الأسرى والشارع، من يملك الحسم؟
لمى خاطر
كنت كتبتُ قبل يومين: "إن قضية مثل إضراب الأسرى في سجون الاحتلال لا تتكرر كثيراً، والإضراب الجماعي السابق كان قبل عامين.. أي أنها تستحقّ أن يستنفر المرء نفسه وأهله لأجلها، ويتخلّى لعدة أيام عن راحته ونمط حياته الاعتيادي للمشاركة اليومية في إسناد الأسرى ميدانيا إلى أن تتحقق مطالبهم.. وإن كان العوام يشقّ عليهم ذلك، فصاحب القضية وحامل الفكرة لا يُقبل منه سلوك مماثل، ولا أن يتذرّع بأعشار الأعذار للتخلّف عن التضامن والمساندة وتكثيف رسالة الميدان."
وحتى الآن، لا نملك القول إن تفاعل الشارع الفلسطيني على وقع إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال مشابه لتفاعله خلال إضراب الكرامة عام 2012، رغم أن الأسرى المضربين في رسائلهم يعوّلون على نصرة الشارع وتضامنه، وتفعيله اليومي للحدث بحيث يتقدّم في الأولويات الوطنية على غيره في هذه المرحلة، لأن الوقت عامل مهم في الإضراب، ولا يحتمل الأمر انتظاراً وتململاً لارتباط القضية بحياة الأسير وصحته، وضرورة دعمه وتوفير عوامل ضغط إضافية على الاحتلال لإرغامه على الرضوخ لمطالب المضربين، خصوصاً أن قضية الاعتقال الإداري تمسّ قطاعاً عريضاً من الفلسطينيين ممن اكتووا بناره سنوات طويلة في السجون على مدار مراحل الصراع مع الاحتلال.
وإن كانت غايات ورسائل الفعاليات الجماهيرية متنوعة، بين التضامن والتفعيل الإعلامي والدعم المعنوي واستنهاض الشارع، وصولاً إلى الضغط على الاحتلال، فإن الغاية الأخيرة (أي الضغط على المحتل) ينبغي أن تظل في بؤرة الاهتمام والتفكير، إلى جانب الغايات والرسائل التي تؤديها الفعاليات التي مجالها مراكز المدن والبلدات المخيمات.
غير أن تقصير أيام الإضراب يمكن أن يبدأ مع امتداد تحرك الشارع إلى حواجز الاحتلال ومناطق التماس، لأنه في هذه الحالة سيضرب على الوتر الأكثر حساسية لدى الاحتلال وسيوقظ هواجسه الأمنية، وتحديداً خشيته من اندلاع انتفاضة جديدة، وانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة. لكن الغريب أن تجد من يرى في هذا النمط من التحرك خروجاً عن السلمية، فيما يبدو أن مفهوم المقاومة السلمية في عرف السلطة في الضفة لا يعني سوى أن تكتفي بشتم الاحتلال داخل المدن، وبعيداً عن التماس المباشر معه!
ومن جهة أخرى، فإن لم تتطور تحركات الشارع وتستقطب قطاعات واسعة من الجمهور، سواء بأشكالها التضامنية أم بتلك الضاغطة على الاحتلال، فسيبقى الرهان الحقيقي في هذه المعركة متركزاً على أمعاء الأسرى المضربين وصبرهم وقوّة تحملهم، وسيكون مفتاح الحسم بيدهم وحدهم رغم أن معركتهم ستكون طويلة وشاقة. أما إن شهد الشارع انتفاضة حقيقية لأجل الأسرى فسيكون ممكناً التعويل على دور حاسم له، وسيكون ممكناً أيضاً الاستبشار بإمكانية حدوث انتفاضة شعبية واسعة فيما بعد، تكسر حالة الجمود وتفرض وقائع جديدة. وإلا فسيبقى التعويل على الدور الشعبي مجرد أوهام وأمنيات، وسيكون من الأجدى النظر في آليات تغيير أكثر جدوى وفاعلية، ليس فقط فيما يخصّ قضية الأسرى، بل تجاه مجمل قضية الصراع مع المحتل.
لمى خاطر
كنت كتبتُ قبل يومين: "إن قضية مثل إضراب الأسرى في سجون الاحتلال لا تتكرر كثيراً، والإضراب الجماعي السابق كان قبل عامين.. أي أنها تستحقّ أن يستنفر المرء نفسه وأهله لأجلها، ويتخلّى لعدة أيام عن راحته ونمط حياته الاعتيادي للمشاركة اليومية في إسناد الأسرى ميدانيا إلى أن تتحقق مطالبهم.. وإن كان العوام يشقّ عليهم ذلك، فصاحب القضية وحامل الفكرة لا يُقبل منه سلوك مماثل، ولا أن يتذرّع بأعشار الأعذار للتخلّف عن التضامن والمساندة وتكثيف رسالة الميدان."
وحتى الآن، لا نملك القول إن تفاعل الشارع الفلسطيني على وقع إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال مشابه لتفاعله خلال إضراب الكرامة عام 2012، رغم أن الأسرى المضربين في رسائلهم يعوّلون على نصرة الشارع وتضامنه، وتفعيله اليومي للحدث بحيث يتقدّم في الأولويات الوطنية على غيره في هذه المرحلة، لأن الوقت عامل مهم في الإضراب، ولا يحتمل الأمر انتظاراً وتململاً لارتباط القضية بحياة الأسير وصحته، وضرورة دعمه وتوفير عوامل ضغط إضافية على الاحتلال لإرغامه على الرضوخ لمطالب المضربين، خصوصاً أن قضية الاعتقال الإداري تمسّ قطاعاً عريضاً من الفلسطينيين ممن اكتووا بناره سنوات طويلة في السجون على مدار مراحل الصراع مع الاحتلال.
وإن كانت غايات ورسائل الفعاليات الجماهيرية متنوعة، بين التضامن والتفعيل الإعلامي والدعم المعنوي واستنهاض الشارع، وصولاً إلى الضغط على الاحتلال، فإن الغاية الأخيرة (أي الضغط على المحتل) ينبغي أن تظل في بؤرة الاهتمام والتفكير، إلى جانب الغايات والرسائل التي تؤديها الفعاليات التي مجالها مراكز المدن والبلدات المخيمات.
غير أن تقصير أيام الإضراب يمكن أن يبدأ مع امتداد تحرك الشارع إلى حواجز الاحتلال ومناطق التماس، لأنه في هذه الحالة سيضرب على الوتر الأكثر حساسية لدى الاحتلال وسيوقظ هواجسه الأمنية، وتحديداً خشيته من اندلاع انتفاضة جديدة، وانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة. لكن الغريب أن تجد من يرى في هذا النمط من التحرك خروجاً عن السلمية، فيما يبدو أن مفهوم المقاومة السلمية في عرف السلطة في الضفة لا يعني سوى أن تكتفي بشتم الاحتلال داخل المدن، وبعيداً عن التماس المباشر معه!
ومن جهة أخرى، فإن لم تتطور تحركات الشارع وتستقطب قطاعات واسعة من الجمهور، سواء بأشكالها التضامنية أم بتلك الضاغطة على الاحتلال، فسيبقى الرهان الحقيقي في هذه المعركة متركزاً على أمعاء الأسرى المضربين وصبرهم وقوّة تحملهم، وسيكون مفتاح الحسم بيدهم وحدهم رغم أن معركتهم ستكون طويلة وشاقة. أما إن شهد الشارع انتفاضة حقيقية لأجل الأسرى فسيكون ممكناً التعويل على دور حاسم له، وسيكون ممكناً أيضاً الاستبشار بإمكانية حدوث انتفاضة شعبية واسعة فيما بعد، تكسر حالة الجمود وتفرض وقائع جديدة. وإلا فسيبقى التعويل على الدور الشعبي مجرد أوهام وأمنيات، وسيكون من الأجدى النظر في آليات تغيير أكثر جدوى وفاعلية، ليس فقط فيما يخصّ قضية الأسرى، بل تجاه مجمل قضية الصراع مع المحتل.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية