إلى الأبد
خالد معالي
خرج علينا "نتنياهو" بتصريحات نارية تحاكي زعماء العرب قبل ربيعهم؛ من أن القدس المحتلة عاصمة دولته المزعومة إلى الأبد، كما كانت منذ 3 آلاف عام؛ وان اليهود وجدوا على الأرض الفلسطينية منذ ألاف السنين، ولهم حق فيها بفعل العامل التاريخي الذي ركز عليه في تصريحاته، فهو كمن " فكر وقدر، فقتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر".
يتردد في العالم العربي كثيرا مصطلح إلى الأبد ...؛ فشعار الأسد إلى الأبد معروف، وشعار الزعيم الملهم والفذ صاحب الحكمة والبصيرة، والقرارات الصائبة دائما التي لا تخطئ، من قبيل مقولة فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى"، هي الأخرى معروفة للجميع.
يغالط السنن الكونية والجدلية التاريخية ومنطق الأشياء؛ كل من يقول أن هناك حدثا أو شيئا سيستمر إلى الأبد؛ فقد قضت حكمة الله تعالى أن الأيام دول، يتم تداولها بين الناس، وان التغيير سنة دارجة يخسر من غالبها في نهاية الأمر.
لننظر من حولنا، كيف أن الشجر يبدل أوراقه ويغيرها كل سنة، وحتى أن حيوانات وكائنات حية تبدل جلدها وتغيره في مواسم معينة.
الذي يمكن أن يبقى ذكره يطول ويطول ولكن ليس للأبد؛ هو الانجاز، وتقديم شيء جديد ومفيد للبشرية جمعاء، وهنا فان ما يقدمه "نتنياهو" هو المزيد من المشاكل والمعضلات، وتوتير المنطقة، وزرع بذور الفتنة، والقتل والدمار، وإيقاد نيران الحروب، فالتاريخ لن يذكره ولو بحسنة واحدة ؛ بل بالقتل والتخريب وأنواع الشرور الكثيرة "كشيطان رجيم" .
"نتنياهو" بتصريحاته الأبدية يستخدم نفس مصطلحات الزعماء العرب، ويبدو انه تأثر بما لدى القادة العرب من سيئات وسلبيات، ولم يتعظ مما يجري حوله من تغيير، ولذلك يسارع بالمكابرة والعنجهية والمغالطة التاريخية بتصريحاته تلك.
لو أن كل مسلم سكن أو تواجد في بقعة من العالم صار له حق فيها؛ فان فرنسا واسبانيا والبرتغال هي للعرب والمسلمين، وهذا غير معقول وغير مقبول من قبل كل عاقل، وهو على شاكلة ما صرح به "نتنياهو".
نواميس الكون ومعادلاته قضت بالتبدل والتغيير الجزئي والشامل؛ من هنا يمكن القول أن القيادة الامريكية الحالية كانت "حكيمة لدرجة ما" بعدم مغالبة سنن الكون في التغيير؛ ولذلك سارعت إلى عدم مواجهة طوفان التغيير بما اصطلح عليه "الربيع العربي"؛ بل فكرت وقدرت، وهي الآن تحاول أن تركب موجته ما استطاعت إلى ذلك سبيلا؛ وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على رواد وقيادة الربيع العربي بقدر حكمتهم وفطنتهم، وتغليب مصلحة شعبهم وأمتهم على المصالح الامريكية دون صدام.
حضارات عظيمة قامت بقوة وتألقت؛ منها حضارات كانت ظالمة وقاسية، اندثرت بسرعة، ومنها حضارات عادلة وعظيمة استمرت طويلا، كالحضارة الإسلامية، وجميعها تبدلت وتغيرت، فهل "نتنياهو" أقوى من تلك الحضارات والدول حتى يدلي بتصريحاته الكاذبة والمغلوطة تلك؟!
الاتحاد السوفيتي وعلى عظمته سابقا؛ تغير وتبدل بفعل عوامل التغيير الجارفة. حكام عرب طغاة قساة ذهبوا ورحلوا غير مأسوف عليهم، بفعل قوة التغيير التي غالبوها وعاندوها حتى أطاحت بهم وكنستهم إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليهم، والبقية تنتظر دورها، شاءت أم أبت.
لننظر حولنا ونتفكر قليلا في انجاز المقاومة الأخير في غزة، التي تبدلت وتطورت وتغيرت بسرعة قياسية من الحجر إلى الصاروخ، والذي سيبقى ذكرها يطول، وتكتب كلماتها بمداد من ذهب.
من كان يصدق أن قطاع صغير محاصر ومجوع يقدر على الوصول إلى قلب دولة الاحتلال المدججة بمختلف أنواع الأسلحة، ويضربها بقوة وعظمة، ويفرض شروطه؟! ومن كان يصدق أن عدة آلاف من المقاومين يصنعون تاريخا مختلفا في المنطقة، طال انتظاره، وشاب وهرم الكثيرون لأجل هذه اللحظة؟!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية