اختطاف الإسلام و يتم المسلمين
د.ديمة طارق طهبوب
لعل من أوائل الأحاديث المشهورة التي يحفظها الشباب الملتزم هو حديث غربة الإسلام في بدايته و منتهاه التي تتسلى و تتصبر به النفس كلما حل بالمسلمين مصيبة لا يستطيعون دفعها غير ان البعض يتعامل معه باستسلام اليائس الذي ينتظر النهاية لا بحرص العامل ان يكون من الصفوة الاخيرة التي تحمل الراية حتى النهاية
و لكن الاستهداف في زمن غربة الاسلام لم يعد لأتباع الدين فقط بل أصبح لذات الدين الرباني أيضا حيث أصبح رهنا للانتقاد و التشويه و محاولة التحريف و التغيير و نزع القدسية و كأنه ليس الدين الخاتم المنزل الذي اكتملت رسالته جامعة أفضل و أكمل ما كان للسابقين من الامم!!!
هي ليست فقط غربة الاسلام و لكن يتمه و يتم اتباعه اذ ليس لهم رأس أو هيئة أو سلطة تمثل صحيح الاسلام كما ورد في مصادره المنزلة و اجماع الامة بعد تنقيته من الخلافات و الانقسامات و الانحيازات و الآراء الشاذة، ليس للاسلام و لا للمسلمين مرجعية علمية صادقة و صافية لم تلوثها أدران الدنيا تكون لهم مرساة رشد و قاعدة تمثيل و جامعة لمواقفهم و وحدتهم!
لم يعد يكفي ان تقول انك مسلم او دينك الاسلام فلقد أصبح الامر بحاجة لمزيد من الشرح و التوضيح و احيانا دفع التهمة، فالاسلام الآن مدارس و مذاهب بعضها لا يشبه روح الاسلام في شيء و لا يأخذ منها سوى الاسم و الاشكال! ان الكل يزعم أنه الممثل الشرعي و الوحيد للاسلام و غيره سفيه او مارق او مخالف او خارج!!! و الكل يبحث عن دعم شرعيته و ترسيخ وجوده على قمة التمثيل الاسلامي و النطق باسمه و لو بحديث غريب مقطوع او رأي آحاد لم يلق قبولا لا من المتقدمين و لا من المتأخرين!!!
أصبح المنطق السلس و التسهيل و الاحتضان الذي اجاب به الرسول صل الله عليه و سلم عن سؤال الاعرابي عن الاعمال التي تدخله الجنة، و كان الجواب عن اقامة الفرائض بصدق و اخلاص، غير كاف عند البعض للقبول و للدخول في دائرة المسلمين و ليس دلالة على صلاح و خير و لا تدخل المرء في عصمة الاسلام من دم و مال و عرض!!!
فعن أي اسلام نتحدث؟ فالاسلام لم يعد اسما جامعا بل أصبح اشكالا مختلفة حتى ما عاد المرء يعرف أين موقعه من الاعراب، مقبول ام مطرود، من اهل الجنة او من اهل الجحيم، فلقد تعددت الطرق و الخرائط و كل صاحب طريقة يوزع كالكنيسة صكوك الجنة، من معه يدخلها و من ضده الى جهنم و ساءت مصيرا!!
أي اسلام نريد و من يمثل المسلمين الان؟!
هل نريد الاسلام الليبرالي المائع العلماني الذي يفصل بين الدين و الدولة و يتاجر بالدين و يقولبه كيف يشاء؟
ماذا عن الدين التبريري و التخديري بوصف علي شريعتي الذي يلبس لبوس التقوى و يبرر الثالوث المشؤوم من الاستبداد و الاستعمار و الاستحمار فيصبح من الواجب الطاعة و الصبر على الظلم و الفقر و المرض في انتظار نعيم الجنة و هذا مواجهته اصعب من مواجهة الكفر الجلي فهذا لا تستطيع الوقوف بوجهه لانه يقول ايضا قال الله و قال رسوله و يتسأل ببراءة مصطنعة : أولسنا كلنا مسلمين؟ بل و تقوم على هذا دول تستمد الغلبة و التمكين من ادعائها تمثيل الاسلام و الإمساك بمفاتيح المرجعية لوقوعها ضمن بقعة جغرافية مقدسة مع ان الصحابي من آل البيت سلمان الفارسي قال "ان الأرض لا تقدس أحدا إنما يقدس الرجل عمله"
هل هو اسلام النسب الذي يتكئ على العائلة او الوراثة من الصالحين ليكتسب شرعيته امام الناس ثم تأتي الأفعال لتخالف تماما ما كان عليه السلف؟!
هل هو الاسلام الضحية و المظلوم الذي يريد الانتصار لنفسه بكل الوسائل حتى و لو ارتكب كل الكبائر و تجاوز كل الحدود بحجة ان السيل بلغ الزبى و ان العقوبة بمثلها؟!
هل هو اسلام أصحاب العمائم و اللحى و الجلابيب الذين ساروا في ركاب الطغاة و برروا أعمالهم و فصلوا لهم الدين و الفتاوى على مقاسهم؟!
هل هو الاسلام الامريكاني الذي وصفه رئيس وكالة المخابرات الأمريكية CIA السابق "جيمس وولسي" في 2006 فقال: سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر"؟!
الاسلام و المسلمون ليسوا في غربة فقط بل في تيه و في قفص الاتهام يحاولون فقط ان يخذلوا عن أنفسهم و يدافعوا عن دينهم بدل ان يستثمروا جهودهم في نشره و عمارة الارض برسالته، و علماء المسلمين الصادقون في تيه ايضا دون هيئة و لا مظلة تجمعهم و توحد رأيهم فإذا حل بالمسلمين أمر جلل لم يجدوا من يوجهوا أنظارهم اليه و يضعوا ثقتهم فيه بل وجدوا بضع آراء منثورة هنا و لا هناك لا تشكل حالة اجماع و قوة ضغط!
عن عمر قال: "ان الاسلام في بناء و ان له انهداما و ان مما يهدمه زلة عالم و جدال منافق بالقرآن و أئمة مضلين" و الناظر في أحوالنا يرى اكتمال عناصر انهدام الاسلام فأين العلماء الصادقون المخلصون ليحرروا الاسلام من مختطفيه ،ممن يدعون الانتساب اليه و قيادة زمامه،و يكفلون اليتامى من المسلمين الذين يبحثون عمن يسترشدون به و يمثلهم؟!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية