الأنفاس الأخيرة للانقسام الفلسطيني ... بقلم : جمال أبو ريدة

الخميس 14 يونيو 2012

 
الأنفاس الأخيرة للانقسام الفلسطيني


جمال أبو ريدة

على الرغم من عدم اهتمام الرأي العام الفلسطيني بجولات المصالحة الوطنية الأخيرة المنعقدة في القاهرة بين طرفي الانقسام الفلسطيني "حماس" و" فتح" - لوأد الانقسام إلى غير رجعة- فإنه يمكن القول بأن المصالحة الوطنية قد باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن الانقسام قد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك لأسباب كثيرة كان أهمها وصول طرفي الانقسام إلى القناعة التامة بعد خمس سنوات من الانقسام باستحالة إقصاء أي طرف للآخر، بالإضافة إلى ذلك كان تعاظم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وعلى وجه التحديد نهب (إسرائيل) "الممنهج" للأراضي الفلسطينية لإقامة وتوسيع المستوطنات، التي وصل عدد المستوطنين فيها إلى ما يزيد عن نصف مليون مستوطن، بالإضافة إلى أسباب أخرى يصعب الوقوف عليها في هذه المقالة(...)، من أسباب التقارب بين طرفي الانقسام، لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، لمواجهة الأخطار التي تواجه الشعب الفلسطيني التي طالت الجميع، بغض النظر عن انتمائه وموقفه السياسي.

ولعل من المفيد القول بأن الربيع العربي، والذي نجح حتى الآن في الإطاحة بالعديد من الأنظمة العربية "الشمولية"، وعلى رأسها نظام الرئيس المصري المخلوع مبارك، ولازال هذا الربيع يُؤتي أُكله كل يوم، قد أكد لحركة "فتح" على وجه التحديد، خطأ تفكيرها السابق الذي يقوم على فكرة إقصاء حركة "حماس" من الحكم بكل السبل، والذي تمثل في انقلابها على نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها حركة "حماس" في العام 2006م، لاعتقادها "الخاطئ" بأن الشرعية الثورية التي اكتسبتها منذ انطلاقتها في العام 1965م، تعطيها الحق في التربع على كرسي الحكم إلى الأبد، بغض النظر عن أي نتائج انتخابات تشريعية، والتصرف في الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني بالطريقة التي تعتقد هي أنها صحيحة، بدون العودة إلى بقية القوى الوطنية والإسلامية الموجودة على الساحة الفلسطينية، والتي لا تقل نضالاتها عن نضالات حركة "فتح"، إن لم تزد عليها.

لقد بينت نتائج جولات الحوار الأخيرة في القاهرة، بأن تحقيق المصالحة الوطنية ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، بل هو أمر ممكن، إذا ما توفرت النوايا الصادقة عند طرفي الانقسام لتجاوز الانقسام، وذلك لأن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما، ولعل تراجع أصوات "أبطال" الانقسام في الفترة الأخيرة، كان– في حدود علمي- بسبب "مقت" الشعب الفلسطيني لفكرة إقصاء الغير بذريعة الشرعية الثورية، التي تفتقد لأبسط القيم الأخلاقية والوطنية، وأن الواجب الوطني يقتضي توحد الشعب الفلسطيني بكل السبل، وذلك لمواجهة التحدي (الإسرائيلي)، الذي بات يضرب بعرض الحائط بكل الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، التي أصبحت في الفترة الأخيرة، في موضع لا تحسد عليه، وباتت المصالحة طوق نجاة لها من الغرق السياسي، بعدما عولت كثيرًا على المفاوضات مع حكومات (إسرائيل) المتعاقبة وكان آخرها حكومة "نتنياهو" اليمينية، التي كشفت الوجه الحقيقي لـ(إسرائيل)، الرافض الاعتراف بأي حقوق سياسية ووطنية للشعب الفلسطيني، رغم التنازلات الجمة التي قدمتها السلطة الفلسطينية طوال السنوات الماضية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية.

وبالقدر الذي تخدم فيه المصالحة الوطنية كافة أطياف الشعب الفلسطيني، فإنها بالتأكيد لا تروق للجانب (الإسرائيلي)، وذلك لأنه كان ولازال أكبر المستفيدين من الانقسام، وواحد من أوجه الفائدة التي تحققت له هو مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بوجه عام، ومدينة القدس الشرقية بوجه خاص لبناء المزيد من المستوطنات عليها، الأمر الذي جعل من فكرة الحديث بعد اليوم عن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ضربًا من المستحيل، كما أن الانقسام قد أظهر الشعب الفلسطيني بمظهر الشعب الذي لا يستحق أكثر مما أُعطي له من قبل (إسرائيل)، وهو الأمر الذي تعتقد (إسرائيل)، أنه يبرر لها الوقوف في وجه المحاولات الفلسطينية للانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية، كوسيلة لاعتراف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية.

وعليه فإنه من المتوقع بعد اليوم أن (إسرائيل) ستعمل جاهدة، لـ "إفشال" جهود المصالحة بكل السبل الممكنة وغير الممكنة، ولعل تقديم حكومة "نتنياهو" لبعض التنازلات السياسية "الوهمية" للسلطة في الفترة الأخيرة، كان فقط لــ"جرها" مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات المتوقفة منذ العام 2010م، وهي واحدة من المحاولات (الإسرائيلية) الخبيثة في هذا الاتجاه، والشيء المؤكد أن (إسرائيل) ستلوح بعد اليوم بوقف التحويلات الضريبية لخزينة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه "زرع" الخوف في قلوب قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني خوفًا على لقمة عيشهم، للخوف من المصالحة وتأييد الانقسام بشكل أو بآخر، وللتخلص من هذه الألاعيب (الإسرائيلية)، فإن السلطة الفلسطينية مطالبة بعدم العودة إلى المفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي) بعد اليوم، كذلك فإنها مطالبة بالتحرك العاجل على الصعيد العربي على وجه التحديد، لتجنيد الدعم المالي لخزينتها، وذلك لطمأنة الشعب الفلسطيني على مستقبله السياسي ولقمة عيشه معًا، لحشد كل الطاقات الفلسطينية للعدو الرئيس للشعب الفلسطيني، وهو الاحتلال (الإسرائيلي) أولا وأخيرًا
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية