الاستعانة بنصيحة من عدو...بقلم : عوني صادق

الجمعة 08 يوليو 2011

الاستعانة بنصيحة من عدو
عوني صادق

يقال دائماً: "صديقك من صَدقك لا من صدقك"، أي أن صديقك الحقيقي هو من يعطيك رأيه بصدق، لا من يكذبك وينافق لك بالموافقة على رأيك. والنصيحة الصادقة تأتي عادة من الصديق، أما العدو فلا ينتظر منه أن ينصح صادقاً عدوه. هذا الأسبوع جاءت النصيحة للرئيس الفلسطيني محمود عباس من الكاتب الصحفي "الإسرائيلي" عكيفا إلدار، وأياً كانت دوافع إلدار للتقدم بنصيحته، فإنه خطأ ألا يرى ما فيها من صدق.

السلطة الفلسطينية في رام الله، والرئيس محمود عباس، يتحركان مما يقرب من ثلاثين شهراً، يبذلان كل ما في وسعهما من جهد، من أجل إحياء ما يسمى "عملية السلام في الشرق الأوسط" ومن أجل استئناف المفاوضات مع حكومة بنيامين نتنياهو دون جدوى. في الأشهر القليلة الماضية برز أمامهما "خيار" آخر هو التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب اعتراف دولي ب"دولة فلسطينية في حدود 1967 مع تبادل أراض متفق عليه". المراقب يلاحظ، عبر متابعة تصريحات عباس ومسؤولي السلطة، أن هذا "الخيار" هو في نهاية الأمر في خدمة "الخيار الوحيد الأوحد": المفاوضات. لكن العمل جار الآن وحتى سبتمبر/ أيلول المقبل على "الخيارين" حتى يسقط أحدهما، أو كلاهما.

يوم الأربعاء الماضي، توجه صائب عريقات ونبيل أبو ردينة إلى واشنطن لإجراء محادثات مع مسؤولين أمريكيين، وفي حديث لإذاعة فلسطين قال عريقات إنهما سيلتقيان المبعوث الأمريكي ل"عملية السلام" ديفيد هيل ومسؤولين آخرين لبحث جهود استئناف محادثات السلام مع الحكومة "الإسرائيلية". من جانبها، وفي الحادي عشر من يوليو/ تموز الحالي، ستجتمع اللجنة الرباعية الدولية للغرض نفسه. وقد دعاها عريقات إلى تبني صيغة تطالب الحكومة "الإسرائيلية" بقبول "حل الدولتين" على أساس حدود 1967، كما حثها على "تفهم الموقف الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة باعتبار أن "ذلك يحافظ على حل الدولتين وفرص السلام" (الرأي الأردنية 4/7/2011).

في الأثناء كشفت صحيفة (معاريف 1/7/2011) تفاصيل التحرك الأمريكي لاستئناف المفاوضات مستندة إلى برقية أمريكية سرية وصلت إليها، كان قد سلمها ديفيد هيل إلى نظيره الأوروبي في الرباعية الدولية في لقاء ضمهما في بروكسل يوم 24/6/2011، تؤكد أن خطاب أوباما يوم 19/5/2011 أمام (أيباك) يمثل الطريق الوحيد للتحرك نحو السلام. كذلك جاء في الوثيقة السرية أنه مع هامش مرونة يتمثل بسياسة "خذ وأعط" سيوافق نتنياهو مقابل "شيء مناسب في القيمة"، يتبين لاحقاً أن هذا "الشيء المناسب" هو: الاعتراف ب"إسرائيل" دولة يهودية، وإسقاط حق العودة وحل قضية اللاجئين داخل حدود الدولة الفلسطينية. (الأخبار اللبنانية 1/7/2011).

معروف حتى الآن أن فكرة التوجه إلى الأمم المتحدة ترفضها الإدارة الأمريكية بوضوح وحزم، لذلك لن تجد طريقها ما دام هذا هو الموقف الأمريكي، كما أن الإدارة الأمريكية لن تغير موقفها وستتمسك بالدعوة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن كيف يمكن أن يقبل الجانب الفلسطيني هذه العودة أمام موقف الحكومة "الإسرائيلية" و"الشيء المناسب" الذي تطلبه؟ لا شك في أن هذا المأزق الذي تجد سلطة رام الله نفسها فيه هو أولاً ثمرة لاتفاق أوسلو، وثانياً للتمسك بالمفاوضات كسبيل وحيدة للتعاطي مع الصراع.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية، وهي تضع السلطة في هذا الموضع، تطلب منها أن تختار بين "الطاعون والكوليرا"، كما يقول عكيفا إلدار في مقاله الذي يقدم فيه "النصيحة" بهذا الخصوس للرئيس عباس.

بداية يذكر الكاتب "الإسرائيلي" الرئيس عباس بحقيقة موقف الرئيس أوباما ثم بحقيقة موقف المسؤول عن ملف "الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني"، دينيس روس الذي كان الرئيس السابق ل"معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، فيقول: يريد روس "أن يجذب الفلسطينيين لإعادتهم إلى شرك مسيرة السلام" ويضيف: "لو أن أوباما كان ينوي حقاً أن يسوغ حصوله على جائزة نوبل للسلام لما أوكل حل الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني إلى رب تصريف هذا الصراع الذي لا نهاية له". ويتابع إلدار قائلاً: "لو كنت مكان عباس لقلت لدينيس روس أن يبلغ رئيسه أن ينسى التفاوض من غير اعتراف خطي من نتنياهو بأن الحدود الدائمة ستقوم على حدود 1967 مع تعديلات متفق عليها، وتجميد مطلق للاستيطان خلال التفاوض، وبرنامج زمني محدد للانسحاب من المناطق". (هآرتس 5/7/2011). وينهي إلدار مقاله بمضمون عنوانه وهو "حان الوقت لدفن أوسلو".

القارئ لمقال إلدار يلاحظ أنه يشجع سلطة رام الله على عدم العودة إلى المفاوضات إلا بشروط يعرف جيداً أن نتنياهو يرفضها بشدة، ويعرف جيداً أن أوباما أعجز من أن يفرضها عليه لو أراد، ويعترف بأن روس المشرف على المفاوضات منحاز إلى الجانب "الإسرائيلي". مع ذلك فإن تلك الشروط هي ضرورية بالفعل، لمن يريد مفاوضات، لتسويغ العودة إلى المفاوضات.

بذلك تبدو نصيحة إلدار هي الذهاب إلى الأمم المتحدة وترك المفاوضات. لكن إلدار يعرف أيضاً أن الذهاب إلى الأمم المتحدة مع رفض الإدارة الأمريكية لهذه الخطوة لا يقل عبثية عن المفاوضات بشروط نتنياهو أو حتى "من دون شروط مسبقة"، علماً بأن الحصول على الاعتراف في الجمعية العامة لو تم يحمل في طياته خسائر جديدة تتعلق بالتخلي عما هو أفضل والذي انطوى عليه القرار 181 الخاص بتقسيم 1947. لكن النصيحة الحقيقية تتمثل في دفن "اتفاق أوسلو"، فذلك ما يفتح طريقاً جديدة أمام الشعب الفلسطيني لإعادة النظر في مشروعه الوطني برمته.

صحيفة الخليج الإماراتية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية