الأسير علاء البازيان يفقد أمه بعد اقل من عام من موت أبيه
فؤاد الخفش
قد يستطيع السجن والسجان سرقة عمر الإنسان لكنه لن يكون قادر في يوم من الأيام من سرقة الذكريات وقطع حبل الاتصال مع الماضي بما فيه من ذكريات الطفولة ومراتع الصبا ورائحة الماضي والحنين إلى الأهل .
سرق السجن سنين عمره ولكن بقي داخله ذلك الطفل الذي يتذكر حضن أمه ويتذكر يوم كان طفلا يجلس حولها وهي تحضر الطعام وتنتظر العجين حتى يخمر وتخبزه في فرن البيت .
فذكريات الطفولة ما زالت حاضرة في ذاكرته التي أعيتها الليالي القاسية وبرد الزنازين وظلمة السجون وطول الأسوار ما زال يتذكر كيف كانت تحن عليه يوم أن كان طفلا وكانت تعطيه بعض المال ليشترى الحلوى من دكان المنطقة .
ما زال طعم (قرص الزعتر) في فمه فهو على الدوام يحدث الشباب عن طعام أمه وإتقانها لفن الخبز وكان على الدوام يقول لرفاق زنزانته أول ما اخرج من هذا السجن سأطلب من أمي أن تصنع لي مثل ذلك الطعام ... يقاطعه الأسرى من حوله عن ماذا تتكلم يا علاء أنت عمرك الآن 52 عاما ومازلت تريد أن تأكل من يد أمك، أمك لا تستطيع أن تخبز وتعجن أمك كبرت بالسن .
كان يغضب ويتحرك الطفل علاء بداخله أمي أول ما ستراني ستعود صبيه وترجع قويه وستعمل لي كل ما أريد يقاطعه الأسرى ممازحين أيضا هو أنت طفل ... نريد أن نزوجك وزوجتك هي من ستتدبر أمرك .. يستفزه حديثهم ويقاطعهم ويقول أنا لا أريد سوى أمي وطعام أمي وحضن أمي أريد أن يرتد لي بصري وأنا أشم رائحة أمي رائحة العزة والصبر رائحة الأم الفلسطينية المجاهدة الصابرة..
كل هذه القصص وهذه الحكايات وهذه النوادر وهذه الأمنيات ومقاطعة الشباب للبازيان علاء أغلقها وأنهاها خبر أتاه من مملكة الموت القاني أنبأ البازيان بخبر وفاة والدته الحاجة انتصار وانتقالها لجوار ربها بعد عشرة شهور من وفاة زوجها والد علاء 28/9/2009
الشباب الذين كانوا يمازحون علاء انتابهم الصمت والذهول واعتقدوا أنهم أثقلوا على علاء بالمزاح وكانوا على الدوام يقطعون عليه حبل أفكاره ولقائه بأمه والتفوا من حول علاء يمسحون على رأسه يمنعون صوت نحيبهم من الظهور فهو ضرير لا يرى يمسحون على رأسه يقولون له رحمها الله يا علاء اصبر عظم الله أجرك
للحظات ضاقت الدنيا بما رحبت بوجه علاء وقال لمن حوله أسندوني فأنا غير قادر على الحركة ولا المشي اشعر أني أصبحت أعمى لا أرى أنا لا أرى الكل من حول علاء مستغرب وينظرون لبعضهم البعض اسند ظهره إلى سريره الذي يجلس عليه منذ 25 عاما متواصلة وطلب منهم أن يخلد للراحة ...
أصعب لحظة ممكن أن تمر على أسير هي لحظة وصول خبر وفاة والدته أو أبيه أو احد أقاربه ،،، السجن والأسرى وكل شيء يتغير شكله في هذا المكان .. تزداد ظلمته وقسوته وبرودة المكان تضيق الدنيا تضغط جدران الزنزانة على صدر الأسير تنساب الدموع من عينيه بحرارة يتمنى الموت أو أي شيء يخرجه من هذه الدوامة.
قبل اقل من عام نعيت والد الأسير علاء البازيان وكتبت حينها مقال بعنوان (علاء البازيان يبكي والده بصمت ويصرخ بلا صوت) واليوم أكتب هذا المقال بعد ساعات من وفاة والدة أسد القدس وفلسطين الأسير المقدسي علاء البازيان صاحب النظارات السود الذي مضى على اعتقاله 25 عاما غير أربع سنوات قبل ربع القرن هذا من الاعتقال المتواصل.
عمداء الأسرى ما من أسير منهم إلا وقد فقد احد والديه ويبدوا أنهم سيخرجون من السجن وقد فقدوا ما تبقى لهم من أهل وأقارب فهو حال من تنكر له رفاق الدرب ومن أبناء تنظيماتهم الفلسطينية التي قبلت أن يبقى أسراها كل هذه المدة داخل الأسر.
الصورة سوداويه وقاتمة ليس لأني متشائم ولكن فقط لأني انظر إلى الأمور في هذه اللحظات من خلال نظارة علاء البازيان السوداء.
اليوم واليوم فقط اعترف علاء بأنه ضرير لا يرى علما انه من الناحية الاكلينيكيه فاقد البصر منذ 25 عام هي عمر آخر عملية فدائية قادها البطل أدت إلى فقدانه بصره بعد أن ثارت بوجهه قنبلة كان يريد أن يلقن بها المحتل درسا في الفداء والمقاومة.
علاء يا أخي لا تنزع نظارتك عن وجنتيك وهنيئاً لك فقدانك بصرك فأنت لست بحاجه أن ترى عالم تنكر لك وأدار ظهره لك ولجهادك ونضالك وقبل لنفسه أن يركب السيارات الفاخرة ويقول لنا في سجون الاحتلال أسرى مضى على سجنهم عقود وعقود...
عذرا يا رفيقي وأسأل الله أن يجمعك بمن فقدت وأنت في سجنك في جنات النعيم هناك عند الديان لا ظلم ولا تظالم (إنما يوفون الصابرون أجرهم بغير حساب) .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية