إبراهيم حامد يعانق والدته بعد اثني عشر عاماً بدموع شامخة
فؤاد الخفش
لم يكن عناقاً عادياً ذلك العناق الذي حظي به الأسير إبراهيم حامد بعد اثني عشر عاماً من الفراق والتي أمضى نصفها الأول مطادراً والثاني معزولاً ومعتقلاً ومحروماً من الزيارة.
عقد ونصف العقد تلك المدة التي أمضتها الوالدة المشتاقة لولدها والتي اعتادت أن تحتضن صورته في كل ليلة دون أن تراه أو تشتم رائحته كانت تحدثه رغم وجع السنين، وكانت تسمعه بقلبها رغم ضعف حاسة السمع لديها تحدثه ويتحدث لها تشكو له خوفها وقلقها من مفارقتها الحياة دون أن تعانقه ويحدثها عن الصبر والاحتساب والأمل الذي يجب أن لا ينقطع.
تغفو الوالدة وبيدها صورة الحبيب إبراهيم وتستيقظ لتصلي الفجر وبيدها الصورة التي ما ملت النظر لها لتطبع على الصورة قبلة أم كبيرة كل أمانيها عناق الطفل الذي اختار الوطن وغاب عنها.
جزء من أمنية الحاجة (أم إبراهيم) قد تحقق وهو السماح لها بزيارته ويا لها من ليلة طويلة على الوالدة المشتاقة التي حمل لها مرات ومرات نبأ اغتيال طفلها المطارد إبراهيم أمضت الليلة تنظر إلى الصورة القديمة التي بان فيها إبرهيم بقمة قوته وصلابته تنهدت وقالت اللهم أحيني لفجر أعانق فيه إبراهيم وتركت المجال لخيالها يجول ويصول فرأت إبراهيم مع علي وسلمى والزوجة أسماء يجولون في فناء المنزل.
قبل الفجر اتكأت على عصاها وحملت جسدها واستندت إلى ابنتها أم حمزة وتوكلتا على الله، ودعوات الجميع من حولها تحفّها وعدد كبير من السلامات والأشواق حمّلت للزائرتين للغائب إبراهيم وتوجهتا إلى الصليب الأحمر الذي حملهما إلى هناك حيث إبراهيم في سجن شطة.
سحبت العصاة من الأم الكبيرة للفحص ولم تجد غير أم حمزه ابنتها تتكئ عليها وصبرت وتحملت فمن تريد لقياه أحب الأحباب وشقيق الروح الابن والصديق ومضت نحوه إلى شباك الزيارة.
في الجانب المقابل كان القائد والرجل والعملاق والكبير إبراهيم والذي أمضى الليل بجله يتخيل اللقاء وتجتر ذاكرته أيام الطفولة وتلك الخبزة التي كانت تصرّ على أن يأكلها وبها زيت وزعتر وأيام الدراسة والثانوية العامة وسهر الأم ورحلتها مع السجون في الاعتقالات السابقة وكم سبّب لها من تعب...
لم يغب عن إبراهيم وهو يتخيل في موعد اللقاء وساعة الزيارة أن هذا اللقاء قد يكون الأخير فحشر دمعاته في عينيه وحجب عن المحيطين به مرارة في الحلق وضيقاً في الصدر لا يمكن لبشر أن يشعر به إلا هو وأخذ نفسه العميق وطرد من ذاكرته كل تلك الأفكار وقرر أن يفرح باللقاء...
لم ينم إبراهيم في تلك الليلة وشعر كل من حوله في سجن شطه بذلك ومع ساعات الصباح ومع إخباره بحضور عائلته خرج لمكان الزيارة واختار لنفسه مكاناً بالقرب من الباب حتى لا تسير الوالدة مسافة كبيرة وجلس ينتظر ويترقب.
وكان اللقاء الذي لم تغب عنه الدموع ومحاولات إبراهيم الحديث بأعلى صوته كي يسمع الأم التي أعيتها الأيام وسرق منها الهرم حاسة السمع، رفع صوته لعله يحرك في قلبها أمراً ما، لم يمت في قلب من أمضت السنين ترفع عينها تارة للسماء تدعو أن يحفظ ربُّ إبراهيمَ إبراهيم وتارة إلى صورته ورسمه الذي بين يديها.
أم حمزه شقيقة إبراهيم بثت له كل أشواقها وأخبار العائلة وكانت ترتل على صدر أمها توصل لها حديث إبراهيم تبتسم تارة وتبكي مرة أخرى..
كل من كان في الزيارة من الأسرى التف حول قائدهم إبراهيم يسلمون على والدته وبلغة الإشارة يقولون للوالدة إن إبراهيم حبيبنا وصديقنا وهي لم يفتر لسانها عن الدعاء لهم وله فأنتم أبنائي كما إبراهيم.
عائلات الأسرى أيضاً تركت أبناءها وتوجهت نحو الأسطورة تريد أن تحظى بنظرة مباشرة له بكلمة معه الكل يسلم عليه الكل يشير له بأصبع النصر الكل يحييه وهو يردّ التّحايا بتواضع وحب وحنان يقدّر كل من أتاه ولكنه يريد أن يكسب أكثر وقت لرؤية والدته التي يحب.
بالدقائق الأخيرة سمح لإبراهيم بالتقاط صورة مع والدته وشقيقته وما إن فتح الباب ولم يعد ما يحول بينهما حتى انهال يقبلها في كل مكان، تشهق الأم وتبكي الأخت وتحبس أنفاس إبراهيم ويقفان أمام كاميرا السجان لأخذ الصورة التي أسأل الله أن لا تكون الصورة الأخيرة التي تجمع بين الحبيبين.
التقطت الصورة وعاد إبراهيم إلى زنزانته يحمل معه رائحة هذا اللقاء وتوكأت الأم على عصاها وابنتها وتمنت أن تصل غرفتها وبيتها في أسرع وقت حتى تلقي عن كاهلها تعب اللقاء وجمال العناق والصورة الجديدة لإبراهيم الذي كسا الشيب رأسه ولم يعد ذلك الطفل الذي تلف له خبزة الزيت والزعتر.
هذه صورة واقعية للقاء حقيقي ساحته السجون ومكانه فلسطين وأبطاله حقيقيون لم يكن فيها خيال ولا مساحة ( للعبد الفقير) صاحب الكلمات والدليل المكان الذي استقر به وقع الكلمات لكل من قرأ الحكاية وللأم أقول رحم الله قلبك ولإبراهيم فرج الله كربك ولنا ها هم أبناء فلسطين .
فؤاد الخفش
لم يكن عناقاً عادياً ذلك العناق الذي حظي به الأسير إبراهيم حامد بعد اثني عشر عاماً من الفراق والتي أمضى نصفها الأول مطادراً والثاني معزولاً ومعتقلاً ومحروماً من الزيارة.
عقد ونصف العقد تلك المدة التي أمضتها الوالدة المشتاقة لولدها والتي اعتادت أن تحتضن صورته في كل ليلة دون أن تراه أو تشتم رائحته كانت تحدثه رغم وجع السنين، وكانت تسمعه بقلبها رغم ضعف حاسة السمع لديها تحدثه ويتحدث لها تشكو له خوفها وقلقها من مفارقتها الحياة دون أن تعانقه ويحدثها عن الصبر والاحتساب والأمل الذي يجب أن لا ينقطع.
تغفو الوالدة وبيدها صورة الحبيب إبراهيم وتستيقظ لتصلي الفجر وبيدها الصورة التي ما ملت النظر لها لتطبع على الصورة قبلة أم كبيرة كل أمانيها عناق الطفل الذي اختار الوطن وغاب عنها.
جزء من أمنية الحاجة (أم إبراهيم) قد تحقق وهو السماح لها بزيارته ويا لها من ليلة طويلة على الوالدة المشتاقة التي حمل لها مرات ومرات نبأ اغتيال طفلها المطارد إبراهيم أمضت الليلة تنظر إلى الصورة القديمة التي بان فيها إبرهيم بقمة قوته وصلابته تنهدت وقالت اللهم أحيني لفجر أعانق فيه إبراهيم وتركت المجال لخيالها يجول ويصول فرأت إبراهيم مع علي وسلمى والزوجة أسماء يجولون في فناء المنزل.
قبل الفجر اتكأت على عصاها وحملت جسدها واستندت إلى ابنتها أم حمزة وتوكلتا على الله، ودعوات الجميع من حولها تحفّها وعدد كبير من السلامات والأشواق حمّلت للزائرتين للغائب إبراهيم وتوجهتا إلى الصليب الأحمر الذي حملهما إلى هناك حيث إبراهيم في سجن شطة.
سحبت العصاة من الأم الكبيرة للفحص ولم تجد غير أم حمزه ابنتها تتكئ عليها وصبرت وتحملت فمن تريد لقياه أحب الأحباب وشقيق الروح الابن والصديق ومضت نحوه إلى شباك الزيارة.
في الجانب المقابل كان القائد والرجل والعملاق والكبير إبراهيم والذي أمضى الليل بجله يتخيل اللقاء وتجتر ذاكرته أيام الطفولة وتلك الخبزة التي كانت تصرّ على أن يأكلها وبها زيت وزعتر وأيام الدراسة والثانوية العامة وسهر الأم ورحلتها مع السجون في الاعتقالات السابقة وكم سبّب لها من تعب...
لم يغب عن إبراهيم وهو يتخيل في موعد اللقاء وساعة الزيارة أن هذا اللقاء قد يكون الأخير فحشر دمعاته في عينيه وحجب عن المحيطين به مرارة في الحلق وضيقاً في الصدر لا يمكن لبشر أن يشعر به إلا هو وأخذ نفسه العميق وطرد من ذاكرته كل تلك الأفكار وقرر أن يفرح باللقاء...
لم ينم إبراهيم في تلك الليلة وشعر كل من حوله في سجن شطه بذلك ومع ساعات الصباح ومع إخباره بحضور عائلته خرج لمكان الزيارة واختار لنفسه مكاناً بالقرب من الباب حتى لا تسير الوالدة مسافة كبيرة وجلس ينتظر ويترقب.
وكان اللقاء الذي لم تغب عنه الدموع ومحاولات إبراهيم الحديث بأعلى صوته كي يسمع الأم التي أعيتها الأيام وسرق منها الهرم حاسة السمع، رفع صوته لعله يحرك في قلبها أمراً ما، لم يمت في قلب من أمضت السنين ترفع عينها تارة للسماء تدعو أن يحفظ ربُّ إبراهيمَ إبراهيم وتارة إلى صورته ورسمه الذي بين يديها.
أم حمزه شقيقة إبراهيم بثت له كل أشواقها وأخبار العائلة وكانت ترتل على صدر أمها توصل لها حديث إبراهيم تبتسم تارة وتبكي مرة أخرى..
كل من كان في الزيارة من الأسرى التف حول قائدهم إبراهيم يسلمون على والدته وبلغة الإشارة يقولون للوالدة إن إبراهيم حبيبنا وصديقنا وهي لم يفتر لسانها عن الدعاء لهم وله فأنتم أبنائي كما إبراهيم.
عائلات الأسرى أيضاً تركت أبناءها وتوجهت نحو الأسطورة تريد أن تحظى بنظرة مباشرة له بكلمة معه الكل يسلم عليه الكل يشير له بأصبع النصر الكل يحييه وهو يردّ التّحايا بتواضع وحب وحنان يقدّر كل من أتاه ولكنه يريد أن يكسب أكثر وقت لرؤية والدته التي يحب.
بالدقائق الأخيرة سمح لإبراهيم بالتقاط صورة مع والدته وشقيقته وما إن فتح الباب ولم يعد ما يحول بينهما حتى انهال يقبلها في كل مكان، تشهق الأم وتبكي الأخت وتحبس أنفاس إبراهيم ويقفان أمام كاميرا السجان لأخذ الصورة التي أسأل الله أن لا تكون الصورة الأخيرة التي تجمع بين الحبيبين.
التقطت الصورة وعاد إبراهيم إلى زنزانته يحمل معه رائحة هذا اللقاء وتوكأت الأم على عصاها وابنتها وتمنت أن تصل غرفتها وبيتها في أسرع وقت حتى تلقي عن كاهلها تعب اللقاء وجمال العناق والصورة الجديدة لإبراهيم الذي كسا الشيب رأسه ولم يعد ذلك الطفل الذي تلف له خبزة الزيت والزعتر.
هذه صورة واقعية للقاء حقيقي ساحته السجون ومكانه فلسطين وأبطاله حقيقيون لم يكن فيها خيال ولا مساحة ( للعبد الفقير) صاحب الكلمات والدليل المكان الذي استقر به وقع الكلمات لكل من قرأ الحكاية وللأم أقول رحم الله قلبك ولإبراهيم فرج الله كربك ولنا ها هم أبناء فلسطين .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية