أهل غزة لياسر عبد ربه ( اللهم إنَّا صائمون )
بقلم : مصطفى اللداوي
في شهر رمضان الذي تصفد فيه الشيطان، وتغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة، وترق القلوب، وتسمو النفوس، وتترفع الألسنة، ويكبت الصائمون غضبهم، ويمتنعون عن رد الإساءة بالإساءة، ويقولون " اللهم إنا صائمون "، أملاً في رضا الرحمن، فإن لسان حال أهل غزة الصائمين في ظل الحصار يقول، اللهم إنا صائمون نعفو عمن ظلمنا، ونصبر عمن أساء إلينا، ونغفر لمن تطاول علينا، نصون لساننا، ونكف عن الخلق أذانا، ونترفع عن السباب والشتيمة والإساءة، ولكن أهل غزة يقولون لعبد ربه " اللهم إنا صائمون "، ولكننا لا نصعر خدنا، ولا نقبل بالإهانة، ولا نسكت عن الإساءة، وإن كنا صائمين فلن نصبر على سخافاتك، ولن نكبت تجاهك غضبنا، ولن نمتنع عن رد الإساءة إليك، فالرد عليك واجب، والصمت عنك معصية، فقد تجاوزت حدودك، وأسأت إلى شعبك وأهلك، وأخطأت أكثر من مرة، ولا تجد من يصدك، أو يضع حداً لتجاوزاتك، فأنت غريبٌ عن أهلك وشعبك، توالى من عادنا، وتصادق من حاربنا، وتخلص لمن قتل أبناءنا، ولسنا ندري كيف زرعت بيننا، وأي دورٍ تلعبه، وإلى أين تمضي بسفينة شعبنا، وأي أشرعةٍ قد نصبت، وإلى أي مرفأ ستلقي بمرساة سفينتنا .
ليس دفاعاً عن محمد الداوودي مدير تلفزيون فلسطين الذي تطاول عليه عبد ربه وأقاله من منصبه، ولا دفاعاً عن مجموعة الغزازوة المقيمة في رام الله، وليست عصبية أو فئوية أو انحيازاً إلى قبيلةٍ أو عشيرة، بل هي غيرةٌ على الوطن والأهل والشعب، وغضبة للقيم والأخلاق ومفاهيم الوطنية، فعندما يتطاول عبد ربه على أهل غزةَ الصِّيدِ الكُماةِ الأباة الذين تتشرف بهم الأمة، وترفع بهم رأسها عزةً وكبرياءً وفخراً، فأهل غزة أو الغزازوة كما يحلو لعبد ربه أن يسيئ إليهم قد صنعوا نصراً، وبنوا مجداً، وصمدوا أمام أشرس آلةٍ عسكرية، وثبتوا أمام القتل، وانتزعوا من العدو اعترافاً بالعجز والفشل، وها هم صامدون في وجه الحصار، يقاومون الجوع والمرض والموت، ولا يبالون بعدوٍ يتربصُ بهم، أو بغيره يتآمر عليهم، فعندما يلعن عبد ربه " الغزازوة " ويسيء إليهم بمفرداته التي يأبى قلمنا أن يثبتها لما فيها من إسفافٍ تعود عليه، وبذاءةٍ شب عليها، وسوء خلقٍ تربى عليه، فهو يسيئ إلى ضمير الأمة وشرفها، ويهين شطر شعبنا كله، وهو يعلم أن الغزازوة الذين يتنافسون في البحث عن الشهادة دفاعاً عن فلسطين وثراها، هم الذين صنعوا مجد شعبنا، ورسموا له صورةً يتغنى بها أحرارُ الكون بأسره، وتفخر بها الأمة كلها .
ليست دعوى عصبية أو فئوية أو قبلية أو عشائرية مقيتة، ولكنها انتصارٌ لقيم شعبنا الوطنية، وحفاظٌ على موروثات شعبنا الذي لا يفرق بين مقدسيٍ وغزي، ولا بين نابلسي وتلحمي، ولا بين لاجئٍ ومواطن، ولا بين مقيمٍ ونازح، فكلنا أبناء شعبٍ واحد، وأبناء قضيةٍ واحدة، وننتمي إلى أمةٍ واحدة، ولكن عبد ربه يأبى إلا أن يهين شعبنا، وأن يكرس معاني الفرقة والانقسام بين أبناءه، وهذه ليست المرة الأولى التي يسفر فيها عن بذاءة لسانه، وسوء خلقه، وفحش كلامه، فقد كثرت إساءاته وتعددت، وشهد عليها الكثيرون، ودونتها وسائل الإعلام، وقد ظننا أنه سيرعوي وسيقلع عما هو فيه من إساءات، وقد ناشدنا حكماء شعبنا أن يلقموا فم عبد ربه حجراً ويسكتوه، وقلنا ألجموا سفيهكم فإنه يسيئ، واحجروا عليه فإنه يخطئ، ولكن رئيس السلطة الفلسطينية لم يحرك ساكناً، ولم ينتقد تصرفاته، ولم ينكر تصريحاته، بل بدا وكأنه يشد على يديه، ويؤيد سفاهاته، فها هو يجدد له في منصبه أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويقف عاجزاً عن إزاحته لصالح مرشح حركة فتح " أبو علاء قريع ".
ألا يدعونا هذا العجز وذاك الصمت إلى التساؤل عن سبب ضعف رئيس السلطة الفلسطينية أمام عبد ربه، أهو كما يقولون الممثل الأمريكي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنه لا يقوى أحدٌ على إزاحته من منصبه دون موافقة السيد الأمريكي، أليس من حق الفلسطينيين أن يتساءلوا أيهما أقوى، عبد ربه أم رئيس السلطة الفلسطينية، بل أيهما الرئيس الفعلي للسلطة الفلسطينية، ومن هو الذي يصر على بقاء فياض رئيساً للحكومة الفلسطينية، أليس من حقنا أن نتساءل لماذا يدافع عبد ربه عن فياض، ويبرر أخطاءه، ويعزل موظفاً لأنه يفرد مساحةً في الفضائية الفلسطينية لرئيس السلطة الفلسطينية أكثر من رئيس حكومته، ولماذا يدافع عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وخاصة جهاز الأمن الوقائي، ألا تكفي سفاهات عبد ربه لأن نزيحه من منصبه، وأن نطرده من مواقعه، وأن ننبذه ونعزله عن مجتمعنا، ألا تكفي وثيقة جنيف التي وقع عليها مع يوسي بيلين، والتي تنازل فيها عن الحق الفلسطيني في استرجاع الشطر الشرقي من مدينة القدس، وأقر بمدينة القدس عاصمة أبدية موحدة لدولة إسرائيل، فضلاً عن إسقاطه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ونبذه المقاومة، واستخفافه بالشهداء، ومصادقته الأعداء، ومصاحبته لقتلة شعبنا.
ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصدر قوة عبد ربه، ومن أين يستمد كل هذه الصلاحيات التي تجعله يطوح بسيفه ولسانه يمنةً ويسرةً، فيشتم ويسب ويتطاول ولا يبالي برأي أحد، فعبد ربه لا ينتمي إلى أي فصيلٍ فلسطيني بعد أن ترك موقعه في إتحاد الشعب الديمقراطي الفلسطيني " فدا "، وليس لديه تاريخٌ مشرفٌ، فسجله حافلٌ بالتنازل والتفريط والاعتراف بالعدو، وإنكار الحقوق، والإساءة إلى المقاومين والشهداء، فضلاً عن تخوين المقاومة، وتبرير الاعتقالات والملاحقات والقتل، فأي جدارٍ يستند إليه عبد ربه، وأي نفوذٍ يحميه، فهو مناوئٌ لشعبه، ومعادٍ لتطلعاته، ومنكرٌ لحقوقه، وليس له من شعبنا نصير أو مؤيدٍ تابع، اللهم إلا من يستفيد منه منصباً أو مالاً أو حماية.
لا نملك إجابةً على تساؤلاتنا سوى أن عبد ربه هو المندوب الأمريكي في جسم السلطة الفلسطينية، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وهو الأمين على تطبيق الأجندة والسياسات الأمريكية، التي هي إسرائيلية، وهو في شعبنا مسعر حرب، ومثير فتنة، وداعية فرقة، ومحرض على الانقسام، وعلى شعبنا الفلسطيني كله أن يدرك خطورة هذا الرجل على شعبنا، وعلى مستقبل قضيتنا، وليعلم عبد ربه بدوره أن " الغزازوة " لا يسكتون على الضيم، ولا يقبلون بالإهانة، ولا ينامون على الإساءة، ويرفضون أن يساء إليهم، أو أن يساء إلى موروثات شعبنا الفلسطيني في الوحدة ورفض العصبية والتفرقة والتمييز، " اللهم إنا صائمون " .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية