الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بين الوهم والواقع
عزالدين أحمد ابراهيم
في المثل الشعبي الفلسطيني: "لا تقل للمغني غنّي حتى يغني لوحده"، والشاهد هنا هو عدم استعجال أمر ما هو من طبيعة الأشياء قد يتأخر مجيئه ولكنه سيأتي، وما تأخره إلا لظروف سرعان ما تتلاشى.
هذا هو حال كثير من قومنا مع ما اصطلح على تسميتها "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" التي أشبعوها تحليلا وتنبؤا وكأن تحرير الأرض والمقدسات مرتبط بحدث يجري في يوم واحد يخرج فيه أبناء الشعب الفلسطيني الى الشوارع والميادين ونقاط الاحتكاك مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق المحتلة عام ثمانية وأربعين، فيتقهقر جيش الاحتلال إلى قواعده العسكرية مطالبا بالعفو والخروج الآمن!
نعم، وصل الحال ببعض قومنا الى هذه الصورة، وساعد على انتشارها مواقع التواصل الاجتماعي وما تتيحه من هرطقات، ودخول مجال التحليل السياسي كل من هب ودب، يعزز ما يتخيلونه واقع مؤلم على الأرض أصبح الفلسطيني يهرب منه الى أحلام يقظة لن تتحقق بهذه الصورة.
في الجهة المقابلة صورة معاكسة تظللها اجواء السواد والتشاؤم وكأن الاحتلال أصبح قدرا على شعبنا الفلسطيني لا مفر منه ويجيب التسليم به، بل ويخرج بين الحين والآخر من يدعي الخبرة الاستراتيجية والتحليل السياسي ليقرأ الواقع في الضفة الغربية بنظارة سوداء لا ترى الى ما يريد ان يراه معسكر التسوية.
مراقبو التدخل السريع الذين يتبنون رؤية سوداوية حيال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، يستندون إلى جملة من العوامل والظروف، يرون انها لن تؤدي بحال من الأحوال إلى خلق حالة ثورية جديدة في وجه الاحتلال ترتقي الى مستوى الانتفاضة الاولى عام سبعة وثمانين او الى انتفاضة الأقصى عام الفين.
تارة نجد هؤلاء يستشهدون بالظروف الاقليمية والدولية والتآمر المستمر على القضية الفلسطينية والتي لا تساعد على نشوء مثل هكذا حالة ثورية، وتارة بالاوضاع الداخلية الفلسطينية والانقسام الحاصل والذي لن يفرز واقعا مقاوما جديدا يعيد للضفة الغربية رونقها النضالي المعهود.
الفريقان، المتفائل بشدة، والمتشائم بشدة، يُجانبان الحقيقة وطبيعة الامور، كلٌ في ما ذهب اليه، فلا الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ستندلع غدا وتحرق أخضر الاحتلال ويابسه، ولا هي بعيدة المنال وكأن الشعب الفلسطيني راضٍ بواقعه البئيس من احتلال وتهويد واعتداءات متواصلة.
وهنا لا بد من التأكيد على نقطة في غاية الأهمية، وهي ان الشعب الفلسطيني هو في حالة مقاومة مستمرة، حتى وان لم تتخذ هذه المقاومة شكل الانتفاضة المعهودة.
الانتفاضة، وان اوحى المصطلح بالهبة والايقاع السريع، الا انه في الحالة الفلسطينية تعني ارهاصات ومقدمات، تسبق اكتمال المشهد برجاله وقياداته القادرة على قيادة المرحلة الجديدة، وهذا ليس تيئيسا، بل ما نراه توصيفا لما جرى في الانتفاضة الاولى والثانية والتي اتخذت من الحدث بداية للحراك الثوري وليس انتهاء عنده.
الانتفاضة الاولى اتخذت من حادثة دهس حافلة لمجموعة من العمال الفلسطينيين شرارة لفعل نضالي ردا على واقع الاحتلال وقمعه للفلسطينيين في مخيماتهم وقراهم، ولكنها مرت بمراحل عديدة وصولا لحالة يومية منظمة لها قيادة موحدة، وهو ذات السيناريو في انتفاضة الاقصى التي اتخذت من اقتحام شارون للمسجد الأقصى بداية لمقاومة شعبية فمسلحة ردا على فشل اوسلو والحل النهائي الذي سوقت له، قبل ان تتحول كذلك إلى فعل يومي تديره قيادة عسكري موحدة من الفصائل كبدت الاحتلال أكثر من ألف قتيل.
في حالة الانتفاضة الثالثة والتي نرجو اندلاعها اليوم قبل غدا -ولكن بمعزل عن الامنيات والأحلام-، لا بد من توافر حدث امني تستمثره قوى المقاومة لتعزيز الوعي المقاوم في الضفة والذي أثخن فيه النهج المساوم والمفاوض قتلا وحصارا.
الحدث الأمني لوحده لا يكفي، اذ لا بد من تغذية مستمرة لحالة المقاومة الكامنة التي تتنامى مؤقتا مع كل عملية مقاومة في الضفة الغربية حتى وان كانت فردية سرعان ما تخفت بفعل ضربات التنسيق الأمني التي كانت قد قتلت الحاضنة الشعبية للمقاومة طيلة سنوات التفاوض العقيمة .
عزالدين أحمد ابراهيم
في المثل الشعبي الفلسطيني: "لا تقل للمغني غنّي حتى يغني لوحده"، والشاهد هنا هو عدم استعجال أمر ما هو من طبيعة الأشياء قد يتأخر مجيئه ولكنه سيأتي، وما تأخره إلا لظروف سرعان ما تتلاشى.
هذا هو حال كثير من قومنا مع ما اصطلح على تسميتها "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" التي أشبعوها تحليلا وتنبؤا وكأن تحرير الأرض والمقدسات مرتبط بحدث يجري في يوم واحد يخرج فيه أبناء الشعب الفلسطيني الى الشوارع والميادين ونقاط الاحتكاك مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق المحتلة عام ثمانية وأربعين، فيتقهقر جيش الاحتلال إلى قواعده العسكرية مطالبا بالعفو والخروج الآمن!
نعم، وصل الحال ببعض قومنا الى هذه الصورة، وساعد على انتشارها مواقع التواصل الاجتماعي وما تتيحه من هرطقات، ودخول مجال التحليل السياسي كل من هب ودب، يعزز ما يتخيلونه واقع مؤلم على الأرض أصبح الفلسطيني يهرب منه الى أحلام يقظة لن تتحقق بهذه الصورة.
في الجهة المقابلة صورة معاكسة تظللها اجواء السواد والتشاؤم وكأن الاحتلال أصبح قدرا على شعبنا الفلسطيني لا مفر منه ويجيب التسليم به، بل ويخرج بين الحين والآخر من يدعي الخبرة الاستراتيجية والتحليل السياسي ليقرأ الواقع في الضفة الغربية بنظارة سوداء لا ترى الى ما يريد ان يراه معسكر التسوية.
مراقبو التدخل السريع الذين يتبنون رؤية سوداوية حيال الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، يستندون إلى جملة من العوامل والظروف، يرون انها لن تؤدي بحال من الأحوال إلى خلق حالة ثورية جديدة في وجه الاحتلال ترتقي الى مستوى الانتفاضة الاولى عام سبعة وثمانين او الى انتفاضة الأقصى عام الفين.
تارة نجد هؤلاء يستشهدون بالظروف الاقليمية والدولية والتآمر المستمر على القضية الفلسطينية والتي لا تساعد على نشوء مثل هكذا حالة ثورية، وتارة بالاوضاع الداخلية الفلسطينية والانقسام الحاصل والذي لن يفرز واقعا مقاوما جديدا يعيد للضفة الغربية رونقها النضالي المعهود.
الفريقان، المتفائل بشدة، والمتشائم بشدة، يُجانبان الحقيقة وطبيعة الامور، كلٌ في ما ذهب اليه، فلا الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ستندلع غدا وتحرق أخضر الاحتلال ويابسه، ولا هي بعيدة المنال وكأن الشعب الفلسطيني راضٍ بواقعه البئيس من احتلال وتهويد واعتداءات متواصلة.
وهنا لا بد من التأكيد على نقطة في غاية الأهمية، وهي ان الشعب الفلسطيني هو في حالة مقاومة مستمرة، حتى وان لم تتخذ هذه المقاومة شكل الانتفاضة المعهودة.
الانتفاضة، وان اوحى المصطلح بالهبة والايقاع السريع، الا انه في الحالة الفلسطينية تعني ارهاصات ومقدمات، تسبق اكتمال المشهد برجاله وقياداته القادرة على قيادة المرحلة الجديدة، وهذا ليس تيئيسا، بل ما نراه توصيفا لما جرى في الانتفاضة الاولى والثانية والتي اتخذت من الحدث بداية للحراك الثوري وليس انتهاء عنده.
الانتفاضة الاولى اتخذت من حادثة دهس حافلة لمجموعة من العمال الفلسطينيين شرارة لفعل نضالي ردا على واقع الاحتلال وقمعه للفلسطينيين في مخيماتهم وقراهم، ولكنها مرت بمراحل عديدة وصولا لحالة يومية منظمة لها قيادة موحدة، وهو ذات السيناريو في انتفاضة الاقصى التي اتخذت من اقتحام شارون للمسجد الأقصى بداية لمقاومة شعبية فمسلحة ردا على فشل اوسلو والحل النهائي الذي سوقت له، قبل ان تتحول كذلك إلى فعل يومي تديره قيادة عسكري موحدة من الفصائل كبدت الاحتلال أكثر من ألف قتيل.
في حالة الانتفاضة الثالثة والتي نرجو اندلاعها اليوم قبل غدا -ولكن بمعزل عن الامنيات والأحلام-، لا بد من توافر حدث امني تستمثره قوى المقاومة لتعزيز الوعي المقاوم في الضفة والذي أثخن فيه النهج المساوم والمفاوض قتلا وحصارا.
الحدث الأمني لوحده لا يكفي، اذ لا بد من تغذية مستمرة لحالة المقاومة الكامنة التي تتنامى مؤقتا مع كل عملية مقاومة في الضفة الغربية حتى وان كانت فردية سرعان ما تخفت بفعل ضربات التنسيق الأمني التي كانت قد قتلت الحاضنة الشعبية للمقاومة طيلة سنوات التفاوض العقيمة .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية