الإخوان والأميركان وإسرائيل في المنتصف
إميل أمين
ما الذي تحاول "إسرائيل" فعله تجاه المشهد المصري الداخلي المتغير والمنعطف بقوة لجهة صعود تيار الإسلام السياسي في جناحيه؛ الإخوان المسلمين والسلفيين؟
حتماً أنها تبقى حجر عثرة، كما كانت وستظل، في طريق أي توافق مصري داخلي، ذلك أنه إذا كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قد أفرزت خياراً إسلامياً واضحاً، فإن ذلك كان مدعاة لانزعاج إسرائيلي لم يتوقف عند حدود القلق فقط، بل تجاوز إلى مرحلة الوقيعة بين الإخوان، وأهم تيار خارجي يحاول الانفتاح عليهم ممثلاً في الأميركيين.. ما الداعي لهذا الحديث في هذا التوقيت؟ في الأيام الأولى من الشهر الجاري، كانت غالبية الصحف الإسرائيلية تلفت إلى أنه: "خلافاً للأميركيين، تشعر "إسرائيل" بالقلق من صعود الإخوان المسلمين في مصر، خصوصاً بعد اتضاح نظرتهم وتصريحات زعمائهم التي تشكل خطراً على معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية".
والشاهد أن تلك المخاوف قد بلغت حد أنها طرحت للنقاش على مائدة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهو الجهة الاستشارية الرسمية، المكلفة بتقدير الموقف أمام الحكومة..
ماذا كانت التوصية الرئيسية؟ "العمل على إخراج الرئيس الأميركي باراك أوباما من سذاجته إزاء التعامل مع صعود تيار "الإخوان المسلمين" في مصر والمنطقة العربية". ليس هذا فقط، بل إن المجلس الذي يترأسه الجنرال اليميني "يعقوب عاميدرور"، وصف صعود التيار الإسلامي في الشرق الأوسط حالياً، بأنه استنساخ للتجربة الإيديولوجية الشمولية الأوروبية، أي النموذجين النازي والفاشي، ولكنها هذه المرة بلباس ديني.
تدعونا هذه التصريحات المثيرة لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى طرح علامة استفهام أبعد حول علاقة الأميركان بالإخوان؛ كيف كانت؟ وإلى أين تمضي؟
قبل نحو شهرين زار السيناتور جون كيري، المرشح السابق للرئاسة الأميركية، المقر الرسمي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ومنذ عدة أيام التقى وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، بدوره رئيس الحزب، وبينهما جرت أحاديث كثيرة بين الأميركان والإخوان. ولعل تصريحات جيفري فيلتمان، الرجل المتنفذ في الخارجية الأميركية والمقرب من هيلاري كلينتون، أكدت على أنه قناة اتصال ظاهرة أحياناً وخفية أحياناً أخرى بين الطرفين.. هل يعني ذلك أن شيئاً ما تغير في واشنطن؟ شيئاً ما عدل أو بدل وجهة النظر الأميركية تجاه الإخوان في مصر تحديداً؟
يبدو أن الولايات المتحدة لا تود تكرار الخسارة الاستراتيجية التي أصابتها في إيران، إثر الثورة الإسلامية عام 1979، مع الاختلاف الكبير والفارق في المشهد، وعدم استقامة المقاربة أول الأمر وآخره. ولهذا فإن إدارة أوباما وبحسب تقرير أخير لصحيفة "نيويورك تايمز"، قد بدأت في انتهاج سياسة جديدة تراجعت بموجبها عن عقود من العداء وعدم الثقة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي كانت تعتبرها منظمة معارضة للمصالح الأميركية.
هذا الحديث يتسق والتصريحات التي أدلى بها السيناتور كيري عقب لقائه مع قادة الحرية والعدالة، من أنه "من الضروري أن تفهم كيف تتعاطى مع حكومات ديمقراطية لا تعتنق كل ما لديك من سياسات وقيم، وأن على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الواقع الجديد".
هل ما يجري في واشنطن تجاه الإخوان المسلمين هو اتجاه عام؟ بمعنى أنه تيار سياسي توافقي بين البيت الأبيض والكونغرس على سبيل المثال! الجواب يعود بنا إلى الساحة الخلفية للنفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إلى الكونغرس، وإلى العلاقة مع الجمهوريين على نحو خاص، هؤلاء الرافضين لمثل هذا التقارب مع الأنظمة الإسلامية الجديدة، والذين يتهمون أوباما بأنه أفسح المجال أمام الإسلاميين لتولي زمام الأمور في دولة حليفة مثل مصر.
والمعروف كذلك أن علاقة الجمهوريين بجماعات الضغط الداعمة لدولة "إسرائيل"، لا تغيب عن أعين الناظر، وتصريحات كافة المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأميركية، تؤكد على أن توصيات مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قد بدأت بالفعل تؤتي أكلها، وأنها قد بدأت منذ فترة ليست قريبة.
فعلى الجانب التشريعي، رأينا في مجلس النواب الأميركي أحاديث تتبنى مواقف متشددة تجاه الإخوان المسلمين، وتربط المساعدات الاقتصادية لمصر بعدم وجود عناصر في الحكومة المصرية القادمة خاضعة لسيطرة عناصر إرهابية أو داعمة لها.
في هذه الأجواء ليس من الغريب أن نجد النائب "جيف دنكان"، يطالب وزارة الخارجية الأميركية بتصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، أو أن نستمع من النائب "هاورد بيرمان"، إلى أن الإخوان لديهم رؤية مناهضة للولايات المتحدة و"إسرائيل"، بل وصل الأمر بالنائبة المتنفذة في لجان العلاقات الخارجية "ايلينا روس ليتنين"، بمطالبة وزارة الدفاع الأميركية بالتحقيق في أي مزاعم أو اتهامات موجهة للإخوان بالتورط في عمليات إرهابية.
إلى أي حد ومدى سيقدر ل"إسرائيل" إفساد المشهد والضغط على إدارة أوباما لفصم أي علاقة قادمة لها مع الإخوان، وخاصة في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي يلعب فيه النفوذ السياسي والدعم المالي لجماعات الضغط الموالية لتل أبيب، دوراً كبيراً؟ حتماً ستفعل "إسرائيل" المستحيل لقطع الطريق على أي تحسن في العلاقات المصرية الأميركية، وخاصة إذا بدا أن الإخوان في صدارة المشهد.. فانظر إلى الإخوان وإلى عموم المصريين ماذا ترى!
صحيفة البيان الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية