(إسرائيل) والاعتراف بالهزيمة
جمال أبو ريدة
جاء الإعلان المفاجئ للمحكمة العليا (الإسرائيلية) بالموافقة على الإفراج عن الأسير الفلسطيني القائد خضر عدنان- وذلك في 17/4 المقبل، مقابل وقف إضرابه عن الطعام، والذي استمر 66 يومًا متوالية- أشبه ما يكون بهزيمة جديدة لـ(إسرائيل)، تضاف إلى سجل هزائمها الطويل في العقد الأخير، ولكن ما يميز الهزيمة هذه المرة عن الهزائم في المرات الماضية، أنها كانت في مواجهة أسير فلسطيني واحد يقبع داخل غياهب سجونها المظلمة من بين ما يزيد عن 4300 أسير فلسطيني، لازالوا يقبعون داخل هذه السجون ظلمًا وزورًا، وليس في مواجهة دولة قوية، أو حزب مقاوم، أو حركة مجاهدة.
ويمكن القول بأن هذه الهزيمة تأتي في إطار تلاحق الهزائم المتوالية على (إسرائيل) في السنوات الأخيرة، التي بدأت تحديدًا مع انسحابها من جنوب لبنان دون قيد أو شرط في 25/5/2000م، وبعد ذلك انسحابها من غزة بدون قيد أو شرط أيضًا في 15/8/2005م، وفشل عدوانها على لبنان في العام 2006م، وبعد ذلك فشل عدوانها على غزة في العام 2007/2008م، وفشلها في الوصول إلى جنديها الأسير لدى حركة "حماس"، ورضوخها في نهاية المطاف إلى مطالب الحركة كاملة بالإفراج عن1027 أسير فلسطيني، وذلك بعد 6 سنوات من تجنيد أجهزتها الأمنية لكل الإمكانات التي وصل إليها العقل البشري في البحت عن "شاليط" للوصول إليه حيًا أو ميتًا في قطاع غزة، الذي لا تزيد مساحته الجغرافية عن 360 كم مربع، ولكن بدون جدوى.
والملاحظ أن هذه الهزائم المتوالية على (إسرائيل) في العقد الأخير، قد جاءت بفعل المقاومة والصمود والصبر والثبات على الحق في مواجهة الغطرسة (الإسرائيلية)، وليس أمام أي فعل آخر، وللتوضيح أكثر فإن الانسحاب (الإسرائيلي) من جنوب لبنان قد جاء بعد 17 عامًا من المقاومة وتقديم الشعب اللبناني، والمقاومة اللبنانية على وجه التحديد التضحيات الغالية، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب "صاغرًا" (...)، والانسحاب من غزة قد جاء بعد 38 عامًا على غرار ما جرى في جنوب لبنان، وهذا الأمر ينسحب على العدوان على لبنان، وغزة، والاحتفاظ بالجندي "شاليط"، وهو درس مفيد للسلطة الفلسطينية، مفاده أن الوصول إلى الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني يحتاج إلى تضحيات غالية (...)، ولعل ما يعزز من ذلك أن تجربتها "التفاوضية"- والتي استمرت ما يقارب العشرين عامًا من المفاوضات في أشكالها المختلفة: السرية والعلنية، والمباشرة وغير المباشرة، وأخيرًا المفاوضات "الاستكشافية" في العاصمة الأردنية عمان، والتي بدأت وانتهت مع مطلع العام الجديد 2012م- قد باءت بالفشل الذريع، وأن الوقت قد حان من أجل العودة إلى المقاومة المسلحة، لانتزاع وإعادة الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني.
إن الشيء المؤكد أن إضراب الأسير عدنان عن الطعام لمدة 66 يومًا متوالية هو فعل مقاوم بامتياز، ينبغي أن يؤسس لبداية عمل فلسطيني منظم وجاد، وذلك لوضع حد نهائي للاعتقالات التعسفية بحق الآلاف من أبناء شعبنا في الضفة الغربية والقدس، وتحديدًا الاعتقال الإداري، الذي طال في العام الماضي ما يقارب 307 فلسطينيين بدون وجه حق، كان من بينهم 17 نائبًا من نواب المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخبين، وعلى رأسهم رئيس المجلس عزيز دويك، في انتهاك صارخ وفاضح لأبسط حقوق الإنسان في الحرية، والحق في محاكمة عادلة.
ولعل من المفيد أن نذكر السلطة الفلسطينية بما قالته القناة الثانية (الإسرائيلية) :" بأن الأسير عدنان قد قهر الدولة العبرية، وأن الدولة خضعت لشروطه رغم المعلومات المتوفرة لديها حول خطورته على أمنها"، ووجه التذكير أن الطريق الذي سلكه عدنان هو طريق صعب، وكان من الممكن أن يفقد حياته، ولكنه قد تبين بأنه أقصر الطرق لانتزاع الحقوق، وذلك لأن معاناة 66 يومًا من الجوع، قد أغلقت على (الإسرائيليين) باب التمديد له مرة أخرى بالاعتقال الإداري، مثلما مددت للكثير من المعتقلين الفلسطينيين إداريًا لديها، وستجعل (إسرائيل) من بعد اليوم تفكر كثيرًا قبل الإقدام على اعتقال آخرين إداريًا، وذلك لخشيتها من أن تصبح تجربة عدنان فاتحة، لإضرابات أخرى قد تكون أطول من تجربة عدنان، تزيد أكثر من فضيحة (إسرائيل) وعزلتها دوليًا.
والنصيحة التي نتوجه بها إلى الكل الفلسطيني في الفترة القادمة، وتحديدًا إلى القوى الحية الفلسطينية، هو ضرورة العمل الجاد على "استنزاف" إمكانات (إسرائيل) بكل السبل والوسائل المتاحة، فانتهاء إضراب الأسير عدنان ينبغي أن يكون بداية لمعركة جديدة مع الاحتلال في القريب العاجل، وذلك لقطع الطريق عليه من التقاط أنفاسه، الأمر الذي من شأنه أن يعطيه الفرصة لتحسين و"تبييض" صورته "السيئة" في المجتمع الدولي من جانب، ولجعل القضية الفلسطينية حاضرة على جدول أعمال المجتمع الدولي من جانب آخر
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية