الأمن يريد إنهاء الانقسام!
لمى خاطر
هكذا إذن، بعد أن لسع إحساس الكرامة المواطن الفلسطيني عقب الثورات المباركة في تونس ومصر وليبيا، وبعد أن تساقط حلفاء سلطة فتح في المنطقة، وتحولت الأنظار إليها، وتكثّفت الأسئلة القائلة: متى يحين دوركم يا أهل الضفة؟ خرجوا علينا بحكاية الحراك الشبابي لإنهاء الانقسام، فهم يريدون تنفيس غضب الشارع في اتجاه آخر بعيد عن مطالبه الحقيقة، وهم من جهة أخرى يأملون بأن يتمخض ذلك عن زوبعة في غزة ضد حماس.
لا أشكك بنوايا بعض من أخذوا على عاتقهم قيادة الحراك والدعوة إليه كوني أعرف أن منهم ذوي نوايا صادقة بالفعل، ويأملون بإحداث نوع من التغيير، ولأن منهم من أراد أن يحاكي تجارب الثورات العربية بحراك يستشعر فيه دوره وموقعه في عملية التغيير، لكن هؤلاء وقعوا في شرك الشعارات الفضفاضة وخصوصاً في الضفة، حيث فرضت الأجهزة على المنسقين التزامات حديدية بعدم السماح لأي شعار يحرجها (وما أكثر ما يحرج هذه السلطة)، ثم قامت بضخ أفراد أجهزتها الأمنية ومخبريها للميدان ليفسدوا ويلجموا ويرصدوا أية محاولة للتغريد خارج سرب القناعات الفتحاوية.
المشاركة في غزة كانت جماهيرية وحاشدة كما شاهدنا، والفصائل شاركت بثقلها من حماس إلى فتح إلى اليسار، والمستقلون كان دورهم واضحا، بل إن مظاهر الحضور الفتحاوي كانت بارزة من رايات وحتى شعارات، بل وكان بعض ناطقي فتح على تلفزيون فلسطين يعبرون عن نواياهم الحقيقية بأملهم باستثمار التحرك لأجل التحشيد ضد حماس واستعادة غزة!
لكننا في الضفة نكذب على أنفسنا لو قلنا إن الشعب أبدى رغبته في المشاركة أو كان يحفل بدعوات الخروج التي وجهت إليه، والتجربة في الخليل شاهدة على ذلك، رغم أن الحشد في دوار المنارة في الخليل شارك فيه نواب حماس، وشارك فيه جمع من أنصارها وتحديداً النساء، وكانت هذه المشاركة اختباراً حقيقياً لنوايا السلطة في الضفة، والتي يبدو أن أوامر أجهزتها كانت صارمة لدرجة الاستعداد للاعتداء على النساء وإبعادهن من الميدان بسبب رفع شعارات تناهض التنسيق الأمني وتطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهي شعارات وصفها المخبرون وهم يتبادلون الاتصالات فيما بينهم بأنها "شعارات بتفضح".
سلطة فتح لا تريد أن تسمع غير صوتها، وهي بحجة الحفاظ على وحدة الشعارات تبرر قمع أي صوت يكشف وجهها ويعرّي سياساتها ويعبّر عن نبض الشارع الحقيقي، ولهذا أرادت أن تسوق الشارع خلف شعار فضفاض واسع اسمه إنهاء الانقسام، أما كيف ينتهي هذا الانقسام، وكيف تزاح العقبات من طريق المصالحة فممنوع التحدث عنه، وممنوع أن يسمح للشريحة الأكثر تضررا من الانقسام وهي ذوي المعتقلين والمفصولين من وظائفهم بأن تعلي صوتها وتقول نحن هنا، ومطالبنا ستفرض نفسها على أي حراك ميداني!
استمعت إلى أحاديث الشباب الغزي القائم على التحرك أو الموجه لجزء منه، فلمست نضجاً ووعياً ووضوحاً في الطرح وعدم تهيّب من التحدث عن كل الملفات التي تعرقل المصالحة، ولكن يؤسفني القول إن من تصدوا للحديث عن حراك الضفة من الشباب ظلوا أسارى الشعارات العائمة، وقبلوا أن تحتويهم السلطة تحت جناحها فيتصدر المحسوبون عليها المشهد العام ويتراجع المستقلون للصفوف الخلفية.
إن ما جرى يؤكد شيئاً واحدا، وهو أن هذا الشعار ليس بوابة الطريق الأقصر لتغيير واقعنا وإصلاحه، وأن تفريغ طاقات الشباب في تحرك مقيّد ومرسومة خطواته وفق المزاج الأمني هو مؤشر تراجع لا تقدّم، لأن التغيير لا يصنعه سوى الذين يبصرون أهدافاً كبيرة، ويخوضون دروباً شائكة قبل وصولها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية