التحرير قبل الدولة
د.عصام عدوان
يتسم الاحتلال اليهودي في فلسطين بأنه استيطاني إحلالي، ولذلك قام بطرد معظم سكان فلسطين وأقام دولته على أنقاضهم، فلم يعد بمقدور الفلسطينيين إقامة دولتهم فوق أرضهم، لأنهم غير موجودين عليها باستثناء مَن بقي منهم ثابتاً في أرضه وهم من القلة بحيث لايستطيعون العمل لإقامة دولتهم ومناهضة المستعمر. ولذلك نهضت جميع الحركات والقوى الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين وطرد المحتلين منها، وإعادة اللاجئين أصحاب الأرض، ومن ثمَّ تُقام الدولة المستقلة ذات السيادة. وعليه: لم يكن هدف الدولة الفلسطينية وارداً في أجندة أيٍّ من الحركات الفلسطينية عند تأسيسها، بل ناضلت ضده، ووسمت تلك الدولة في أحاديثها السياسية بـ "المسخ".
بسبب فشل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها في تحقيق هدف التحرير الذي أُنشئت جميعها من أجله، بحثت عن أهداف زائفة ترضي بها نفسها وتوفر المبرر لاستمرار قيادتها. وعملت من أجل ذلك على ترويض الشعب الفلسطيني والتأثير على قناعاته، وزرع أهداف جديدة له وحرفه عن أهدافه الحقيقية في التحرير والعودة. وفي هذا السياق كان إعلان الدولة الفلسطينية في المنفى عام 1988م، وإطلاق اسم دولة وفتح سفارات لها في دول العالم، بينما لم تكن قادرة على تصريف أمور الفلسطينيين في الأرض المحتلة أو ممارسة أي شكل سيادي للدولة. وفي ذات السياق جاء توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، على حساب الأرض واللاجئين والقدس والسيادة.
ومع تعرُّض مشروع الدولة المسخ للفشل من جديد، واستمرار دولة الاحتلال في مشروعها الاستيطاني التهويدي، قررت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الإبقاء على مبرر لوجودها، والتمسمر في مواقعها القيادية، فعملت على التركيز على هدف إقامة الدولة الفلسطينية في محاولة تعويضية عن حالة انسداد الأفق التفاوضي مع عدو لا يفهم غير لغة القوة. وأوحت لشعبها بأن الخلاص كل الخلاص هو في قبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، وخلقت معركة زائفة تحقق بها بعض النجاحات لتبرر بقاءها واستمرارها بعد الفشل الماحق في تحقيق هدف التحرير والعودة. لقد جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30/11/2012م بقبول دولة فلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة وبناء على طلب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الفاشلة، ملخِّصاً لسلسلة من القرارات الدولية التي ناضل ضدها شعبنا الفلسطيني عندما كان في عافية وقبل أن تلوِّث ذاكرته تلك القيادات الفاشلة. فاستند قرار قبول فلسطين إلى: قرار التقسيم رقم 181 الذي شرّع لقيادم دولة يهويدية في فلسطين وتدويل القدس. وقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي تضمن الاعتراف بسيادة (إسرائيل) واستقلالها بعيداً عن التهديد بالقوة، وتحدث عن تسوية لقضية اللاجئين وليس عودتهم. وقرار 194 الداعي لعودة اللاجئين وتعويضهم بطريقة غير قابلة للتنفيذ وغير حاسمة، والداعي أيضاً إلى تدويل القدس. ومبادرة السلام العربية الاستسلامية. ورسائل الاعتراف المتبادلة بين عرفات ورابين في عام 1993م التي اعترف فيها ياسر عرفات بدولة (إسرائيل) وحقها في الوجود والعيش بأمان.
وقد نص القرار على قيادم دولة فلسطين بجانب دولة (إسرائيل) وتعيش معها في سلام وأمن. والدعوة للتوصل إلى تسوية سلمية تنهي احتلال عام 1967م فقط وتحقق رؤية الدولتين. ونص القرار على الحاجة لاستئناف المفاوضات وتسريع وتيرتها استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ومرجعية مؤتمر مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية وخارطة الطريق، داعياً على حل القضايا العالقة كاللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه. ودعا القرار المجتمع الدولي لمساعدة الشعب الفلسطيني على نيل حقه وتقرير مصيره واستقلاله. وطالب الأمين العام بمتابعة تنفيذ القرار وتقديم تقريره بهذا الشأن في غضون ثلاثة شهور.
إن هذا القرار يعني: أن 78% من فلسطين قد تنازلت عنه منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأبد. وأنها قررت العيش بسلام (أو سمه استسلام) بجانب (إسرائيل). وأن هذه الدولة غير العضو لم تحصل على شيء حيث ستستمر في التفاوض من أجل كل الأمور التي كانت عالقة منذ اتفاق أوسلو ولا زالت. وأن القضايا الأمنية بين الدوليتن مقدمة على سائر القضايا كما تنطق بذلك خطة خارطة الطريق. وأن هذه "الدولة" لم تُعِد اللاجئين ولا القدس ولم توقف الاستيطان ولم تفككه ولم تحدد حدوداً ولم تبت في أي قضية ذات بال. وأن هذا الإعلان بحاجة إلى نظر في تطبيقة من خلال تقرير يقدمه الأمين العام بعد 3 شهور. فأي دولة تلك وأي إنجاز هذا، وأي عبث تجرنا إليه قيادة منظمة التحرير الفاشلة، والتي تراوح مكانها ولا تريد أن تبرحه لأحد غيرها. وهل تستحق هذه الخطوة العبثة أن نسميها جيدة؟!!!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية