أما آن لعباس الرئيس أن يتحرر من عباس الفتحاوي؟
عماد عفانة
بعد نحو 51 يوما على حرب العصف المأكول، تمر علينا ذكرى العشرية الأولى لرحيل ابو عمار والتي تركت تأثيرها على حصانة القضية وازدهار افقها السياسي.
ورغم كل الجدال وصخب الأصوات التي رافقت رحيل مايسترو ثورة فتح، فليست هناك أي جهة في حركة فتح على ما يبدو حتى الآن قادرة على أن تتصدى لملء فراغ التجربة التي خاضها ابو عمار لجهة استيعابها والخروج منها مزودة بقوة في الوعي والثقافة واليقين بصوابية الطريق ومثالية الهدف مثلما فعلت قائدة المقاومة اليوم بعد ان تنحت فتح عن قيادة المقاومة منذ توقيعها اوسلو.
خاضت حماس المواجهة في وقت لم يكن من السهل فيه أن تحسم رأيا في مثل هذه المواجهات المصيرية بقدر لا يقل عن الصعوبة في تقدير النتائج في المعركة، فالحركة التي نذرت نفسها للتصدي لمعاناة شعبها والتخفيف منها، وفي الوقت ذاته قادرة على ايصال قناعة لعدوها بعدم صوابية أي خطوة عسكرية لاستهدافها او التغول على شعبنا في غزة او في غير غزة، فالرصاص اللاهب رغم كل الآلام المصاحبة له يطهر في نهاية المطاف القضية ويجففها من مستنقعات الفشل التي يذوب فيها الآخرون ما تبقى لقضيتنا من معالم القوة .
الرئيس عباس ربما لا يريد أن يفهم كل هذه المعاني لنتائج المواجهة الأخيرة على ارض غزة ، لأن مثل هذا الانقلاب في المفاهيم غريب على من ما زالوا يعيشون داخل قوالب الصور الإعلامية المزيفة، وغريب على من لم ينضجوا لدرجة التحرر من وهم السيطرة وهستيريا الظهور.
لا شك أن المهمة الصهيونية الأكثر تعجلا وأهمية الآن هي منع سيطرة حماس على الضفة عبر الانتفاضة التي باتت تشتعل، "إسرائيل" باتت مقتنعة حتى الآن على الأقل انه يمكن فعل ذلك بإضعاف حماس عبر مساعدة حكومة النفاق بقيادة الحمد الله ، وخلق شروط لتشويه حماس في غزة.
وهنا تسلك الآلة الصهيونية التضليلية مسارين مهمين:
المسار الأول: هو تهويل وتضخيم قوة حماس في الضفة الغربية لدرجة إقناع عباس بالخطوات القمعية التي بدأت ولم تنته ضد كل ما يمت لحماس بصلة من مؤسسات ومراكز واستثمارات وقيادات وحتى كتل طلابية ، في تكرار خطير للممارسات التي دفعت الأمور إلى ما آلت إليه في غزة.
المسار الثاني: وهو مركب على الخيار الأول ويقضي باستمرار تطبيق فصول خطة دايتون عبر مواصلة توظيف الأموال للضغط على حماس لتركيعها بحرمان كل ما يمت لها من الرواتب والدعم، في تجاهل كامل لواقع غزة والضفة الغربية المحتلة والتي لا يملك الرئيس عباس إلا سيطرة مدنية عليها محكومة بما يسمح به الاحتلال الذي يواصل تقطيع أوصالها واستباحتها ليلا ونهارا.
هذه السياسة الصهيونية ستفشل لا ريب لان "إسرائيل" المسكونة بغرور القدرة على فعل المستحيل ترفض الاعتراف بحقيقتين واقعيتين:
إحداهما أن حماس حركة أيدولوجية راديكالية من الطراز الأول ولا يمكنها أن تعيش إلى النهاية مع "إسرائيل"، وفي ذات الوقت أن حماس هي حركة واقعية لدرجة وصفها من البعض بالبرغماتية وهي أيضا جزء أصيل من شعبها في الداخل والخارج، وان حماس باتت جزءا من وعي وثقافة المقاومة في هذه الأمة التي تعيش حمى الصحوة، وانه لا يمكن "لإسرائيل" أن تهزمها لأن عليها أن تهزم امة الإسلام من خلفها.
وان عمليات الاغتيالات والاعتقالات والإبعاد التي مورست بحق حماس على مدى سنوات طويلة لم تفلح في القضاء على حماس، بل زادتها قوة لدرجة إجبار إسرائيل على الهروب من غزة، فهل تفضي بعض الإجراءات السياسية بالتعاون مع جهة فلسطينية أخرى إلى إلحاق الهزيمة بحماس.!!
الحقيقة الواقعية الثانية هي أن حركة فتح على اختلاف نقاط قوتها المعروفة، لم تعد هي الجهة السياسية الوحيدة في الساحة الفلسطينية القادرة على عرض بديل سياسي، *** يجعل الاعتراف الدولي بعدالة القضية الفلسطينية، قادة فريق أوسلو قادرين على تحرير شبر واحد من ارض فلسطين دون مقاومة أو انتفاضة، بل الاعتراف حتى من هذا الفريق بأنه لا يوجد أي أمل في دولة فلسطينية حديثة وذات اقتصاد مزدهر في ظل الممارسات الصهيونية الاستيطانية والتهويدية لكل ما هو فلسطيني .
الناس الذين افنوا أعمارهم كلها للقضية الفلسطينية لا يفضلون دولة مستقلة إلى جانب "إسرائيل" إلا على سبيل الحل المؤقت، ولا يتمنون أبدا رؤية حلمهم يتلاشى تحت غيوم دخان التصريحات العشوائية المتخبطة للرئيس عباس ومجموعة القيادة.
لهذا على "إسرائيل" أن تدرك أبو مازن وأمثاله ليسوا هم الشركاء الوحيدون الذين يؤخذون في الحسبان لصياغة واقع يمكن أن تقبله بين الأردن والبحر، فقد انتهى عهد العروض المستمرة من حماس والتي كانت مقبولة من أطراف أوروبية بهدنة طويلة الأمد، حيث انتهى هذا العرض لصالح شعار "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"..
كما لا يمكن أن نتوقع النجاح لأي خطوات يمكن "لإسرائيل" أن تخطوها لوقف حماس ولتقوية البديل المعتدل-عباس- ، مثل :
- إطلاق عدد من سجناء فتح والجبهات حتى ولو كان على رأسهم مروان البرغوثي، ذلك أن آلاف الاسرى خلف القضبان سيبقون في ضمير ووجدان كل فلسطين، وإن أي قفزة إسرائيلية باتجاه عباس مثل تحرير كل أسرى فتح في السجون لن تكون ذات جدوى سياسية "لإسرائيل" سوى إبراز حماس بشكل أقوى وأعمق كحركة مقاومة شريفة وأصيلة لا تخضع لمساومات الاحتلال وضغوطه، وسوى إثارة مزيد من غبار التشكيك في الوطنية والنزاهة حول الرئيس عباس وحركة فتح، عدا عن كون الكثير من أسرى فتح ليسوا صورة كربونية عن أبو جبل والزبيدي وقد يرفضون مغادرة ميدان المقاومة وقد يعود الكثير منهم إلى ميدان المقاومة مرة أخرى.
- أو تحرير أموال الضرائب التي تجبيها "إسرائيل" من اجل السلطة لكي تستعملها حكومة النفاق في الابتزاز السياسي والضغط الاستفزازي، لأنه مطبوع في وعي الشعب أن هذا المال هو مال فلسطيني وليس مال "إسرائيلي" تمن به "إسرائيل" علينا، وان لكل الشعب الحق في هذا المال وليس لعباس أو غيره منح هذا المال لفئة دون أخرى أو لمواطن دون آخر، وإلا سينضم الحمد الله ومن خلفه عباس إلى قائمة أدوات الاحتلال الذين يسهمون في حصار هذا الشعب وتعميق معاناته.
ولكن يبدو أن "إسرائيل" ستقع في ذات الوهم وذات الخطيئة التي وقعت فيها سابقا إذا عملت على تنظيم “رزمة أمنية” شاملة تتضمن خروج مطلوبي فتح وكتائب الأقصى من دائرة الإرهاب، وتعزيز نشاط الجهات الأمنية لسلطة عباس، وفي ضمن ذلك تجهيزها وتنظيمها من جديد على حسب خطة دايتون وتنسيق أمني مع الجهات الأمنية الصهيونية، فقد فعلت "إسرائيل" ذلك مع الراحل ياسر عرفات، ورغم ذلك لم يستطع منع عمليات حماس في قلب تل أبيب، وفعلت ذلك مع عباس في الضفة وغزة ولم تستطع منع حماس من الفوز بأغلبية الشارع الفلسطيني .
كما أن إسرائيل بتشجيعها لمبادرات اقتصادية للقطاع الخاص الفلسطيني وجهات دولية من أجل إقامة مناطق صناعية والاستثمار في الضفة مع إهمال ذلك في غزة، إنما تزيد من شدة الانفجار الذي قد ينبعث من حصار غزة .
لذا على الرئيس عباس أن يتحرر من أوهامه وأن يدرك انه حتى لو فعلت "إسرائيل" كل ذلك فإنها لن تستطيع البدء باستئناف المفاوضات معه في مبادئ الاتفاق الدائم إذ أن الوقائع على الأرض في غزة تحكم واقع أي اتفاق إذ انه لا يمكن استثناء غزة من أي اتفاق.
كما على الرئيس عباس أن يدرك أن تحصين الكيان الفلسطيني في الضفة دون غزة هو لا شك مصلحة "إسرائيلية" بحتة، بل وتريد "إسرائيل" جعلها مصلحة إقليمية من خلال إقناع الدول المحيطة بمخاوف سيطرت داعش واخواتها على العراق، واتجاهها للسيطرة على سوريا ثم لبنان، وانه على دول المنطقة التي لا تريد أن يحين دورها وان تبتلعها إمبراطورية الدولة الاسلامية الجديدة، أن تساعد بجدية في إجهاض حماس بحجة ان حماس مثل داعش.
كما على الرئيس عباس أن لا يسمح لنفسه أن يكون احد أدوات امريكا لنشر الفوضى في أراضينا المحتلة، ولجهة عدم الثقة في امريكا الذي اثبت الانتخابات التشريعية فيها أن غالبية الشعب الأمريكي لا يثق بالرئيس اوباما في قيادة لها.
لذى حق علينا طرح تساؤل مفعم بمعاني التمني أما آن للرئيس عباس بعد كل مر به من تجارب مريرة مع "إسرائيل" التي اغتالت الرئيس عرفات وأكملت تقريبا - مستغلة الضباب الذي أثاره اتفاق أوسلو- تهويد وابتلاع مدينة القدس وأكنافها في الضفة الغربية :
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه لإكمال مسيرة التحرر التي أعلنتها منظمة التحرير بقيادة أبو عمار لأكثر من أربعين عاما أن يتحرر من عباس الفتحاوي الذي هندس اتفاقات أوسلو، و الذي شكل وما زال سندا قويا وداعما حقيقيا لتطبيق مخططات تينت ودايتون الأمنية التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه..!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه ليحافظ على الثوابت أن يتحرر من عباس الذي ما زال يتعامل مع نتائج ما حدث في غزة في إطار امني بحث بمعزل عن بعده السياسي، وان يتحرر من عباس الفتحاوي الذي شكل لجنة تحقيق للبحث في سبل إخفاق أجهزته الأمنية في التصدي لحماس وقمعها، ولم يشكل لجنة للتحقيق في فساد وتعاون هذه الأجهزة مع كل ما هو غير فلسطيني، وتحويل هذه الأجهزة إلى مركز مقاولات أمنية لبيع المعلومات عن كل وأي شيء.!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه لينجز له التحرير والوحدة والرخاء أن يتحرر من عباس ابن الحزب الذي يصر على تجاهل كل دعوات إصلاح منظمة التحرير وهياكلها، الأمر الذي قزم القضية الفلسطينية وحصرها في سكان القطاع والضفة، والذي تجاهل الوقائع التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة، الأمر الذي يهدد مستقبل قضيتنا الوطنية.!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه ليصون ويرعى المصالح العليا لشعبنا أن يتحرر من عباس المرتهن للإرادات الخارجية والذي يصر على عدم تطبيق اتفاقاته مع حماس خوفا من قطع أموال الدعم وخوفا من الخضوع لذات الحصار الذي تعرض له الرئيس عرفات.!!.
إن ما تفوه به عباس في الاحتفالية العاشرة لرحيل ابو عمار بالأمس لا يمكن أن يصدر الا عن عباس الفتحاوي المتطرف لتنظيمه وحزبه المتحيز لفتحاويته، ولا يمكن ان يصدر هذا الكلام التوتيري والاستفزازي عن رئيس للشعب الفلسطيني بكل الوانه واطيافه.
كان ينبغي للرئيس عباس وهو يلقي كلمة الرئاسة ان يستحضر مقام ابو عمار قائد الثورة رئيس الكل الفلسطيني وليس رئيس فئة او حزب او تنظيم مهما كان حجمه.
عماد عفانة
بعد نحو 51 يوما على حرب العصف المأكول، تمر علينا ذكرى العشرية الأولى لرحيل ابو عمار والتي تركت تأثيرها على حصانة القضية وازدهار افقها السياسي.
ورغم كل الجدال وصخب الأصوات التي رافقت رحيل مايسترو ثورة فتح، فليست هناك أي جهة في حركة فتح على ما يبدو حتى الآن قادرة على أن تتصدى لملء فراغ التجربة التي خاضها ابو عمار لجهة استيعابها والخروج منها مزودة بقوة في الوعي والثقافة واليقين بصوابية الطريق ومثالية الهدف مثلما فعلت قائدة المقاومة اليوم بعد ان تنحت فتح عن قيادة المقاومة منذ توقيعها اوسلو.
خاضت حماس المواجهة في وقت لم يكن من السهل فيه أن تحسم رأيا في مثل هذه المواجهات المصيرية بقدر لا يقل عن الصعوبة في تقدير النتائج في المعركة، فالحركة التي نذرت نفسها للتصدي لمعاناة شعبها والتخفيف منها، وفي الوقت ذاته قادرة على ايصال قناعة لعدوها بعدم صوابية أي خطوة عسكرية لاستهدافها او التغول على شعبنا في غزة او في غير غزة، فالرصاص اللاهب رغم كل الآلام المصاحبة له يطهر في نهاية المطاف القضية ويجففها من مستنقعات الفشل التي يذوب فيها الآخرون ما تبقى لقضيتنا من معالم القوة .
الرئيس عباس ربما لا يريد أن يفهم كل هذه المعاني لنتائج المواجهة الأخيرة على ارض غزة ، لأن مثل هذا الانقلاب في المفاهيم غريب على من ما زالوا يعيشون داخل قوالب الصور الإعلامية المزيفة، وغريب على من لم ينضجوا لدرجة التحرر من وهم السيطرة وهستيريا الظهور.
لا شك أن المهمة الصهيونية الأكثر تعجلا وأهمية الآن هي منع سيطرة حماس على الضفة عبر الانتفاضة التي باتت تشتعل، "إسرائيل" باتت مقتنعة حتى الآن على الأقل انه يمكن فعل ذلك بإضعاف حماس عبر مساعدة حكومة النفاق بقيادة الحمد الله ، وخلق شروط لتشويه حماس في غزة.
وهنا تسلك الآلة الصهيونية التضليلية مسارين مهمين:
المسار الأول: هو تهويل وتضخيم قوة حماس في الضفة الغربية لدرجة إقناع عباس بالخطوات القمعية التي بدأت ولم تنته ضد كل ما يمت لحماس بصلة من مؤسسات ومراكز واستثمارات وقيادات وحتى كتل طلابية ، في تكرار خطير للممارسات التي دفعت الأمور إلى ما آلت إليه في غزة.
المسار الثاني: وهو مركب على الخيار الأول ويقضي باستمرار تطبيق فصول خطة دايتون عبر مواصلة توظيف الأموال للضغط على حماس لتركيعها بحرمان كل ما يمت لها من الرواتب والدعم، في تجاهل كامل لواقع غزة والضفة الغربية المحتلة والتي لا يملك الرئيس عباس إلا سيطرة مدنية عليها محكومة بما يسمح به الاحتلال الذي يواصل تقطيع أوصالها واستباحتها ليلا ونهارا.
هذه السياسة الصهيونية ستفشل لا ريب لان "إسرائيل" المسكونة بغرور القدرة على فعل المستحيل ترفض الاعتراف بحقيقتين واقعيتين:
إحداهما أن حماس حركة أيدولوجية راديكالية من الطراز الأول ولا يمكنها أن تعيش إلى النهاية مع "إسرائيل"، وفي ذات الوقت أن حماس هي حركة واقعية لدرجة وصفها من البعض بالبرغماتية وهي أيضا جزء أصيل من شعبها في الداخل والخارج، وان حماس باتت جزءا من وعي وثقافة المقاومة في هذه الأمة التي تعيش حمى الصحوة، وانه لا يمكن "لإسرائيل" أن تهزمها لأن عليها أن تهزم امة الإسلام من خلفها.
وان عمليات الاغتيالات والاعتقالات والإبعاد التي مورست بحق حماس على مدى سنوات طويلة لم تفلح في القضاء على حماس، بل زادتها قوة لدرجة إجبار إسرائيل على الهروب من غزة، فهل تفضي بعض الإجراءات السياسية بالتعاون مع جهة فلسطينية أخرى إلى إلحاق الهزيمة بحماس.!!
الحقيقة الواقعية الثانية هي أن حركة فتح على اختلاف نقاط قوتها المعروفة، لم تعد هي الجهة السياسية الوحيدة في الساحة الفلسطينية القادرة على عرض بديل سياسي، *** يجعل الاعتراف الدولي بعدالة القضية الفلسطينية، قادة فريق أوسلو قادرين على تحرير شبر واحد من ارض فلسطين دون مقاومة أو انتفاضة، بل الاعتراف حتى من هذا الفريق بأنه لا يوجد أي أمل في دولة فلسطينية حديثة وذات اقتصاد مزدهر في ظل الممارسات الصهيونية الاستيطانية والتهويدية لكل ما هو فلسطيني .
الناس الذين افنوا أعمارهم كلها للقضية الفلسطينية لا يفضلون دولة مستقلة إلى جانب "إسرائيل" إلا على سبيل الحل المؤقت، ولا يتمنون أبدا رؤية حلمهم يتلاشى تحت غيوم دخان التصريحات العشوائية المتخبطة للرئيس عباس ومجموعة القيادة.
لهذا على "إسرائيل" أن تدرك أبو مازن وأمثاله ليسوا هم الشركاء الوحيدون الذين يؤخذون في الحسبان لصياغة واقع يمكن أن تقبله بين الأردن والبحر، فقد انتهى عهد العروض المستمرة من حماس والتي كانت مقبولة من أطراف أوروبية بهدنة طويلة الأمد، حيث انتهى هذا العرض لصالح شعار "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"..
كما لا يمكن أن نتوقع النجاح لأي خطوات يمكن "لإسرائيل" أن تخطوها لوقف حماس ولتقوية البديل المعتدل-عباس- ، مثل :
- إطلاق عدد من سجناء فتح والجبهات حتى ولو كان على رأسهم مروان البرغوثي، ذلك أن آلاف الاسرى خلف القضبان سيبقون في ضمير ووجدان كل فلسطين، وإن أي قفزة إسرائيلية باتجاه عباس مثل تحرير كل أسرى فتح في السجون لن تكون ذات جدوى سياسية "لإسرائيل" سوى إبراز حماس بشكل أقوى وأعمق كحركة مقاومة شريفة وأصيلة لا تخضع لمساومات الاحتلال وضغوطه، وسوى إثارة مزيد من غبار التشكيك في الوطنية والنزاهة حول الرئيس عباس وحركة فتح، عدا عن كون الكثير من أسرى فتح ليسوا صورة كربونية عن أبو جبل والزبيدي وقد يرفضون مغادرة ميدان المقاومة وقد يعود الكثير منهم إلى ميدان المقاومة مرة أخرى.
- أو تحرير أموال الضرائب التي تجبيها "إسرائيل" من اجل السلطة لكي تستعملها حكومة النفاق في الابتزاز السياسي والضغط الاستفزازي، لأنه مطبوع في وعي الشعب أن هذا المال هو مال فلسطيني وليس مال "إسرائيلي" تمن به "إسرائيل" علينا، وان لكل الشعب الحق في هذا المال وليس لعباس أو غيره منح هذا المال لفئة دون أخرى أو لمواطن دون آخر، وإلا سينضم الحمد الله ومن خلفه عباس إلى قائمة أدوات الاحتلال الذين يسهمون في حصار هذا الشعب وتعميق معاناته.
ولكن يبدو أن "إسرائيل" ستقع في ذات الوهم وذات الخطيئة التي وقعت فيها سابقا إذا عملت على تنظيم “رزمة أمنية” شاملة تتضمن خروج مطلوبي فتح وكتائب الأقصى من دائرة الإرهاب، وتعزيز نشاط الجهات الأمنية لسلطة عباس، وفي ضمن ذلك تجهيزها وتنظيمها من جديد على حسب خطة دايتون وتنسيق أمني مع الجهات الأمنية الصهيونية، فقد فعلت "إسرائيل" ذلك مع الراحل ياسر عرفات، ورغم ذلك لم يستطع منع عمليات حماس في قلب تل أبيب، وفعلت ذلك مع عباس في الضفة وغزة ولم تستطع منع حماس من الفوز بأغلبية الشارع الفلسطيني .
كما أن إسرائيل بتشجيعها لمبادرات اقتصادية للقطاع الخاص الفلسطيني وجهات دولية من أجل إقامة مناطق صناعية والاستثمار في الضفة مع إهمال ذلك في غزة، إنما تزيد من شدة الانفجار الذي قد ينبعث من حصار غزة .
لذا على الرئيس عباس أن يتحرر من أوهامه وأن يدرك انه حتى لو فعلت "إسرائيل" كل ذلك فإنها لن تستطيع البدء باستئناف المفاوضات معه في مبادئ الاتفاق الدائم إذ أن الوقائع على الأرض في غزة تحكم واقع أي اتفاق إذ انه لا يمكن استثناء غزة من أي اتفاق.
كما على الرئيس عباس أن يدرك أن تحصين الكيان الفلسطيني في الضفة دون غزة هو لا شك مصلحة "إسرائيلية" بحتة، بل وتريد "إسرائيل" جعلها مصلحة إقليمية من خلال إقناع الدول المحيطة بمخاوف سيطرت داعش واخواتها على العراق، واتجاهها للسيطرة على سوريا ثم لبنان، وانه على دول المنطقة التي لا تريد أن يحين دورها وان تبتلعها إمبراطورية الدولة الاسلامية الجديدة، أن تساعد بجدية في إجهاض حماس بحجة ان حماس مثل داعش.
كما على الرئيس عباس أن لا يسمح لنفسه أن يكون احد أدوات امريكا لنشر الفوضى في أراضينا المحتلة، ولجهة عدم الثقة في امريكا الذي اثبت الانتخابات التشريعية فيها أن غالبية الشعب الأمريكي لا يثق بالرئيس اوباما في قيادة لها.
لذى حق علينا طرح تساؤل مفعم بمعاني التمني أما آن للرئيس عباس بعد كل مر به من تجارب مريرة مع "إسرائيل" التي اغتالت الرئيس عرفات وأكملت تقريبا - مستغلة الضباب الذي أثاره اتفاق أوسلو- تهويد وابتلاع مدينة القدس وأكنافها في الضفة الغربية :
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه لإكمال مسيرة التحرر التي أعلنتها منظمة التحرير بقيادة أبو عمار لأكثر من أربعين عاما أن يتحرر من عباس الفتحاوي الذي هندس اتفاقات أوسلو، و الذي شكل وما زال سندا قويا وداعما حقيقيا لتطبيق مخططات تينت ودايتون الأمنية التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه..!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه ليحافظ على الثوابت أن يتحرر من عباس الذي ما زال يتعامل مع نتائج ما حدث في غزة في إطار امني بحث بمعزل عن بعده السياسي، وان يتحرر من عباس الفتحاوي الذي شكل لجنة تحقيق للبحث في سبل إخفاق أجهزته الأمنية في التصدي لحماس وقمعها، ولم يشكل لجنة للتحقيق في فساد وتعاون هذه الأجهزة مع كل ما هو غير فلسطيني، وتحويل هذه الأجهزة إلى مركز مقاولات أمنية لبيع المعلومات عن كل وأي شيء.!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه لينجز له التحرير والوحدة والرخاء أن يتحرر من عباس ابن الحزب الذي يصر على تجاهل كل دعوات إصلاح منظمة التحرير وهياكلها، الأمر الذي قزم القضية الفلسطينية وحصرها في سكان القطاع والضفة، والذي تجاهل الوقائع التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة، الأمر الذي يهدد مستقبل قضيتنا الوطنية.!!.
أما آن لعباس الرئيس الذي انتخبه شعبه ليصون ويرعى المصالح العليا لشعبنا أن يتحرر من عباس المرتهن للإرادات الخارجية والذي يصر على عدم تطبيق اتفاقاته مع حماس خوفا من قطع أموال الدعم وخوفا من الخضوع لذات الحصار الذي تعرض له الرئيس عرفات.!!.
إن ما تفوه به عباس في الاحتفالية العاشرة لرحيل ابو عمار بالأمس لا يمكن أن يصدر الا عن عباس الفتحاوي المتطرف لتنظيمه وحزبه المتحيز لفتحاويته، ولا يمكن ان يصدر هذا الكلام التوتيري والاستفزازي عن رئيس للشعب الفلسطيني بكل الوانه واطيافه.
كان ينبغي للرئيس عباس وهو يلقي كلمة الرئاسة ان يستحضر مقام ابو عمار قائد الثورة رئيس الكل الفلسطيني وليس رئيس فئة او حزب او تنظيم مهما كان حجمه.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية