الانقلاب بلا مفاجآت: حماس إرهابية!
ساري عرابي
لا تتعلق أهمية تسريبات مكتب السيسي بما تكشفه من معلومات كانت حاضرة في حسّ أصحاب البصيرة النافذة والحدس القوي والتحليل الصحيح أثناء الأحداث التي سبقت انقلاب 30 يونيو/ حزيران، والأحداث التي جاءت إثر هذا الانقلاب، ولكن قيمتها في إثبات ما استنتجه التحليل الصحيح، بما ينقل ذلك التحليل من مستوى الخطاب إلى مستوى الحقيقة الثابتة، وأيضًا في تعرية عصابة الانقلاب وإظهارها على ما هي عليه في حقيقتها مجردة من الأساطير، إن كأشخاص اتسموا بالرقاعة وبدوا أقرب إلى عرابي المافيا ومرتزقة العصابات المأجورة، أو كمؤسسة أمنية وعسكرية تسترت بهالة من الأساطير طوال ستين عامًا ثم تمزقت عنها هذه الهالة لتبدو بهذا القدر من الهشاشة والضعة والتهافت.
والأمر نفسه يمكن قوله بخصوص ما وصل إليه الانقلاب من تنفيذ المخطط المرسوم له صهيونيًا لضرب حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بصفتها حركة المقاومة الفلسطينية الأكبر والأكثر فاعلية في ميدان المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني والنكاية به منذ انطلاقتها في العام 1987 حتى وصلت، ورغم الحصار وانعدام الممكنات، إلى المستوى القتالي الرفيع الذي أسفرت عنه في حرب العصف المأكول، والتي يبدو أنها سرعت من استخدام العدو لأدواته الانقلابية في مصر لضربها ومحاولة إسقاطها.
وإذا كانت التسريبات لم تكشف عن جديد بالنسبة للذين تحدثوا منذ البداية عن التدبير المخابراتي لثورة 30 يونيو الملونة، سواء في تهيئة الأجواء المناسبة لها، أو في تنظيم هذه الثورة المصطنعة، وعن علاقة حركة "تمرد" بأجهزة الدولة ودور الإمارات المركزي في تمويلها، وفي توظيف غيرها من الشخصيات والتجمعات السياسية و"الثورية"، بالتضافر مع أدوار أخرى لفاعلين آخرين في مصر والإقليم والعالم، فإن تصاعد الإجراءات العدوانية من طرف النظام الانقلابي لم يكن مفاجئًا بالنسبة للذين تحدثوا منذ البداية عن مجيء الانقلاب في سياق إقليمي في القلب منه إرادة إنهاء حالة المقاومة في قطاع غزة بضرب عمودها الفقري الذي تمثله حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ما يجعل التعامل بعد ذلك مع بقية صور المقاومة سهلاً.
ما ادعيناه منذ البداية بأن هذا الانقلاب قد جاء بأجندة صهيونية وعلى نحو مريب وبما يشير إلى علاقة غامضة تجمع قائد الانقلاب تحديدًا بالعدو الصهيوني وفي سياق يتضمن معطيات مختلفة عن تلك التي جمعت كلاً من السادات ومبارك بالسياسات الصهيونية في المنطقة؛ تثبته ممارسات الانقلاب ابتداء من إحكام الحصار على قطاع غزة وعزلها تمامًا عن سيناء لغرض حرمان المقاومة من السلاح أولاً، ولسلخ الحاضنة الشعبية عن المقاومة ثانيًا بواسطة وسائل الحصار والتضييق الاقتصادي على الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة.
إن مستوى الاستهداف لحركة "حماس"، وخاصة حين قراءته ضمن بقية المعطيات التي حملها مسار الانقلاب، يحول دون الأخذ بالتفسيرات الرائجة والتي تغيّب العامل الصهيوني تمامًا أو لا تمنحه نسبته الصحيحة من بين دوافع السلوك العدواني للانقلاب ضد قطاع غزة، وهي أربعة تفسيرات أساسية؛ أولها يحمّل حركة "حماس" المسؤولية لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، وهو تفسير قاصر جدًا نظرًا لغياب العامل الصهيوني من اعتباره تمامًا، ولأنه ينطوي على شكل من الإدانة للطرف الواقع عليه العدوان وهو حركة "حماس".
وثاني تلك التفسيرات يذهب باتجاه القول إلى أن السيسي يهرب إلى الأمام بافتعال أزمة مع عدو خارجي مصطنع هو حركة "حماس" مستثمرًا ما راكمته حقبتا السادات ومبارك من خطاب معادٍ للفلسطينيين ومشوه لوعي المصريين بذاتهم ومحيطهم والعالم، إضافة إلى كون حماس الحلقة الأضعف في الإقليم لافتقارها إلى العمق الجغرافي وقوى الارتكاز الإقليمي، إلا أن هذا التفسير على صحته ووجاهته لا يكفي في ذاته للوصول بالعدوان إلى هذا المستوى بالغ الخطورة.
أما ثالث تلك التفسيرات، فذلك الذي يقصر أسباب استهداف السيسي لحماس على مجرد الرغبة في خلق دور إقليمي له يستدعي بالتالي غطاء صهيونيًا وأمريكيًا يؤمّن الانقلاب ويضمن استمراره، أو كجزء من الفواتير المستحقة عليه صهيونيًا، وهي الدوافع التي كانت حاضرة دائمًا في حقبة مبارك دون أن تصل إلى هذا المستوى من العدوان والتلفع بالعار.
أما التفسير الرابع والذي يقول بأن قرارات القضاء المصري ضد حماس قد جاءت نتيجة الضغط الإعلامي فلا يستحق المناقشة الجادة، لأن الحريات واستقلال المؤسسات هو آخر ما يمكن الحديث عنه في مصر، فضلاً عما أثبتته التسريبات من كون تلك المؤسسات مجرد أدوات تافهة ورخيصة لما يسمى بالأجهزة السيادية في الدولة التي يقف على رأسها عبد الفتاح السيسي.
لا يمكن تفسير كامل مسار عدوان النظام الانقلابي على قطاع غزة وحركة حماس، وخاصة بما وصل إليه، وما يمكن أن يصل إليه مما هو أكثر خطورة، إلا بأنه تنفيذ حرفي لإرادة صهيونية تخطط لرجلها في مصر، ذلك الذي ربته على عينها، وتأمره، وهذا هو التفسير الوحيد الممكن، والذي يملك قدرة حقيقية على فهم ما جرى ويجري داخل مصر، وبالذات الشق الذي يخص محاولة إنهاء المقاومة في قطاع غزة، ولأن الحقيقة التي يزعمها هذا التفسير تتعلق هذه المرة بالعدو الصهيوني لا بالإمارات، فإنها على الأغلب لن تجد تسريبات كافية تثبتها، إلا أنه لا حاجة لإقناع من لم تقنعه الوقائع الواضحة!
ساري عرابي
لا تتعلق أهمية تسريبات مكتب السيسي بما تكشفه من معلومات كانت حاضرة في حسّ أصحاب البصيرة النافذة والحدس القوي والتحليل الصحيح أثناء الأحداث التي سبقت انقلاب 30 يونيو/ حزيران، والأحداث التي جاءت إثر هذا الانقلاب، ولكن قيمتها في إثبات ما استنتجه التحليل الصحيح، بما ينقل ذلك التحليل من مستوى الخطاب إلى مستوى الحقيقة الثابتة، وأيضًا في تعرية عصابة الانقلاب وإظهارها على ما هي عليه في حقيقتها مجردة من الأساطير، إن كأشخاص اتسموا بالرقاعة وبدوا أقرب إلى عرابي المافيا ومرتزقة العصابات المأجورة، أو كمؤسسة أمنية وعسكرية تسترت بهالة من الأساطير طوال ستين عامًا ثم تمزقت عنها هذه الهالة لتبدو بهذا القدر من الهشاشة والضعة والتهافت.
والأمر نفسه يمكن قوله بخصوص ما وصل إليه الانقلاب من تنفيذ المخطط المرسوم له صهيونيًا لضرب حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بصفتها حركة المقاومة الفلسطينية الأكبر والأكثر فاعلية في ميدان المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني والنكاية به منذ انطلاقتها في العام 1987 حتى وصلت، ورغم الحصار وانعدام الممكنات، إلى المستوى القتالي الرفيع الذي أسفرت عنه في حرب العصف المأكول، والتي يبدو أنها سرعت من استخدام العدو لأدواته الانقلابية في مصر لضربها ومحاولة إسقاطها.
وإذا كانت التسريبات لم تكشف عن جديد بالنسبة للذين تحدثوا منذ البداية عن التدبير المخابراتي لثورة 30 يونيو الملونة، سواء في تهيئة الأجواء المناسبة لها، أو في تنظيم هذه الثورة المصطنعة، وعن علاقة حركة "تمرد" بأجهزة الدولة ودور الإمارات المركزي في تمويلها، وفي توظيف غيرها من الشخصيات والتجمعات السياسية و"الثورية"، بالتضافر مع أدوار أخرى لفاعلين آخرين في مصر والإقليم والعالم، فإن تصاعد الإجراءات العدوانية من طرف النظام الانقلابي لم يكن مفاجئًا بالنسبة للذين تحدثوا منذ البداية عن مجيء الانقلاب في سياق إقليمي في القلب منه إرادة إنهاء حالة المقاومة في قطاع غزة بضرب عمودها الفقري الذي تمثله حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ما يجعل التعامل بعد ذلك مع بقية صور المقاومة سهلاً.
ما ادعيناه منذ البداية بأن هذا الانقلاب قد جاء بأجندة صهيونية وعلى نحو مريب وبما يشير إلى علاقة غامضة تجمع قائد الانقلاب تحديدًا بالعدو الصهيوني وفي سياق يتضمن معطيات مختلفة عن تلك التي جمعت كلاً من السادات ومبارك بالسياسات الصهيونية في المنطقة؛ تثبته ممارسات الانقلاب ابتداء من إحكام الحصار على قطاع غزة وعزلها تمامًا عن سيناء لغرض حرمان المقاومة من السلاح أولاً، ولسلخ الحاضنة الشعبية عن المقاومة ثانيًا بواسطة وسائل الحصار والتضييق الاقتصادي على الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة.
إن مستوى الاستهداف لحركة "حماس"، وخاصة حين قراءته ضمن بقية المعطيات التي حملها مسار الانقلاب، يحول دون الأخذ بالتفسيرات الرائجة والتي تغيّب العامل الصهيوني تمامًا أو لا تمنحه نسبته الصحيحة من بين دوافع السلوك العدواني للانقلاب ضد قطاع غزة، وهي أربعة تفسيرات أساسية؛ أولها يحمّل حركة "حماس" المسؤولية لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، وهو تفسير قاصر جدًا نظرًا لغياب العامل الصهيوني من اعتباره تمامًا، ولأنه ينطوي على شكل من الإدانة للطرف الواقع عليه العدوان وهو حركة "حماس".
وثاني تلك التفسيرات يذهب باتجاه القول إلى أن السيسي يهرب إلى الأمام بافتعال أزمة مع عدو خارجي مصطنع هو حركة "حماس" مستثمرًا ما راكمته حقبتا السادات ومبارك من خطاب معادٍ للفلسطينيين ومشوه لوعي المصريين بذاتهم ومحيطهم والعالم، إضافة إلى كون حماس الحلقة الأضعف في الإقليم لافتقارها إلى العمق الجغرافي وقوى الارتكاز الإقليمي، إلا أن هذا التفسير على صحته ووجاهته لا يكفي في ذاته للوصول بالعدوان إلى هذا المستوى بالغ الخطورة.
أما ثالث تلك التفسيرات، فذلك الذي يقصر أسباب استهداف السيسي لحماس على مجرد الرغبة في خلق دور إقليمي له يستدعي بالتالي غطاء صهيونيًا وأمريكيًا يؤمّن الانقلاب ويضمن استمراره، أو كجزء من الفواتير المستحقة عليه صهيونيًا، وهي الدوافع التي كانت حاضرة دائمًا في حقبة مبارك دون أن تصل إلى هذا المستوى من العدوان والتلفع بالعار.
أما التفسير الرابع والذي يقول بأن قرارات القضاء المصري ضد حماس قد جاءت نتيجة الضغط الإعلامي فلا يستحق المناقشة الجادة، لأن الحريات واستقلال المؤسسات هو آخر ما يمكن الحديث عنه في مصر، فضلاً عما أثبتته التسريبات من كون تلك المؤسسات مجرد أدوات تافهة ورخيصة لما يسمى بالأجهزة السيادية في الدولة التي يقف على رأسها عبد الفتاح السيسي.
لا يمكن تفسير كامل مسار عدوان النظام الانقلابي على قطاع غزة وحركة حماس، وخاصة بما وصل إليه، وما يمكن أن يصل إليه مما هو أكثر خطورة، إلا بأنه تنفيذ حرفي لإرادة صهيونية تخطط لرجلها في مصر، ذلك الذي ربته على عينها، وتأمره، وهذا هو التفسير الوحيد الممكن، والذي يملك قدرة حقيقية على فهم ما جرى ويجري داخل مصر، وبالذات الشق الذي يخص محاولة إنهاء المقاومة في قطاع غزة، ولأن الحقيقة التي يزعمها هذا التفسير تتعلق هذه المرة بالعدو الصهيوني لا بالإمارات، فإنها على الأغلب لن تجد تسريبات كافية تثبتها، إلا أنه لا حاجة لإقناع من لم تقنعه الوقائع الواضحة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية