استكشافات القيادة الفلسطينية ...بقلم : علي جرادات

السبت 14 يناير 2012

استكشافات القيادة الفلسطينية


علي جرادات

منذ انخراطها في "مؤتمر مدريد للسلام" عام 1991، إلى توقيعها على "اتفاق أوسلو" عام 1993، وصولاً إلى توليها "سلطة الحكم الذاتي"، وامتزاجها بها منذ عام 1994، ثم اقتتالها مع "حماس" عليها، بل، وتقاسمها إياها معها، كسلطة منقسمة ومُقيَّدة بالتزامات احتلالية ثقيلة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ظلت القيادة الرسمية الفلسطينية تسير بمنظمة التحرير من سيئ إلى أسوأ، حتى صارت، برنامجاً وممارسة، عائمة بين منزلتي حركة التحرر الوطني، و"السلطة"، ما قاد إلى تآكلٍ متنامٍ في شعبية هذه القيادة، مكانةً وهيبةً ومصداقيةً.

وبخطوتي التوجه بملف القضية الفلسطينية إلى هيئة الأمم، والبدء بخطواتٍ لتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية، وأهمها عقدُ الاجتماع الأول للإطار القيادي الوطني المؤقت لمنظمة التحرير على طريق إعادة بنائها وتوحيدها وتفعيلها، استعادت قيادة منظمة التحرير، أو كادت تستعيد، جزءاً من هيبتها ومكانتها ومصداقيتها الشعبية، واستبشر، وإن بحذرٍ، كلُّ منتمٍ للقضية الفلسطينية وداعمٍ لها، وحريص عليها، بأن هذه القيادة بهذه الخطوات، ورغم المعيقات الداخلية والخارجية، قد قررت، وإن لم تعلن صراحة، مراجعة مسيرتها، والدخول في مرحلة جديدة بمهمتين أساسيتين مترابطتين، هما، إعادة ترتيب البيت الوطني الداخلي وإنهاء انقساماته العبثية، وبناء استراتيجية سياسية وطنية بديلة لمسيرة عقدين من المفاوضات العقيمة، التي أفضت بالنتيجة العملية، وبمعزل عن النوايا، إلى ما يعيشه الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني ونضالاته، من تردٍ وتراجعٍ والتباساتٍ وانقساماتٍ وفقدانٍ للبوصلة والاتجاه.

وكان متوقعاً تَعَرُّض قيادة منظمة التحرير لضغوط وتهديدات ثقيلة، تقودها "إسرائيل" والولايات المتحدة، بتغطية "اللجنة الرباعية"، لثنيها عن تطوير خطوات إخراج ملف القضية الفلسطينية من براثن الاحتكار الأمريكي. وتؤكد المعلومات أن الولايات المتحدة، (بكل ما لها من تأثير في توابعها)، قد هددت بخنق الفلسطينيين، عبر وقف الدعم المالي، واشتراط تدفقه، (من صندوقها وصناديق توابعها)، بعودة قيادة منظمة التحرير غير المشروطة للمفاوضات الثنائية المباشرة تحت رعايتها، بينما هددت "إسرائيل" بإجراءات سياسية ومالية وأمنية قاسية، تشمل منع سفر، وتقييد حركة، الصف الأول من قيادات المنظمة والسلطة، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني.

إزاء ذلك، وباعتبار أن النضال الميداني للشعب الفلسطيني، بأشكاله، وعلى امتداد مسيرته، يهدف إلى تحقيق إنجازات سياسية ملموسة، تقَربه، أكثر فأكثر، من هدِف استرداد حقوقه الوطنية المغتصبة في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة السيِّدة، فقد كان على قيادة منظمة التحرير أن تمضي قدماً، وتطَوِّر خطوات التوجه للأمم المتحدة، بجانب العمل على الجبهة الدبلوماسية، (التي من التعسفِ اختزالها في المفاوضات)، لتفادي تحميلها، (زوراً وبهتاناً)، للمسؤولية السياسية عن توقُّفِ مفاوضاتٍ مسدودة الطريق والأفق، وأثبتت التجربة العملية، على مدار عقدين، مخاطرها وعبثية وعقم العودة إلى تجريبها.

لكن، ومن أسف، فإن قيادة منظمة التحرير، وفي مواجهة الضغوط والتهديدات، وبدل أن تختار تطوير خطوات التوجه إلى هيئة الأمم، بما يخدم تطويرَ خطوات المصالحة الوطنية إلى وحدة سياسية، وبما يعزِّز ما استعادته هي نفسها من مكانة وهيبة ومصداقية شعبية، قد اختارت المشاركة المفاجئة في "اللقاءات الاستكشافية" مع "الإسرائيليين"، برعايةٍ أردنية وإشرافِ "اللجنة الرباعية"، لتعود الحالة الفلسطينية، داخلياً وخارجياً، إلى ما كانت عليه قبل خطوة التوجه إلى هيئة الأمم. فهذه اللقاءات، رغم تغطيتها بمسمى "الاستكشاف" المخاتل، هي عملياً عودة للمفاوضات الثنائية المباشرة، التي أعلنت قيادة منظمة التحرير، رفضَ العودة إليها، ما لم يعاد بناؤها على أسس جديدة، تشمل تحديد مرجعيتها بقرارات الشرعية الدولية، وبجداول زمنية محددة وواضحة، وقبل هذا وذاك، عدم استئنافها قبل الوقف الكامل والشامل لعمليات الاستيطان والتهويد، باعتبار أن أي حديث عن دولة فلسطينية مستقلة وسيِّدة مع استمرار هذه العمليات، هو مجرد ذرٍ للرماد في العيون، لكسبِ مزيدٍ من الوقت، لإتمام السيطرة "الإسرائيلية" على ما تبقى من الأرض الفلسطينية.

إن المشاركة الفلسطينية في هذه "اللقاءات الاستكشافية"، وبمعزل عن النوايا، قد حققت ل"إسرائيل" والولايات المتحدة، ما أرادتا، وخططتا له، أي إعادة ملف القضية الفلسطينية مجدداً إلى نيران المفاوضات الثنائية المباشرة والاحتكار الأمريكي لهذه المفاوضات، وذلك بتغطية من "اللجنة الرباعية"، التي أمهلتها قيادة منظمة التحرير مدة ثلاثة أشهر (تنتهي في 26-1-2012)، لإدارة "حوارات غير مباشرة"، أملاً بوقفِ عمليات الاستيطان والتهويد، واستئناف المفاوضات على أسس جديدة، لم يتحقق منها شيء، فيما يعي الجميع، بمن فيهم قيادة منظمة التحرير، أن المشاركة الفلسطينية في هذه "اللقاءات الاستكشافية":

1- لن تسفر عن أية نتيجة، سوى جلبِ المزيد من المخاطر والمضار على القضية الوطنية، بل، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي تم اتخاذ قرار المشاركة باسمها.

2- ولن تجد لدى "إسرائيل" كحكومة يمينية متطرفة، بل، وكنظام سياسي توسعي عدواني، ما يمكن استكشافه.

3- ولن تمكِّن قيادة منظمة التحرير من تفادي تحميلها لمسؤولية وقف المفاوضات، بل، على العكس، فإن وقْفَ هذه اللقاءات، في حال حصوله بعد 26-1-2012، كما تشير المعلومات والتصريحات، سيكون ذريعة إضافية، بيد "إسرائيل" والولايات المتحدة وتوابعهما، لتحميلها هذه المسؤولية.

4- ولن توقف التهديدات "الإسرائيلية" الأمريكية بوقف الدعم المالي، وتصعيد الإجراءات الاحتلالية، كسيف مسلط بشكل دائم، لم يعد ينفع معه تكتيكات تقطيع الوقت إلى ما لا نهاية.

5- وستُتخذ غطاءً لكل من يدفع، عربياً، نحو عدم تطوير التوجه إلى الأمم المتحدة، لتلافي ما يفرضه عليه هذا التطوير من مسؤوليات واستحقاقات والتزامات قومية، سياسية ومادية.

6- وستُستخدم ذريعة من قِبَلِ التيارات والشخصيات الفلسطينية المعيقة، (بسبب تضرر المصالح الفئوية والشخصية الضيقة)، لتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية، وتطويره إلى وحدة سياسية، من العبث الحديث عن إنهاء للانقسام الداخلي، من دون إحرازها.


صحيفة الخليج الإماراتية
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية