إذا غلا الشيء أرخصوه
بقلم: مصطفى الصواف
سئل الإمام الحسن البصري ذات يوم من جمهور الناس أن اللحم ارتفع سعره ولم يقدر الناس على الشراء، ماذا نفعل، فقال الإمام: "أرخصوه"، فقالوا كيف يا إمام؟، قال : "لا تشتروه"، وهذه المقولة أو النصيحة هي قانون اقتصادي، تحدث به الإمام قبل أن يتحدث به علماء الاقتصاد المحدثون، فعدم شراء شيء ما يجعله يكسد في الأسواق، بمعني أن العرض يكون أكثر من الطلب، وإذا أصبح العرض أكثر من الطلب يرخص سعر الشيء ويصبح في متناول الجميع، ولكن إذا ما زاد الطلب وانكب الناس على شيء ما يصبح نادرا وكميته قليلة فيرتفع السعر، وهذا يتوافق مع قانون العرض والطلب، إذا زاد العرض قل الطلب، وإذا زاد الطلب قل العرض.
واليوم ونحن في شهر رمضان الفضيل هناك من الأشياء التي ينكب عليها الناس بشكل غير عادي ما يؤدي إلى ارتفاع سعرها ويجعل الباعة يتحكمون فيها، ويصبح الثمن مضاعفاً مرات عن الثمن الحقيقي، أو أن هذه الأشياء ليس هذا موسمها الزراعي؛ ولكن هناك طلب متزايد عليها نجدها يرتفع سعرها، وتبدأ شكوى الناس من زيادة الأسعار علما أنهم لو توقفوا عن شرائها فقط أسبوع من الزمن سنلحظ على الفور أن ثمنها يقل لدرجة كبيرة، ذكر ذات مرة أن رئيسة جمعية ربات البيوت في بريطانياً اشتكت إليها جمهور ربات البيوت من ارتفاع ثمن كيلو السمك وبعد حديث طويل بين أعضاء الجمعية ورئيستها تم الاتفاق على الامتناع عن شراء السمك فترة من الزمن، حتى بات الباعة يشتكون من عدم الإقبال وازدادت الكميات في السوق ما أدى إلى هبوط السعر بدرجة تتناسب ومستويات الدخل للمواطنين، وبذلك نجح مجموع الجمهور في سياسة إذا غلا الشيء أرخصوه، تلك السياسة التي رسمها الإمام الحسن البصري رحمه الله.
الناس اليوم تشكو ارتفاع الأسعار في شهر رمضان ويطالبون وزارة الاقتصاد بالعمل على فرض تسعيرة محددة للمواد، مع أن السوق هنا في قطاع غزة سوق حرة لا تتدخل الحكومة في تحديد الأسعار فيها، وهي متروكة لقانون العرض والطلب، والمستهلك هو العنصر الأساسي في ارتفاع أو رخص الأسعار دون أن يتدخل أحد، سواء وزارة أو جمعيات، والقانون هو قانون الحسن البصري.
لذلك علينا أن ندرك أن الوزارة لن يكون بمقدورها أن تحدد سعر شيء ما من المواد الاستهلاكية؛ لأن الحكومة ليست مصدر إنتاج هذه المواد، ومصدر الإنتاج ليس واحداً، والأصناف مختلفة وذات جودة متنوعة لذلك فالأسعار ستكون مختلفة، ويصعب تحديد سعر واحد لصنف متعدد الجودة.
هناك حملة من قبل وزارة الاقتصاد الوطني والتموين عبر مباحث التموين على باعة اللحوم من الجزارين، ومحاولة من الوزارة لتحديد سعر الكيلو من اللحم ما بين 35 إلى 40 شيقل، خاصة بعد دخول كميات من العجول إلى القطاع، هذه الخطوة حقيقة ليست صائبة من قبل الوزارة لأن اللحم مختلف في النوعية، وكل نوع له ثمن مختلف، وفرض تسعيرة واحدة لا يستقيم مع تنوع أنواع اللحوم، فالرغبات مختلفة، واللحم كبير السن وكبير الوزن كالذي دخل الأسواق مؤخرا إلى قطاع غزة، سعره قد يتوافق مع تسعيرة الوزارة، ولكن اللحم صغير السن يكون عادة سعره أكثر، والمستهلك له حرية الاختيار بين هذا اللحم وبهذا السعر وبين ذاك اللحم مرتفع السعر، وحرية الاستهلاك متاحة للمواطن ليختار ما يريد، هل يريد أن يأخذ من اللحم منخفض السعر؟، هذا يعود إلى ثقافته الاستهلاكية ومقدرته الشرائية ومن يرد غير ذلك يتصرف وفقا لرغبته، فطالما أن كل الأصناف متوفرة في الأسواق وحرية الاختيار متاحة للمستهلك، فلا تدخل من الوزارة.
وعليه ووفق ما أرى أن على الوزارة عدم التدخل في تحديد الأسعار؛ لأن في ذلك تضييق الموسع، وهذا لا أعتقد يستقيم في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة في قطاع غزة، رغم أن هناك حالة حصار، وهناك من الباعة من لا يتقي الله، ولديه جشع كبير واستغلال، لكن المراقبة للأسواق، وهي مهمة وضرورية حتى لا يكون هناك احتكار لسلعة ما، أو استغلال من بعض التجار أو الباعة.
سواء كنا في شهر رمضان أو في غيره، يجب أن يراعي الجميع ظروف الناس وأوضاعهم الاقتصادية، وحالة الحصار المفروض على القطاع، كل ذلك يتطلب من الجميع، التاجر والبائع والمستهلك، مراعاة ذلك، وأن يتعاون الجميع من أجل مواجهة سياسة الحصار والتضييق التي يفرضها العدو، وأن لا يتعدى دور الوزارة دور المراقب لحالة السوق وضبط حالات الغش سواء في الأصناف أو الأسعار لو كانت هناك مواد محتكرة من قبل تاجر واحد أو شركة بعينها، وهذا يتطلب معرفة الأثمان الحقيقية للبضائع ومن ثم تحديد نسبة الربح في المحتكر منها فقط.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية