اعتقال الأسرى المحررين والضمير الغائب والمُنفصل
مجدولين حسونة
ليست فقط اللغة العربية مَن تنفرد باستعمالات الضمائر المختلفة، فالبشر أيضا يستخدمون ضمائرهم تماما كما في اللغة، بعضهم ذو "ضمير مستتر" علاقته بضميره تبادلية لا نكاد نعلم له توجها أو نعرف منهُ وجها، وآخرون يمتلكون "ضمائر مُنفصلة" تُحَرِكهم مصالحهم وإحتياجاتِهم الخاصة، وهم عكس صاحب "الضمير المتصل" بهموم وطنهِ وشعبهِ والذي يخشع للحق كلما سَمِعَ أنينه، أما "ضمير الغائب" فهو يليق بالأجهزة الأمنية ليتحول في صحبتهم إلى "ضمير معدوم" مُحرفا كل قواعد اللغة تماما كما يحرفِونَ الحق ويعتقلون أصحابه.
لو بدأنا بالحديث عن وصمات العار التي جلبتها لنا اتفاقية أوسلو، هذهِ التي هَتفنا لابنتها باريس "ابنة الحرام" في هَبّةِ جوعِنا، ونسينا أن أوسلو هي "الزانية" الواجب رجمها حتى الموت. لو بدأنا بالحديث عن التخاذل والتنسيق الأمني واعتقال المقاوميين مِن قبل السلطة وحماية المستوطنين وجنود الاحتلال عندما يدخلوا لمدننا في وضح النهار فلن تكفينا مجلدات، هُنا سأكتفي بالتحدث عن عار اعتقال الأسرى المحررين.
لستُ مستغربة من الحملة الشرسة التي اعتقلت فيها الأجهزة الأمنية ما يزيد عن مئة شخص بين ليلة وضحاها، مِن بينهم ما يقارب نحو 40 أسيرا محررا وكُتابا وصحافيين ونشطاء شبابا حسب إحصائية أجرتها مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان حيث أفادت فيها بأن الاعتقالات سياسّية بامتياز.
نعود "للضمير المُنفصل والغائب" لنحلل تلكَ التصريحات التي صدرت من عدنان الضميري الناطق باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، والتي صَرَح فيها لقناة الجزيرة ووكالة معا "أن الاعتقالات الأخيرة جرت لأن حماس كانت تخطط لاستغلال مظاهرات الغلاء للإنقضاض على السلطة، وهذه الاعتقالات ليس لها أي بُعد سياسي، وإنما على قاعدة تطبيق القانون بقضايا السلاح والإنفلات الأمني وإثارة الفوضى".
لو تجاهلنا غضب السلطة في الضفة الغربية –الخفي- من زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية لمصر، وتخوفهم من اعتراف مصر بشرعية حماس واستقبالهم بشكل رسمي، وذهبنا لنلاحق العيار إلى باب الدار، لكانت معادلة اعتقالاتهم خاسرة، خاصة إن فندنا من هم المعتقلون؟.
معظم المعتقلين كانوا من الأسرى المحررين "طيبي السمعة والسلوك" خرجوا منذ فترة بسيطة مِن سجون الاحتلال، لتُبدي لهم الأجهزة الأمنية قلة الاحترام بحق نضالهم وتضحياتهم للوطن الذي سخرته تلكَ الأجهزة لخدمة العدو.
الصحافي والكاتب وليد خالد، لم يمضِ على خروجه عدة أيام مِن سجون الاحتلال التي بقي فيها 15 عاما، تسع سنوات منها في الاعتقال الإداري، وظل لفترات طويلة في العزل الانفرادي، له عدة كُتب وروايات أدبية، وهو يقبع الآن في سجون السلطة وقد قرر الإضراب عن الطعام والكلام.
هذا الأسير المحرر كان رائدا للكلمة الحرة وحارسا للحقيقة، كيف له أن يثير الشغب والفوضى ويكون سببا بالانفلات الأمني؟.
بالله عليكَ يا "صاحب الضمير المُنفصل" أن تسأل نفسك :متى خطط وليد خالد لكل هذا العنف ولم يمضِ على خروجه أيام أجزم أنه قضاها في استقبال المهنئين له من الأقارب والمعارف؟.
سأكمل لكم بعضا مِن مهزلة الاعتقالات السياسية لأستقر عند الأسير المحرر هشام الشرباتي الذي أمضى أكثر من 14 عاما في سجون الاحتلال، وهو الآن يقبع في غرفة العناية القلبية المكثفة في مشفى الخليل الحكومي، هذا المناضل الذي درس الكيمياء ورَبى الأجيال خلال عمله كمدرس، وُجِهَت له تُهم تثير الرغبة بالضحك وتنم أنها صادرة مِن "مَن لا شغل لهم ولا مشغلة سوى مناكفة هذا الشعب"، وهي : رشق الحجارة خلافا للمادة 467، إتلاف أموال عامة، مقاومة موظف، إلقاء كلمات تحريضية ضد الرئيس، ويشار أن المحقق بدأ يتلو عليه لائحة الاتهام الإسرائيلية المحفوظة لديهم والتي حوكم عليها سابقا، وبعد تردي وضعه الصحي أجبروه على دفع غرامة مالية تبلغ 500 دينار ليتم الإفراج عنه.
بالله عليكَ يا "صاحب الضمير الغائب"، أيعقل أن يقوم رجل بالخمسين من عمره برشق الحجارة وإثارة الشغب!
في كل دول العالم يُستقبل الأسرى المحررون بالورود، إلا في فلسطين، تُفتح لهم أبوب المُعتقلات مِن جديد، ويساقون إلى ذل زنازين بني أبيهم، يهشمون فكرهم وعقيدتهم ويقدمون وجعهم وجبة دسمة للعدو، ولا أحد ينبس ببتِّ شفة، لا رئاسة ولا نقابات ولا وزارة الأسرى والمحررين، وتكتمل "المسخرة" بكلام النائب عن حركة فتح عبد الله عبد الله الذي صرح لأحدى الوكالات بأن هذه الاعتقالات جاءت لقطع الطريق على الاحتلال الذي دس مندسين وتحديدا في الخليل لحرف أهداف الاحتجاجات ضد الغلاء.
أيها النائب، هل أنت وحكومتكَ متأكدون من أن الاحتلال عدوٌ لكم وأنكم تخشون مِن مؤامرتهِ ضدكم؟ لا تجزع، فرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لم يُرسل المُندسين إليكم، بل حول لكم ملايين الدولارات من أموال ضرائب السلطة الفلسطينية لكي يطفئ غضب الشعب الذي هاج ضدكم، خشية منه على انهياركم وسيطرة حماس على الضفة الغربية، وطبعا لمصلحة الاحتلال أولا وأخيرا، ولكن عرفَ كيف يستخدمكم ضد المقاومة، وضد أنفسكم.
تذكر فقط أنكم قبل أيام سلمتم ثلاثة جنود صهاينة دخلوا إلى مدينة نابلس بالخطأ مع سلاحهم، وكان بإمكانكم أن تحرروا كل الأسرى بهم، الأسرى الذين لا زال بعضهم من أبناء حركة فتح متأملين بكم خيرا حسب تصريحات بعضهم.
أصدق مع نفسك أيها النائب، فالأجهزة الأمينة تعتقل كل شريف من أبناء كل الفصائل والمقاومين أمثال علاء ابو الرب، باجس حمدية، وعلاء زيود، هؤلاء الشرفاء غير واردين في قوائم الاحترام لديكم!
خوف السلطة مِن أي تحرك ضد ممارساتها المتخاذلة بحق القضية الفلسطينية، جعل الضميري وغيره يصرحون بهذه "التُرهات" على مسامع شعب بات يفرق جيدا بين الحق والباطل، لتكون نِزاع ما قبل الموت الذي يرافق ضلالهم، لكن عصا الاعتقالات التي تلوح بها الأجهزة الأمنية دوما جعلت الشعب يخشون قول "لا" ضد سياستهم العنجهية، مع أنه وكما قال مالكوم إكس " الحق لا يُعطى لِمن يَسكت عنه، وعلى المرء أن يُحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يُريد"، ولكن ! يا ليتَ قومي يفقهون.
يعتقلون الأسرى المحررين، ويحررون جنود العدو وسجاني أبنائهم، ولا يعلمون أن الجندي الصهيوني لا يمكن أن يُخطئ وجه الفلسطيني ، وكأن وجوهنا صارت بالنسبة إليهم حاستهم السادسة التي منحها الرب إليهم كمكرمة جديدة على مكارم شعب الله المختار، يبدو أن رواد الأمن الفلسطيني تآلفوا مع وجوه الغرباء والقَتَلة.
يقيدون الاحتمالات بأغلال الأمن المُفتعل، احتمال أن نثور ضد ظلمهم، احتمال أن نستفرغ الكلام الذي ابتلعناه مُذ أصبح لنا مكان في المُعتقلات وفَتحت غٌرفُ التعذيب فكيها تطالب بسكان جُدد "مُعتقلو الفِكر والقضية".
فليكن ضميركم متصلا بحماية الأسرى المحررين، لا منفصلا بتلك السادية التي توجهون أسواطكم إليهم بها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية