم تضع بالاً لحاجات الأغلبية من مواطنيها، ومن هؤلاء من يرى أن الأزمة وحركة الاحتجاجات في داخل الكيان "الإسرائيلي" كبيرة ومتفاقمة ولن تتوقف عند هذا الحد، وأن هذه الأزمة قديمة، لكن الآن تم الكشف عنها بهذا "الوضوح" و"أن هذه الأزمة ستكون خلال الأيام القليلة المقبلة أكبر مما هي الآن".
قد يعيد البعض ما يجري في "إسرائيل" إلى انعكاسات الأزمة المالية التي شهدها عالمنا الدولي بأسره، والتي ما زالت متداعية في غير مكان، ومع عدم تجاهل هذه المسألة من غير جانب ومن ذلك أن "إسرائيل" لن تكون حاصلة على الهبات المالية السخية من بلدان صديقة لها بعد أن باتت تلك الدول في أوضاع تحتاج هي الأخرى إلى مواجهة أزمتها، إلا أن رأس القضايا والأسباب التي تقف وراء الانفجار الاجتماعي يمكن إجمالها في الأوضاع القائمة وفي السياسات السائدة.
في الأوضاع القائمة، المجتمع "الإسرائيلي" مجتمع طبقي والإشكالية في هذا السياق موجودة على كل المستويات بالنظر إلى الفجوة الواسعة بين قلة متأثرة بالخيرات وجموع واسعة يتزايد حرمانها من حقوقها وحاجاتها إلى الاستقرار.
وفي السياسة هناك تغييب لما هو اجتماعي وتجيير لما هو مرتبط بالاحتلال، حيث تفضل الحكومات المتعاقبة، وأبرزها حكومة نتنياهو الحالية، الناحية الأمنية وتوسيع الاستيطان والإنفاق على الجيش بعيداً عن أفراد المجتمع الذين هم في حاجة ملحة من الناحية المادية إلى استقرار حياتهم المعيشية.
وما كان لافتاً في الانفجار الاجتماعي ليس ربط المطالبة بالعدالة بسقوط حكومة نتنياهو في تلازم ما هو اجتماعي بما هو سياسي فقط، بل كان الغضب من التمييز ساخطاً، وعبر المحتجون عن رؤيتهم إذ رأوا أن الحل هو المساواة في توزيع الأموال وتوزيع الإمكانات، كما أشاروا إلى أن المستوطن في داخل الضفة الغربية والقدس يلقى مساعدات كبيرة جداً من حكومة الاحتلال، وهناك مساكن فائضة عن حاجة المستوطنين في القدس والضفة الغربية، في حين أن "الإسرائيليين" داخل المدن الرئيسية يعانون الحرمان والتجاهل.
إثارة هذه القضية أعادت إلى الأذهان التمييز العنصري الذي يكرس إزاء المستوطنين حيث ينقسمون إلى درجات، الأفضلية للوافدين من أمريكا والأولوية للوافدين من دول أوروبية غربية، وما بعد ذلك الأفضلية والأولوية والاهتمام.
إلى أين ستذهب الأحداث؟ من المناسب التذكير أن أحداثاً جرت في "إسرائيل"، وأدت إلى سقوط حكومات، وكان ذلك في عام 1973 بعد حرب أكتوبر، حيث أدت الاحتجاجات الكبيرة إلى استقالة حكومة غولدا مائير، وفي عام 2006 بعد حرب لبنان وهزيمة جيش الاحتلال استقالت حكومة أولمرت بعد احتجاجات غاضبة.
الآن يدور الحديث حول مستقبل حكومة نتنياهو، والعديد من المحللين يرى أن سبب الاحتجاجات الراهنة داخل "إسرائيل"، والتي تعتبر الأكبر في تاريخ الكيان الصهيوني من الصعب أن تصمد حكومة نتنياهو "وهم يقرون أنها ستسقط خلال أيام أو أسابيع مقبلة"، ما يعني الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ومع أن هذا أمر متوقع ، إلا أن الأمور لن تكون قابلة للتعاطي مع ما يجري بذات السياسات التي اتبعت على إثر احتجاجات الفشل والهزائم العسكرية عامي 1973 و2006 لأن الانفجار الاجتماعي الراهن لا يعني العسكريين في كفاءتهم ولا السياسيين في دورهم، بل يرتبط بالهوية الاجتماعية لهذا الكيان.
إن الانفجار الاجتماعي في "إسرائيل" يكشف زيف الخداع الذي ظلت الأوساط والوسائط السياسية والإعلامية الصهيونية خاصة والغربية الأمريكية تسوقه عن الازدهار والعدل والمساواة والديمقراطية في "إسرائيل".
فال"جنة" الصهيونية الاستعمارية انكشف عنها الغطاء لتتعرى كما هي "جهنم" على من فيها من الفقراء والبسطاء، وفي الإجمال السواد الأعظم من المجتمع.
كاتب وصحافي من اليمن
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية