الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية وانهيار خيار حل الدولتين... بقلم :ماهر عابد

الأربعاء 05 يونيو 2013

الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية وانهيار خيار حل الدولتين

ماهر عابد

تشكل مسألة الاستيطان في الضفّة الغربيّة جوهر السياسةً المركزيّةً الثابتة للاستعمار الصهيوني في فلسطين، وهي تأتي ضمن مسار استكمال السيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية تنفيذا للشعار" ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، كما أن اختيار مواقع المستوطنات يضمن السيطرة الإستراتيجية على أحواض المياه الجوفية، وعلى نقاط التواصل، بحيث باتت هذه المستوطنات تمثل نقاط فصل بين أرجاء الضفة الغربية التي تقطعت أوصالها.

بلغ عدد المستوطنات في الضفّة الغربيّة المحتلّة 144 مستوطنةً رسميّة، منها 16 في مدينة القدس، إضافة إلى حوالي 100 بؤرةٍ استيطانيّةٍ غير رسمية تنتشر في أنحاء الضفّة الغربيّة والقدس، وبلغ عدد المستوطنين في منتصف عام 2012 أكثر من 550 ألف، منهم 200 ألف في القدس الشرقيّة.

ولعل الفترة التي تسلّم فيها بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الصهيونية منذ آذار 2009 ولغاية الآن مثلت الفترة الذهبية لانتعاش الاستيطان وازدياد وتيرته بشكل غير مسبوق، وذلك في ظل وضع فلسطيني مهلهل، تمثل في الانقسام الفلسطيني وتداعياته، والحملة على كل مظاهر المقاومة المسلحة في الضفة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية وكذلك الإسرائيلية. كما أن أحداث الربيع العربي وتفاعلاتها وانشغال العالم بها عن الحدث الفلسطيني، وعجز قيادة السلطة الفلسطينية وركونها إلى الوعود الغربية وارتهانها إلى المساعدات الأمريكية والأوروبية لتسيير أمورها اليومية بشكل جعلها عاجزة عن اتخاذ أي مبادرة نضالية تتصدى لهذا التوسع الاستيطاني الرهيب.

لقد سعت الهجمة الاستيطانية منذ تولى نتنياهو الحكم على رأس حكومة يمينية إلى تغييرات جذرية في المشهد الديمغرافي والجغرافي للضفة الغربية، وبات الفلسطينيون معزولون في مناطق محدودة جدا من ارض الضفة الغربية، وهي المناطق التي سميت ب(أ) و(ب) حسب اتفاقات أوسلو، أي في نطاق المنطقة السكنية للقرى والمدن. في حين تم تعميق الاستيطان في أكثر من 60% من الضفة الغربية وهي المنطقة المسماة(ج)، والتي لا يزيد عدد السكان الفلسطينيين فيها عن 150 ألف نسمة، وقد تعاملت الحكومات الإسرائيلية عموما وحكومة نتنياهو خصوصا مع المناطق (ج) على أنها مناطق إسرائيلية خالصة، حيث تخضع لسلطة الإدارة المدنية الإسرائيلية، وجرى اعتبار أجزاء أخرى كمناطق عسكرية أو محميات طبيعية أو مواقع أثرية وبالتالي فقد حظر على الفلسطينيين دخولها، كما تجري عملية مستمرة لشرعنة البؤر الاستيطانية وقلب الواقع الديمغرافي في هذه المنطقة بحيث يصبح اليهود هم الأغلبية والفلسطينيون مجرد أقلية. ولتعزيز ذلك فقد مارست سلطات الاحتلال حملة تضييق ممنهجة بحق الفلسطينيين الذين يسكنون هذه المناطق للتقليل من أعدادهم وإجبارهم على الرحيل، وفي هذا السياق جرى هدم مئات المنازل الفلسطينية، ومنع الترخيص لإقامة أي مباني جديدة، إضافة إلى محدودية الخدمات العامة المقدمة في هذه المناطق من مدارس وطرق وغيرها.

ماذا يعني كل هذا:
أولا: أن المشروع الصهيوني الاستعماري الاحلالي متواصل، وأهدافه الإستراتيجية يجري العمل على تحقيقها بكل الوسائل طوال الوقت، وهو يعمل على تحقيق الأهداف من خلال ما تسمح به الظروف والمعطيات المحيطة.وقد استغل العقدين السابقين لينمو ويتطور ويحقق مكاسب حقيقية على الأرض الفلسطينية، وليحول انتصاره العسكري في 67 إلى منجزات فعلية، مستغلا الغطاء الذي منحته إياه عملية التسوية، حيث أدى هذا الأمر إلى اعتراف أصحاب الحق ( ممثلين ب م ت ف) بشرعية الكيان الصهيوني، وتحويل الصراع إلى مجرد خلافات تحل على مائدة التفاوض، وجرى إشغال الفلسطينيين في مسائل لا تمثل أي أولوية كالتطور الاقتصادي، وبناء مؤسسات الدولة، والانتخابات وتشكيل الحكومات، كل هذا والاحتلال جاثم على صدورنا، وكانت النتيجة أن إسرائيل حصلت على أرخص احتلال في التاريخ، وانقسم الفلسطينيون في ما بينهم.

ثانيا: أن معطيات الواقع على الأرض في الضفة الغربية تمثل انهيارا للأسس التي قام عليها مشروع التفاوض وخيار حل الدولتين، وبلغة أخرى تمثل فشلا ذريعا للتوجه الفلسطيني الرسمي الذي سعى إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، حيث ثبت أن كل سني التفاوض جرى استغلالها صهيونيا لتثبيت شرعيته وفرض وقائع على الأرض من المستحيل تغييرها عبر التسوية، كما أن الاستمرار على هذه الشاكلة يعني أننا بتنا كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال، وهو ما يمثل عبثا لا يمكن تبريره.

إن خيار المقاومة بكل أشكالها وأنواعها يجب أن يعاد له الاعتبار في الضفة الغربية خصوصا ليكون هو عنوان المشروع الوطني الفلسطيني الحقيقي الهادف إلى نزع الشرعية عن المشروع الصهيوني وإجراءاته، وللعودة إلى الأسس الأولى للصراع المتمثلة بكون المشروع الصهيوني مشروعا استعماريا يمثل خطرا على الأمة بأسرها، ونشكل نحن الفلسطينيون في هذا الصراع رأس الحربة لمقاومته وتحجيمه. كما أن هذا الأمر يمثل بوصلة التوجه نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية القائمة على أساس الحفاظ على الحقوق والثوابت. ولاستغلال واقع الثورات العربية التي مثلت نقطة أمل للشعب الفلسطيني، حيث أنها عنوان لتمرد المواطن العربي على واقع العبودية والاستبداد الذي كان يحياه، والذي شكل البيئة الرخوة التي سمحت للمشروع الصهيوني بالوجود والتطور، وبالتالي إعادة الاعتبار بقوة للبعد العربي في الصراع.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية