الأسيرة الفلسطينية كفاح جبريل حكاية أمّ سرقت من بين أطفالها
فؤاد الخفش
كم هي قاسية تلك اللحظات التي ينتزع فيها من حضن أم ولدها ليقاد إلى الاعتقال ... تجلس الأم الفلسطينية وتلملم حولها من تبقى لها من أطفال وتضع رأسها على رؤوسهم تغرق في بكاء عميق وتوجه عينيها إلى رب السماء تدعوه أن يحفظ ولدها المعتقل.
وكم هي أقسى وأصعب تلك اللحظات التي يقتحم فيها منزل آمن وتنتزع من حضن أطفالها الأم وربة المنزل مصدر الأمن والأمان لتخرج وعيونها تنظر إلى دموع وصراخ أطفالها تحاول أن تحتضنهم ...أن تطمئنهم أن تودعهم ولكن صلف وقسوة أصحاب الخوذ العسكرية تحول بينها وبينهم.
هذا هو حال فارسة هذه الكلمات المجاهدة أم معاذ كفاح عوني جبريل الذي بدد صمت ليلها وسكون بيتها شذاذ الآفاق بعد منتصف الليل فاقتحموا بيتها وهم يصرخون ... عبثوا في كل شيء دققوا النظر في كل زاوية وفي كل شخص إلى أن استقر نظرهم على كفاح ... دققوا النظر.. التف أطفالها من حولها تمسكوا بأطراف جلبابها.... تقدم الجند نحوها... تأكدوا من شخصها وأخبروها أنها معتقلة.
دقائق قليلة بعد هذه الكلمات وإذا بكفاح داخل الجيب العسكري... فقط صوت ابنتها ضحى التي لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً كان سيد الموقف، أما حازم الزوج الذي ضاقت به الدنيا بما رحبت وقف عاجزاً لا يستطيع أن يقدم شيء أو يدافع عن زوجته.... كان يحاول أن يتحدث لهم أن يفهم الموقف.. أن يخبرهم بأنها مريضة ومرضها خطير وأنها يجب أن تتناول الدواء .... كل محاولاته باءت بالفشل.
معاذ الابن البكر والذي من المقرر أن يكون أحد طلبة الثانوية العامة كان ينظر لهم بعين الغضب وكانت أنفاسه تخرج بسرعة وعيونه تقدح شرراً يتأهب للمواجهة كيف لهم أن يأخذوا منه الأم والحضن الحنون صاحبة البيت ... حجم الجيش والعسكر والقوات المنتشرة في كل زاوية من زوايا البيت حال بين الطفل معاذ والمواجهة.
ركبت بعد أن تم اقتيادها داخل السيارة العسكرية وأحضر زوجها لها الدواء وأخبرها بضرورة تناوله ... لم تستطع أن تتمالك نفسها ... سالت من عيونها دموع وطلبت من زوجها أن يهتم بشأن معاذ وضحى وأغمضت عينيها وسارت بها السيارة العسكرية وبقيت أصوات ضحى تنادي أمها تبدد صمت المكان وتجلجل قلب كفاح وكل من كان يرقب المنظر ويسمع الصوت من سكان المنطقة الذين أطفؤوا أنوار منازلهم وباتوا يسترقون السمع للملحمة التراجيدية التي كانت بطلتها كفاح عوني.
كفاح أم فلسطينية وناشطة اجتماعية عشقت فلسطين وخاضت انتخابات المجلس البلدي لمدينة رام الله تتزين خلف منديل وجلباب... تتحمل كل أمراضها وأوجاعها وآهاتها ... لا تألوا جهداً في زيارة مريض أو خدمة محتاج أو تخفيف معاناة إنسان.
ابتلاها الله بمرض نادر اسمه ( الرنوج ) حيث لا يصل الدم إلى كل أطرافها .... عدتها قبل سنوات في إحدى مستشفيات مدينة نابلس فوجدتها صابرة محتسبة فرحة بقضاء الله وقدره كان الكل يبكي من حولها إلا هي كانت تبتسم وتقول: هي إرادة الله وهو قضاء الله وقدره فله الحمد وله الشكر... فتعلمت منها الرضاء بقضاء الله وقدره.
في مركز تحقيق المسكوبية وضعت فارستنا الفلسطينية وهناك تم تهديدها وإخبارها بأنها لن تخرج من السجن وأنها ستموت وأن العلاج لن يقدم لها... نفت كل التهم الموجهة لها وأصرت على رأيها فكان الرد جاهزاً... أنت سيتم تحويلك للاعتقال الإداري والتهمة ملف سري ، وبالفعل حولت للاعتقال الإداري لمدة أربعة شهور وتم أخذها إلى سجن هشارون حيث تقبع فيه حتى اللحظة 36 أسيرة فلسطينية من حرائر هذا الشعب .
حازم الزوج يجلس في بيته ومن حوله طفلاه في شهر رمضان يحاول بكل ما أوتي من مهارات أن يخفف عنهم ولكن من ذلك الذي يستطيع أن يسد مكان الأم ومن هو الشخص القادر أن يعطي ذلك الحنان والعطاء ، يجلس الأطفال من حول جدتهم تحاول جاهدة أن تخفف عنهم وتوصيهم بأن يهتموا بأنفسهم لأن ذلك سيسعد الأم ولكن عبثاً تحاول فالغصة التي بالقلب تفسد عليهم طعم الطعام .
ويبقى الأمل وتبقى الثقة بقدرة الأم التي عهد عليها بنوها وأهلها وزوجها.... قدرتها الفائقة على الصبر والتحدي والرضاء بقدر الله وبالقضاء هو سلوة هذه العائلة... فمع كل أذان وقبل موعد الإفطار تتوجه الأيادي والأعين للسماء تدعو الله أن يعجل في فرج الأم والزوجة والأخت والابنة والصديقة كفاح أم معاذ.
وإلى أن يأذن الله لك بالفرج أخيتي كفاح أقول لك إنها ضريبة عشق الوطن والتمسك بالثوابت وحب الأرض تدفعينها اليوم أنت ومن جوارك في سجن هشارون تجلس الإمبراطورة أحلام والمربية منتهى الطويل والأسطورة قاهرة السعدي والأسيرة غلمة وغيرهن من رفيقات النضال فلك الله أخيتي وإن فرج الله قريب.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية