أيها الاستشهادي قف .... ثم أقبل
بقلم: محمد لافي
أيها الاستشهادي جميل أن تتقدم _ مضحياً بنفسك _ فداء لدين الله وحماية للوطن ، ولكن هذا لا يبرر لك أن تواجه عدوك حاسر الرأس , فاتحا صدرك كي يستقبل رصاصة العدو في ذات الوقت الذي لم تأخذ بالاحتياطات الأمنية ولم تسع للأخذ بأسباب القوة ورباط الخيل، وإنما كان يجب عليك أن تصل إلى مرحلة من الاستعداد والتدريب تؤهلك للقيام بمثل هذا العمل الجهادي .
ومن أجل أن ترهب العدو لا بد أن تخوض الصعاب والمشاق الكريهة للنفس، وأن تنحني أحياناً إذا ما استفزك العدو حتى لا تنكشف له قبل ذلك الاستعداد, وهو أمر ليس بالسهل فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه، فقد يغضبك عدوك وتستفزك جرأته في استهداف الأطفال والنساء وتدنيسه لبيوت الله، ولكن القوة كل القوة في هذه الحالة أن تعد العدة وتجمع الصف حتى إذا ما شعرت أنك وصلت مرحلة الصدع والانطلاق وتراعي الظرف الموائم لرمي هدفك برماح الحق ورصاص القنص, وأفضل هذه الظروف أن يكون التراخي والبرود هم المهيمن على ساحات العدو وجنوده وهذا ما حدث في الضربة الأولى لحرب أكتوبر.
وقد كتب المفكر السوري جودت سعيد "في شباب العالم الإسلامي من عندهم استعداد لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الإسلام , ولكن قل أن تجد فيهم من يتقدم ليبذل سنين عمره ليقضيها دراسة جادة , لينضج موضوعا" أو يعد خطة ويستكمل عدة من الضروري توفيرها لا من الكماليات.
* شبابا مخلصون ولكن !!:
لا يتحير الشباب في قطاع غزة كثيراً إذا ما أراد البحث عن طريق الاستشهاد فهو قد يختار أحد الفصائل وبعد فترة لا يعجبه التدريب الصعب على النفس أو جلسات تربوية لازمة أو حتى طول صلاة وتطوع صيام فينعزل عنهم باحثاً عن البديل، وفعلاً يجد البديل متوفراً وسريعاً، فالأمر لا يحتاج إلى تنظيم معقد البناء ولا منهاج تربوي أو أداة سياسية ولا حتى جهاز أمن يستكشف ويحذر فكل ما في الأمر شاب وبندقية ثم إطلاق العنان لعقلية الأنا وتعظيم الذات.
وقد جلست مع زعيم أحدى هذه الحالات والتي اسمها كبير بل وكبير جداً وقد أطلق على نفسه أبو ... المقدسي أو الخليلي أو الأنصاري أو...، وقد وقف حائراً تائهاً عن الحديث في الشرع فهو لم يسمع يوماً بالمقاصد العامة للشريعة ولم يعرف ما يسمى بتعارض المصالح أو المفاسد، وفسر تقبيل عروة بن الزبير لأم المؤمنين عائشة واحتضانها له كونها أم المؤمنين وهذا التقبيل جائز لعموم المسلمين ولم يتمكن من معرفة أن عروة ابن أخت عائشة وأنها خالته فأمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر ، فهذا زعيم حالة مقاومة يهوى الزعامة فلم يجد ضالته لدى حركة فتح، حيث نشأ وانتمى فانتقل إلى قيادي في فصيل آخر _نشأ في انتفاضة الأقصى_ لكن الزعامة دفعته إلى تشكيل حالة جديدة وأسماها اسماً كبيراً وانتسب معه أحاد من البسطاء المخلصين.
* مخاطر هذه الحالات العسكرية:
- هي تجميع لحاملي البنادق دون محيط تنظيمي يسندهم بشتى أنواع الدعم التثقيفي والسياسي والإداري والمالي.
- ينجذب إليه صغار السن وبعض البسطاء رغبة في الشهادة أكثر من حباً في الجهاد فللجهاد مشاق ونصب وتعب لا يتحملها أمثالهم.
- يندفع قادة هذه الحالات إلى جذب الإعلام إليهم فيسرعون بعمل دون خطة ولا حذر وتكون النتيجة بأن عملية استشهادية قد تمت ودليل نجاحها استشهاد المنفذين جميعهم.
- العمل المقاوم يحتاج إلى وعي أمني وحذر شديد، فيكف إذا كان العدو هو الاحتلال الصهيوني بما يمتلك من أدوات تجسسية خطيرة فهذا أدعى بأن يزداد الحذر أمناً وحرصاً.
- مع تواضعنا أمام إخلاص العديد من الشهداء في مسيرة المقاومة فإن هذا التواضع يجب أن لا يمنعنا من مساءلة القائمين على العمل بعدهم .. ما الضمان من عدم اختراق المخابرات الصهيونية لمجموعاتهم وخاصة أن الظروف والشروط الأمنية المتوفرة ضعيفة جداً إلى درجة أنها تغري عملاء الاحتلال باختراق الحالة.
-
ثم السؤال الأبرز هنا: ما هو هدف هذه المجموعات؟، هل هو استشهاد شبابنا أم إلحاق الأذى بالعدو؟، وهل مقياس النجاح هو عدد الشهداء الذين تقدموا مسيرة التضحية؟، أم هو تعداد الإصابات التي تمت في صفوف العدو؟
ومرة أخرى قد عرفت والتقيت بعض أفراد هذه المجموعات وما شهدته من الذين التقيت بهم إلا كل خير وتقوى، ولكن الجهاد في سبيل الله يحتاج أبعد من ذلك من الاستعداد الطويل بعيداً عن الأضواء وبعيداً عن الاستفزاز وردود الفعل وبعيداً عن حب الزعامة والرئاسة وتقرباً من المخلصين المجاهدين الذين سبقوهم في العطاء والتضحية واثبتوا أنهم ذات خبرة وكفاءة.
فلنحفظ أنفسا وأرواحنا حتى إذا ما جاءت الفرصة المناسبة كانت هذه الأنفس حاصدة لأرواح المعتدين .. ويكفينا خالد بن الوليد نموذجاً في هذا الميدان فهو الذي قاد الغزوات وحب الشهادة خالط دمه، لكن مشيئة الله اقتضت أن يموت على فراشه وحكمة الله كذلك اقتضت أن يسجل في سجل الشهداء ما دامت قد خلصت النية وصدق العمل.
وأذكر هنا ما قاله الشاعر وليد الأعظمي:
أن أجدر الناس بالكرامة
عبد تلفت نفسه ليسلم دينه
أخي الاستشهادي : قف قليلاً في ظلال كلمة تلفت فهي تعني السهر الطويل والتدريب الشاق والمحاولات الجهادية الكثيرة وفي كل مرة يزداد خبرة واحتياطاً وقوة، ولتقف قليلاً أمام هذه الظاهرة في المحاولة الجهادية لمرة واحدة فقط ومن يذهب يجب ألا يعود وهذا لا يخالف الحالات الاستشهادية التي يتم الإعداد لها جيداً وقد سجل تاريخ الجهاد الفلسطيني العديد من هذه الحالات الرائعة.
أبناؤنا أغلى علينا من أبنائهم لإبائهم فلا تهدروا الأنفس إلا في موضعها ..لذلك كان حريا بك أخي المجاهد أن تقف لتوزن الأمور جيدا ثم أقبل ... هدانا الله وإياكم.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية