(إسرائيل) والمتدينون والخلطة السحرية ...بقلم : علي بدوان

الأربعاء 08 فبراير 2012

(إسرائيل) والمتدينون والخلطة السحرية

علي بدوان
ما زال المجتمع اليهودي الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية تتنازعه خلطة سحرية ناجحة حتى الآن، عنوانها المزج بين الأيديولوجيا والميثولوجيا، وهي خلطة مكنته إلى الآن من الاستمرار ومن تشكيل مركز جذب لقطاعات من يهود المعمورة قاطبة. فالأيديولوجية الصهيونية استقت بناءها الفكري من معين لا ينضب من الخرافات التي حملتها الميثولوجيا وخرافات التوراة المزيفة، التي قالت "بشعب الله المختار" وبمقولة "أرض الميعاد"، ومن تلك النظرية (الأيديولوجيا) ترعرع غلاة الصهاينة بالرغم من كون غالبيتهم تنتمي لصف العلمانيين في حياتهم، في مأكلهم ومشربهم وفي احتسائهم الكحول وأكل لحم الخنزير, والعمل يوم السبت.

الأيديولوجيا المخلوطة بالميثولوجيا، وفرت التربة الفكرية الخصبة لنشر الدعوة الصهيونية، وقلب الأوهام إلى حقائق في نفوس قطاعات من يهود العالم، وهو ما حدا العلمانيين (وهم الغالبية) من قادة الحركة الصهيونية و"إسرائيل" إلى القبول باشتراطات الأصوليين والمتشددين من اليهود وحاخاماتهم، حيث صدرت عشرات القوانين في "إسرائيل" التي تجانب وتحابي قيادات "الأكليروس الأرثوذكسي اليهودي الصهيوني/الحريديم"، من قوانين الصرف والميزانيات والتعليم العبري الديني، إلى إعفاء المتدينات وقطاعات من المتدينين من التجنيد (قانون طال) الذي يرتب عمليًّا تملص الأصوليين اليهود من الخدمة العسكرية الإلزامية في قوات جيش الاحتلال "الإسرائيلي".

ويشار إلى أن قانون (طال) منح المتدينين إعفاء من الخدمة الإلزامية في "الجيش الإسرائيلي" وجرت المصادقة عليها في شهر يوليو عام 2002 ولفترة خمسة أعوام، وفي تموز/يوليو عام 2007 تم تمديد الفترة لخمسة أعوام جديدة، ومن المفترض أن تنتهي هذه الفترة بعد نصف عام في شهر تموز/يوليو عام 2012.

ويذكر أن أكثر من ثلاثين جنرالا وعميدا في الاحتياط في جيش الاحتلال، وقعوا مطلع العام الجديد 2012 على وثيقة تطالب بتعديل قانون "طال" الخاص بإعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، والإقرار بأن كل شخص في "إسرائيل" ملزم بالتجنيد للخدمة الإلزامية في "الجيش الإسرائيلي".

أما الوثيقة والتي جاءت تحت عنوان تمديد قانون "طال يعتبر كارثة على "الجيش الإسرائيلي"، أكدت على أن تمديد هذا القانون بمثابة الطلقة الأولى للبدء في حملة دعائية واسعة بادر إليها منتدى المساواة في حمل المسؤولية التابع "للجيش الإسرائيلي". ومن بين الموقعين على الوثيقة الجنرالات في الاحتياط (عمرام متسناع) رئيس حزب العمل السابق، والجنرال السابق في المخابرات (أهارون زئيفي فركش)، والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال (شلومو غازيت) و(غيورا ايلاند) رئيس مجلس الأمن القومي السابق، وغيرهم الكثير من الجنرالات.

وبالطبع هناك فارق بين المعفيين من الخدمة العسكرية والمتفرغين للعمل الديني من المتدينين من الأكليروس الأرثوذكسي اليهودي الصهيوني/الحريديم، وبين المتدينين بشكل عام الذي يخضعون لخدمة العسكرية، حيث تشير معطيات شعبة الطاقة البشرية في "الجيش الإسرائيلي" إلى تغلغل أتباع التيار الديني الصهيوني في الجيش، لدرجة أنهم باتوا يشكلون حوالي (60%) من الضباط في الوحدات القتالية، وأضحى رجالاتهم يتنافسون أيضًا على قيادة الأجهزة الاستخبارية ذات التأثير الطاغي على دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني، حيث أشارت العديد من الدراسات "الإسرائيلية" بأن الآلاف من خريجي المعاهد الدينية يتدفقون منذ فترة طويلة من الزمن على الالتحاق بالجيش، ولكن مع الحفاظ على روابطهم الوثيقة بمعاهدهم وزعاماتهم الروحية التي لا تزال تمثل مصدر الإلهام الأول لهم في سلوكهم وتصرفاتهم، بحيث تحولت الخدمة العسكرية لديهم إلى وسيلة لخدمة مشروعهم.

ومؤخرًا، انطلقت بعض أصوات العلمانيين من قادة الأحزاب الكبرى في "إسرائيل" من أصحاب "منتدى المساواة في العبء"، تطالب بفرض ما أسمته "الخدمة المدنية" على الجميع، وفيه نموذج خدمة عسكرية ومدنية للجميع، وإلى جانبه أجر لأولئك الذين يختارهم "الجيش الإسرائيلي" للخدمة العسكرية، خصوصًا وأن عدد الأصوليين اليهود الذين لا يخدمون في "الجيش الإسرائيلي" ولا يؤدون الخدمة الإلزامية في تزايد، وأن أكثر من نصف "الإسرائيليين" الذين وصلوا سن الـ(18) عامًا لا يستكملون عادة خدمة عسكرية كاملة، وهو أمر يخفض من الطاقة البشرية "للجيش الإسرائيلي" باستمرار، الذي يعوضها بالتكنولوجيا المتطورة التي تحاج إلى كم بشري أقل من الحالة الطبيعية في جيش ما زالت التكنولوجيا عادية الانتشار في صفوف أسلحته وتجهيزاته القتالية.

لقد وصف بعضهم والمقصود من الصهاينة العلمانيين بأن نزولهم عند رغبات المتشددين من الأكليروس اليهودي كمن يؤدي قصة في حفلة الأقنعة السائدة في "إسرائيل" تجاه موضوع قانون طال (إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية) بدلًا من الحكم السليم، وعليه فقد باتوا يطرحون عنوان (الخدمة العسكرية للجميع)، وأن الجيش يختار من يريد، والباقون يخدمون خدمة مدنية بمدة مشابهة للخدمة العسكرية التي تقلصت إلى سنتين، ومن يختاره "الجيش الإسرائيلي" للخدمة يحتاج إلى فترة ثلاث سنوات، ولا سيما في الوحدات القتالية ويعوض في أثناء خدمتهم بالأجر المجزي، الذي يمكن أن يتراكم إلى مبالغ طائلة.

إن قطاعا هاما من العلمانيين في "إسرائيل" ومن قادة أحزاب كبرى وهم يتقدمون باقتراحات لتعديل قانون الخدمة العسكرية وتعديل قانون (طال) الذي قضى بإعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، يسعون لإدخال من لا يدخلون إلى دائرة العمل، وهم عشرات الآلاف ممن لا يعملون بسبب "توراتهم معتقدهم"، وتقليص المخصصات التي تدفع لهم، مقابل تقديمها للواقعين تحت الخدمة العسكرية الفعلية.

في هذا السياق، فإن موجات التحريض على العرب، باتت بدورها تدور حول مسألة الخدمة العسكرية، فاليمين الصهيوني ومعه قطاعات من "اليسار" يعلنون اليوم بأن حقوق المواطنة الكاملة للعرب في "إسرائيل" تقتضي إلزام المواطنين العرب الفلسطينيين ممن تبقوا داخل فلسطين عام 1948، بالخدمة الإلزامية في صفوف "الجيش الإسرائيلي".

وعليه، فإن مساعي تبذل على هذا الصعيد داخل "إسرائيل" لتعديل قانون الجنسية ليأخذ بعين الاعتبار تلك الرغبة التي تطالب بها تلك القطاعات.

كاتب فلسطيني - دمشق

صحيفة الوطن العمانية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية