د. فايز رشيد
خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة قطع الشك باليقين في إمكانية قيام سلام مع الدولة الصهيونية، فبرغم عشرين سنة من المفاوضات مع الفلسطينيين، وبرغم وجود اتفاقيات ما يسمى بالسلام بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية، وبرغم الاستعداد الرسمي الفلسطيني لإقامة دولة على مساحة 22% من أرض فلسطين التاريخية، وبرغم مبادرة السلام العربية، لم يزدد رئيس الوزراء الصهيوني إلا تعناً وتنكراً للحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية، وفرضاً للمزيد من الاشتراطات على الجانبين، فوفقاً للخطاب: "لا يمكن ل"إسرائيل" أن توافق على إقامة دولة فلسطينية قبل قيام اتفاقية سلام بينها وبين الفلسطينيين، الذين عليهم القبول بوجود قوات عسكرية "إسرائيلية" في دولتهم أسوة بالقوات الأمريكية والأخرى الغربية المتواجدة في دول كثيرة من العالم كاليابان مثلاً، كما عليهم الاستجابة لشروط ومتطلبات الأمن "الإسرائيلي" كافة، ومن أجل الإثبات بأنهم ليسوا عنصريين عليهم القبول بالمستوطنات والمستوطنين في هذه الدولة العتيدة، وفوق كل شيء عليهم الاعتراف بيهودية دولة "إسرائيل". بالطبع معروفة تماماً اللاءات "الإسرائيلية" للحقوق الوطنية الفلسطينية.
الحكومة "الإسرائيلية" وإمعاناً في المضي قُدماً باستيطانها، ردت على مبادرة اللجنة الرباعية التي قدمتها بعد خطاب عباس في الأمم المتحدة، والتي دعت فيها الطرفين إلى العودة للمفاوضات على أن يمتنعا عن القيام بإجراءات استفزازية من جانب واحد، وتحديد فترة عام لإنهاء المفاوضات والوصول إلى اتفاق نهائي، ردت بالموافقة على بناء 1100 وحدة استيطانية جديدة في حي جيلو الاستيطاني في القدس الشرقية، بالتالي فإن البعض من القادة الفلسطينيين وعندما يتصورون بإمكانية جنوح "إسرائيل" إلى السلام، يخطئون تماماً، وينطلقون من أساس خيالي ليس إلا، لأن الواقع بكل أحداثه وتجاربه يشي ويؤكد أن الكيان الصهيوني يفهم التسوية مع الفلسطينيين والعرب، باستسلامهم الكامل وخضوعهم للاشتراطات "الإسرائيلية"، ويعتقد بالحق التاريخي لليهود في يهودا والسامرة والذين سكنوا هذه المناطق منذ آلاف السنين، لذا فإن من حق اليهود العودة إلى وطنهم التاريخي وإقامة دولتهم اليهودية عليه، وإن وافقت "إسرائيل" على إقامة دولة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وغزة، فهذا لا يقوم على أساس حق الفلسطينيين في هذه الأرض، وإنما هو منّة "إسرائيلية" وتخلٍّ عن جزء من الأرض التاريخية في سبيل السلام... هكذا يفهم "الإسرائيليون" التسوية.
هذا بالفعل هو جوهر خطاب نتنياهو الأخير في المنظمة الدولية، الذي حاول فيه الإيحاء بالارتباط التاريخي بين اليهود وفلسطين وأجزاء أخرى من الوطن العربي! هذا الخطاب يأتي في القرن الزمني الواحد والعشرين. وقال نتنياهو أيضاً في خطابه: "إن أية دولة فلسطينية ستقام ستكون بوجود المستوطنين والمستوطنات فيها، فهذه عبارة عن تغييرات جغرافية وديموغرافية طبيعية، ولا وجود لدولة فلسطين على كامل حدود 1967 ف"إسرائيل" لا تحسن الدفاع عن نفسها بعرض 9 أميال، بالتالي من حقها أن تضم إليها ما تشاؤه وما هو ضروري للدفاع عن حدودها، من أراضي الضفة الغربية المقطعة الأوصال، والدولة العتيدة يتوجب أن تكون ناقصة من أية مظاهر سيادية وحقوق كما للدول الأخرى. لذا فإن سلطة هذه الدولة (وحتى لو جرى تسميتها بالإمبراطورية) تتمثل فقط في الإشراف على القضايا الحياتية والإدارية للسكان، أي أنها في جوهرها ليست أكثر من حكم ذاتي هزيل.
للعلم، ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي جرت في الدولة الصهيونية بعد إلقاء نتنياهو لخطابه في الأمم المتحدة، قفزت شعبيته إلى 48% بعد أن كانت 32% في استطلاع سابق قبل شهرين، عندما اجتاحت البلاد الاحتجاجات الشعبية بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة. هذه النتائج وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة "هآرتس" الصهيونية التي ذكر فيها الكاتب فيرتر في مقالة له "أثبت نتنياهو مرة أخرى أن كل ما يحتاجه هو خطاب جيد لرفع نسب تأييده في الاستطلاعات". كما أظهر الاستطلاع أن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو وشركاؤه اليمينيون الدينيون في الائتلاف الحاكم الحالي، هم في مسار يسمح لفوزهم في الانتخابات "الإسرائيلية" المقبلة التي ستكون في عام 2013. في نفس السياق جاءت نتائج استطلاع مشترك بين صحيفة "هراتي" ومركز ديالوغ.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن نتنياهو يعتبر (الأقل تشدداً) بين غالبية المستوطنين الصهيونيين الذين يسكنون فلسطين المحتلة في عام 1948، بالتالي فإن الشارع الصهيوني يميل في تحوله نحو اليمين، ولذلك ترى التشدد الحكومي "الإسرائيلي" الذي يزداد يوماً بعد يوم والذي يتمظهر بالمزيد من الاشتراطات. وبأمانة وموضوعية وواقعية بعيدة عن العاطفية بل انطلاقاً من معطيات الواقع نسأل: هل من الممكن لفلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي وإنساني عادل أن يتصور إمكانية قيام سلام مع هذه الدولة؟سؤال نطرحه برسم كل الذين يتصورون ذلك
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية