الاعتقال السياسي.. ما مبرراته وكيف يمكن إيقافه؟...بقلم النائب فتحي قرعاوي

الجمعة 27 يوليو 2012

الاعتقال السياسي.. ما مبرراته وكيف يمكن إيقافه؟

النائب فتحي قرعاوي

منذ اللحظة الأولى لتأسيس حركة فتح وقيادة حركة فتح تعلن باستمرار أنها حركة علمانية أي لا دينية وقد أكد هذا المعنى مراراً وتكراراً الراحل أبو عمار في أكثر من مناسبة، ومن خلال هذا التعريف بدأ الاتصال مبكراً بين حركة فتح ورموز اليسار الصهيوني لدرجة أن (أوري أفنيري) زعيم الحزب الشيوعي الإسرائيلي قد زار أبو عمار في مقر إقامته في بيروت أثناء حصارها للتضامن معه، ثم بالمقابل بدأ الصدام مبكراً مع الاتجاه الإسلامي خاصةً في فلسطين رغم تغني بعض قيادات فتح بقواعد الشيوخ والتي كانت تعمل بجنوب الأردن تحت قيادة الحركة كما تزعم حركة فتح واشتدَّ هذا التنافس والذي وصل إلى درجة الصراع في كثير من المؤسسات والنقابات وحتى في حركة الاستقطاب في الشارع وكانت حركة فتح تدافع عن شعار أن فتح حركة علمانية ويقول قادتها بأن علمانية فتح هي علمانية فلسطينية ’ وليست علمانية بالمفهوم الأوروبي بمعنى أنها تستوعب المسلم والمسيحي واليهودي واللا ديني في دولة واحدة وبحرية كاملة. 

ورغم ذلك فإن حركة فتح في المعاهد والجامعات استنفذت كل طاقاتها وجهودها في الوقوف أمام التيار الإسلامي في حين فتحت خطوط تواصل كثيرة مع التيار اليساري الإسرائيلي حتى تطور الأمر إلى ما وصل إليه اليوم. 

لقد بحثت كثيراً في عدة مراجع حول الفكر السياسي لحركة فتح فلم أجد لفتح فكراً محدداً سوى الإجماع على معاداة الفكر الديني وبالمجمل فإن هذا الفكر قائم على رفض الآخر حتى لو كان محسوباً على هذا التيار ولعل بعض التصفيات الداخلية في حركة فتح في فترة ما والتي لا زالت غامضة أو تم اتهام الاحتلال بها ستفتح يوماً وريما تكشف أن الفاعل كان داخلياً، وفي حقبة السجون وبروز التيار الإسلامي كفصيل وطني ذات وزن سارعت حركة فتح إلى الإعلان عن أي فصيل خارج إطار (م.ت.ف) يعتبر تنظيماً (منفلشاً) وتم معاملة الأسرى الإسلاميين معاملة العملاء فقد تعرضوا للاضطهاد والضرب والمنع من عقد الجلسات والحرمان من النوم حتى اضطرت حركة فتح أخيراً بعد أن اضطر الاتجاه الإسلامي لإثبات نفسه والدفاع عن افراده ومعاقبة المتطرفين الذين ساهموا في قمع التيار الإسلامي. 
 
ولذلك كان الشيخ عبد الله عزام الذي خبر حركة فتح عن قرب يردد عبارة( فتح لا دين لها ). وبالعودة إلى لب الموضوع فإن المتابع يلمس أن حركة فتح قد عملت طوال فترة مسيرتها على تطهير صفوفها من قدامى المحاربين والمناضلين خاصةً عندما تتقدم في المفاوضات مع الاحتلال فقد تم تمويت وتحييد كل القيادات التاريخية المؤسسة للحركة صاحبة التاريخ النظيف واستبدالها بقيادات مقبولة أمنياً لدى الاحتلال تفتقد روح الانتماء والوطنية، ولعل السيد تيسير نصر الله من قيادات فتح كان واضحاً عندما اعتبر ان (..وفاة عرفات وهزيمة فتح بالانتخابات أمام حماس ضربتان موجعتان في الرأس الفتحاوي أضيفت إليهما انتخابات فتح الداخلية التي أديرت على نحو سيء وأدت إلى مزيد من التشظي في غياب المراجعة النقدية ) ثم يقول السيد نصر الله (لقد حملت حركة فتح مأزق اتفاقية أوسلو وسلبياتها وفشلها رغم قيام إسرائيل بتحطيم أوسلو على أرض الواقع _ويتابع قائلاً_ يضاف إلى ذلك غياب الإنتاج الفكري الحركي التنظيمي ولا نبالغ إذا قلنا إنه بوفاة خالد الحسن مات البعد الفكري لحركة فتح.. ). 

وعودة إلى لب الموضوع، إن هذه المقدمة الطويلة والسريعة تشير إشارةً واضحة أن ما يسمى بالاعتقال السياسي إنما هو برنامج انتقامي ضد كل ما هو إسلامي حيث كان المخطط أبعد من ذلك وهو مخطط استئصالي كما جرى في قطاع غزة على يد محمد دحلان والأجهزة الأمنية الأخرى بمعرفة سلطة فتح وتوجيهها وتمويلها ثم ما تبع ذلك مروراً بالحرب على قطاع غزة انتهاء بالحصار الذي ما زال مفروضاً الى الان. أما في الضفة والتي لا زالت تعاني استمراراً لنفس المسلسل من خلال عملية تطهير واسعة ومستمرة ضد كل ما هو إسلامي وحتى ديني ابتداء من مصادرة الجمعيات الخيرية ومحاكمة أصحابها وفصل كل من يثبت ولاءه الإسلامي من كافة مؤسسات السلطة ومحاربة هؤلاء في أرزاقهم واستمرار عملية الاعتقال المسمى بالاعتقال السياسي.وبالمجمل فان السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس غير جادة بالمطلق في إتمام المصالحة لأنها في النهاية ستعطي حركة حماس حيزاً في الحياة السياسية في الضفة الغربية. 

وأذكر أنه في أحد لقاءات المصالحة في الضفة الغربية غادر أحد قيادات فتح الجلسة بشكل مفاجئ ولما حاول البعض إعادته قال إن الرجل مُستَفَزّ ولا يكاد يتخيل أن معنى المصالحة أن تعود حماس لتسيطر على الجامعات والجمعيات وترفع أعلامها وتمارس نشاطها. 

وفي معرض آخر قال نفس المسؤول أنه حتى في ظل المصالحة لا يمكن إنهاء ملف الاعتقال السياسي. وباعتقادي لو أن حركة حماس في الضفة الغربية والتي لم ترد بالمطلق على ممارسات السلطة القمعية واكتفت بالصبر، فلو أنها رمت حجراً واحداً أو أطلقت رصاصة واحدة لكان ذلك كافياً أن يتم سحق الحركة وقتل أفرادها ومناصريها وسحلهم في الشوارع.

إن حركة فتح بنسختها الجديدة والمعدلة تنظر إلى حركة حماس كمنافس خطير وعدو إستراتيجي ولا بد لها أن تتقوى بالجهات الخارجية للوقوف في وجهها ومنع استعادة نشاطها. 

ولذلك فإن فتح ليست جادة في الإفراج عن المعتقلين ولا حتى في تشكيل الحكومة فقد رأينا كيف تم الإفراج عن بعض المعتقلين فقام الاحتلال باعتقالهم فوراً، ثم إن تشكيل الحكومة تريد منها حركة فتح أن تكون القارب الذي يوصلها إلى الانتخابات التي ستخرج حماس من الباب الذي دخلت منه ولذلك ما معنى أن تكون الانتخابات المحلية في الضفة فقط وعلى نفس الشاكلة ستكون الانتخابات التشريعية، لقد كانت فتح تتغنى بحصار بيروت وتقول (بيروت خيمتنا الأخيرة) وهي الآن تعتقد أن الضفة الغربية خيمتها الأخيرة ومعنى ذلك أن حربها على الآخر لن يتوقف بحالٍ من الأحوال وخاصةً أن الأجهزة الأمنية ليست ذات قرار ومرجعية وطنية.

وأنا من خلال متابعاتي منذ نشوء الانقسام إلى الآن لم أسمع مسؤولاً فتحاوياً واحداً دان الاعتقال السياسي أو أشار ولو مجرد إشارة بضرورة وقفه وإنهائه وليس هذا من باب التشاؤم وإنما هذا واقعٌ على الأرض معقد وهناك جهات أخرى كثيرة متورطة في هذا الملف وغيره من الملفات.وأمام ذلك فإن المطلوب من الجهات المتابعة لموضوع الاعتقال السياسي وغيره من الملفات إعادة دراسة الأمر دراسة واعية مرة أخرى واستخلاص العبر والانطلاق مرة أخرى على أسس واضحة وبرعاية جهات موثوقة وضاغطة لها تأثير...

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية