الأمن الوقائي وفنجان القهوة!
لمى خاطر
الدعوة لتناول فنجان قهوة في مقرّ الجهاز أصبحت التعبير الأكثر شيوعاً الذي يستخدمه ضباط الأمن الوقائي حين يتّصلون بأحد كوادر حماس في الضفة الغربية بهدف استدراجه لزيارة الجهاز ثم اعتقاله، أما الاستدعاءات المكتوبة فلم يعد استخدامها محبّذاً لدى الأجهزة الأمنية، وذلك على إثر الحملة الشبابية التي انطلقت منذ عدة أشهر ودعت لرفض الخضوع للاستدعاءات، وإلى نشرها عبر الإعلام وخصوصاً صفحات الفيسبوك!
ولعلّ حكاية فنجان القهوة في عرف الأجهزة الأمنية ليست تخوفاً من نشر صور الاستدعاءات في الفضاء الإعلامي، بل تعبيراً عن حسن النوايا تجاه اتفاق المصالحة! والتي يبدو أن تجلياتها على الأرض بالنسبة للأجهزة الأمنية ستقتصر على تغيير آلية استدعاء أبناء حماس وعناصر المقاومة، وإخراجها بطريقة (وديّة)، توحي بأن عهد التغوّل قد ولّى، وبأن المصالحة ستنسحب فقط على آلية الاعتقال والاستدعاء!
ثمّة جانب خطير آخر للأمر يفسّر عدم توقف الاعتقالات السياسية حتى اللحظة، ورفض إغلاق ملف الاعتقال السياسي، وهو أن الأجهزة تحرص على أن يبقى هناك معتقلون لديها ضمن عدد يمثل الحد الأدنى، وليس صحيحاً أنه بمجرد إتمام المصالحة ستحلّ إشكالية الاعتقال السياسي ويفرج عن الجميع، ذلك أن مفهوم الأمن في الضفة يوازي مقدار تحققه للاحتلال، ويوازي بالتالي مقدار الانخفاض في عمليات المقاومة، والنجاح في تجريمها، وإقناع الفلسطيني بأن كلفتها غالية، وأن من حقّ الأجهزة الأمنية حظرها وملاحقة ناشطيها!
ما عاد مهمّا الاستطراد في تحليل الواقع الأمني في الضفة، لأنه بات معلوماً للجميع، مثلما بات من المسلّمات أن الإجراءات الأمنية تخدم الاحتلال أولاً وأخيرا. لكن المهمّ اليوم التأكيد على أن الاستسلام للقبضة الأمنية ما عاد مسوّغا، ولا عاد مقبولاً مسايرتها لحين إتمام المصالحة ولمس نتائجها، لأن هذه الأخيرة لن تجلب انفراجة لذلك النفر من الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، الذين سرعان ما تتلقفهم سجون الضفة، فيما يشبه عملية (إعادة التأهيل) التي تجري للأسير المحرر، مع فارق القياس، ذلك أن ما يجري في هذه الحالة هو إنهاك نفسي مستمر ودوري للمقاوم أو المناضل أو الناشط السياسي، وأخذه بالشبهة أو عقاباً له على قضية قد يعود عمرها لسنوات طويلة وسبق أن حوكم عليها في سجون الاحتلال.
المقاوم القديم أصبح اليوم عرضة لاعتقالات متكررة في سجون الأجهزة الأمنية، والسبب معلوم بالضرورة، فهذه العينة من الرجال تظل في عرف الاحتلال قنابل موقوتة، وتظل مهيأة أكثر من غيرها لاستئناف مسيرة المقاومة، وحين يفرغ ما في جعبة الاحتلال من اتهامات لإدانتهم، فإن مهمة الأجهزة الأمنية أن تبقيهم تحت المراقبة، وأن تخضعهم لعمليات استجواب واعتقال دورية لضمان استنزاف عزائمهم وإنهاك نفسياتهم.
سبق أن قلنا إن المصالحة تبدأ من داخل المقرّات الأمنية، وقبلها من قناعة وإدراك قيادة السلطة بأن تقدّمها في مسيرة الوفاق لن يستقيم مع إبقائها على سياساتها الأمنية والميدانية المعروفة وموقفها المعادي للمقاومة، فالشعب الذي يعاني مرارة الاحتلال سيظلّ يتنفس مقاومة حتى وإن نجح القمع والاستنزاف في تغييبها، ومن الخطير أن يجري إحراز تقدّم على المسارات السياسية مع بقاء حالة الجمود ذاتها على المستوى الأمني الذي ما زال يحتكم للمعايير السابقة ذاتها في الاستهداف والاستجواب والاعتقال.
وإن فشلت التوافقات السياسية في تغيير السياسات الأمنية، فلا سبيل سوى أن تغيّرها إرادة المعنيين والضحايا، ولا سبيل سوى إعلان الرفض والتحدّي لكل إجراء أمني يتمّ على خلفية النشاط السياسي أو المقاوم، فالإرادة الشعبية التي أسقطت عروشاً موغلة في الاستبداد لن تعجز عن تغيير عقيدة فاسدة وتصويب مسار منحرف، المهم أن تتوفر الجرأة والقناعة الكافية بأهمية التصدي للعدوان على الحقوق، وإدراك لخطورة الرضا الدائم بالاستضعاف أو التسليم بقلّة الحيلة والعجز عن التغيير.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية