إضراب الأسرى ونقطة اللاعودة... بقلم : جمال أبو ريدة
بعد 20 يومًا على إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (الإسرائيلي)، والذي بدأ يوم 17 نيسان/ أبريل الماضي، لوضع حد للانتهاكات (الإسرائيلية) بحقهم (...)، بات من المؤكد قدرة الحركة الفلسطينية الأسيرة على الصمود في وجه كافة الإجراءات التعسفية واللأخلاقية التي قامت بها مصلحة السجون (الإسرائيلية)، لكسر الإضراب بكل السبل والوسائل الممكنة وغير الممكنة، والتي كان آخرها محاولة "شق" صف الحركة الأسيرة، حينما عرضت على أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجن "مجدو"، إنهاء الإضراب مقابل إنهاء العزل الانفرادي للأمين العام للجبهة الشعبية النائب الأسير أحمد سعدات (59) عامًا، فكان رد مضربي الجبهة الشعبية، بأن الإضراب جاء كخطوة سياسية لإنهاء عزل كافة الأسرى في السجون ولم يكن يخص إنهاء عزل سعدات بمفرده، وهو موقف يحسب لأسرى الجبهة الشعبية ويستدعي دعمه من قبل بقية الفصائل الفلسطينية في السجون (الإسرائيلية).
ويمكن القول أن صمود الأسرى طوال الأسبوعين الماضيين قد وحد الحركة الأسيرة داخل السجون، بخلاف القرار السياسي لبعض الفصائل الفلسطينية في الخارج، التي كانت معارضة "لتوقيت" الإضراب وتحديدًا حركة "فتح"، ولعل انضمام المزيد من الأسرى للإضراب بشكل يومي حتى وصل عدد الأسرى المضربين عن الطعام حتى كتابة هذه السطور إلى ما يزيد عن 2000 أسير من كافة الفصائل الفلسطينية من أصل 4700 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، بعدما بدأ الإضراب بـ 1600 أسير فقط، شاهد حي على وحدة الحركة الأسيرة، ولقد شكل دخول الأسرى المرضى الإضراب في اليومين الأخيرين، الذين أضربوا عن الطعام والدواء على حد سواء، نصرًا آخر للإضراب لتجسيد وحدة الحركة الأسيرة، أمام "بطش" مصلحة السجون (الإسرائيلية)، بحيث لم يعد هناك أي سبب مقنع أمام عدم انضمام بقية الأسرى للإضراب، الأمر الذي يعني أن الإضراب قد وصل مرحلة اللاعودة، وأن المطلوب بعد اليوم هو الضغط على (إسرائيل) بكل السبل للاستجابة لمطالب الأسرى.
ولعل من المفيد القول إن تماسك الحركة الأسيرة ووصولها إلى هذه المرحلة من الإضراب، يستدعي المزيد من التفاف الشعب الفلسطيني حول قضية الأسرى، خصوصًا بعد تدهور الحالة الصحية للأسيرين: بلال ذياب، وثائر حلاحلة اللذين مّر على إضرابهما عن الطعام لمدة 66 يوماً، وهي مرحلة قد تتسبب بـ "وفاتهما" في أي لحظة، الأمر الذي يستدعي من السلطة الفلسطينية التدخل بكل قوة لدى الجانب (الإسرائيلي)، لوقف انتهاكاتها بحق الأسرى، وأعتقد أن السلطة تملك الكثير من الأوراق للضغط على (إسرائيل) في هذا الجانب، ويكفي التقدم في ملف المصالحة الوطنية، ووقف التنسيق الأمني مع الجانب (الإسرائيلي) وغير ذلك من الأوراق السياسية "المعطلة"، لوقف (إسرائيل) انتهاكاتها بحق الأسرى، قبل "انفجار" الشعب الفلسطيني، وتحديدًا في الضفة الغربية، التي لا زالت لم تتفاعل مع إضراب الأسرى بالشكل المطلوب، لأسباب باتت معروفة لدى الرأي العام الفلسطيني، الذي ضاق درعا بهذا الموقف "غير اللائق" للسلطة الفلسطينية، في الوقت الذي كان فيه الواجب الوطني يستدعي منها أن تتقدم الصف الفلسطيني، لا أن تبقى في مؤخرته.
وفي المقابل الفلسطيني، فإن الرأي العام العربي مطالب أيضا بالتحرك العاجل لنصرة قضية الأسرى الفلسطينيين، من خلال الضغط على العواصم العربية وتحديدًا التي لا زالت تحتفظ بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع (إسرائيل) سرًا وعلانية، للضغط على عواصمها لقطع هذه العلاقات على الفور، فليس من العقل أن تكافئ الأنظمة العربية (إسرائيل) على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني بالإبقاء على هذه العلاقات ليوم واحد بعد اليوم، ولعل ما يعزز من ذلك هو التغيير القائم اليوم في العالم العربي، والذي استطاع أن يطيح بالعديد من الأنظمة العربية، وواحد من أسباب "إطاحة" الشعوب العربية بهذه الأنظمة، هو التزام هذه الأنظمة الصمت اتجاه الجرائم (الإسرائيلية) البشعة بحق الشعب الفلسطيني، وعلى رأس هذه الأنظمة نظام الرئيس المخلوع مبارك، الذي التزم الصمت اتجاه العدوان على غزة في العام 2008م، وقبل ذلك التزم الصمت اتجاه الحصار (الإسرائيلي) على غزة في العام 2006م.
وبالقدر نفسه فإن الجالية الفلسطينية ومن خلفها الجاليات العربية والإسلامية في العالم، مطالبة بالتحرك العاجل في العواصم العالمية وتحديدًا الأوروبية منها، من خلال التظاهر اليومي أمام سفارات (إسرائيل) في هذه العواصم، لفضح الممارسات العنصرية (الإسرائيلية) بحق الأسرى الفلسطينيين، ولتعريف الرأي العام العالمي بحقيقة العنصرية (الإسرائيلية)، لأن الرأي العام العالمي وتحديدًا الأوروبي منه، لازال منخدعا بالإعلام الصهيوني الذي يقدم (إسرائيل) باعتبارها واحة الديمقراطية الوحيدة في الصحراء العربية، ولعل كسب الشيخ رائد صلاح للقضية التي رفعها ضد قرار إبعاده " القسري" من بريطانيا، يكفي للتأكيد على ما يمكن للفلسطينيين عمله على الساحة الأوروبية "لفضح" الممارسات العنصرية (الإسرائيلية) بحق الأسرى، وتغيير قناعات هذا الرأي من (إسرائيل)، الأمر الذي من شأنه أن يعود بالنفع على القضية الفلسطينية.
والنجاح على هذه المستويات يستدعي من السلطة الفلسطينية التحرك العاجل على صعيد المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية التي تتبعها والمتعلقة على وجه التحديد بالأسرى، لاستصدار قرار دولي يعترف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، الأمر الذي من شأنه إرغام (إسرائيل) على منح الأسرى كافة حقوقهم التي شرعتها اتفاقات "جنيف" عام 1949م، وفي حالة "رفض" ذلك فإن المجتمع الدولي مطالب بفرض العقوبات على (إسرائيل)، أسوة بالعقوبات التي فرضت على الدول الأخرى التي لم تلتزم بقرارات المنظمة الدولية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية