التنسيق الأمني.. إلى متى؟!
د. أيمن أبو ناهية
ليس من العيب أن يخطئ الإنسان في التقدير حتى لو كان قائدًا لأمة تمر في أخطر مراحل وجودها، ولكن تكرار الخطأ والاستمرار في ارتكابه والإصرار عليه سيؤدي به إلى الانتقال لتصنيف الخطيئة, والاستمرار في ممارسة الخطيئة سيؤدي بالشعب والقائد إلى كارثة قد تصل إلى حد الاندثار. هذا الاندثار يسير على نفس النسق الأندلسي الذي تتابعت فيه التنازلات حتى وصلت إلى ذروتها عندما تم تحميل الآلاف من العرب على متن السفن التي ألقت بهم إلى الأسماك لتتولى كتابة الفصل الأخير من مأساة أهل الأندلس.
لا يختلف الأمر كثيرًا عما حدث في الأندلس وما يحدث في فلسطين من تقديم التنازلات، فرئيس السلطة محمود عباس لم يكتفِ بالتنازل عن حقه في العودة إلى مسقط رأسه صفد بحجة التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة لمصلحة اليسار الإسرائيلي، بل تباهى في مؤتمر دافوس بأن قوات أمنه التي تحمي المستوطنين من أي أعمال فدائية، أعادت تسليم جنود بأسلحتهم، رغم أن هؤلاء يعتدون بشكل دوري ووحشي على أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، بل إن عباس يستغل كل مناسبة ممكنة من أجل تأكيد التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهذا كان واضحًا في قمة مكة الأسبوع الماضي, وقد سبق أن أعلن افتخاره به من حرم جامعة الدول العربية, وسبق كذلك في لقائه مع بيريز في الفاتيكان, أن أشاد الأخير بجهود السلطة ورئيسها لتعاونهم الكامل مع قوات الاحتلال في المسائل الأمنية.
صداقة الرئيس عباس مع بيريز قديمة، ولقاءاته معه لم تنقطع، وهذا تطبيع في حد ذاته, في وقت يترأس الأخير دولة مستمرة في بناء المستوطنات، وتحمي المتطرفين الذين باتت اقتحاماتهم لباحة المسجد الأقصى عملاً روتينيًا، وتخطط لإصدار قانون يشرعن ضم الضفة الغربية بعد ضمان تهويد القدس المحتلة.
والأكثر من ذلك قوله بأن المستوطنين والجنود الإسرائيليين لا يتعرضون للخطف, وهم محميون بموجب اتفاقية التنسيق الأمني، في إشارة واضحة أنه يرفض عملية خطف الجنود الثلاثة، وينسى الرئيس عباس معاناة الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات وزنازين الاحتلال لسنوات طويلة، وأن عملية خطف الجندي شاليط أدت إلى الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، نسبة كبيرة من بينهم من مناضلي حركة "فتح" الشرفاء، والذين تم اعتقالهم من جديد وإرجاعهم إلى السجون في إطار التنسيق الأمني.
فقد اشتدت حدة حملات الاعتقالات والمداهمات في الأيام الماضية ولا زالت مستمرة، لم يسلم منها الشباب ولا الشياب. ووفقاً لشهادات أهالي بعض المعتقلين, فإن هذه الاعتقالات تأتي بعدما تعرض المعتقلون وخاصة الأسرى المحررين منهم للاستجواب والتحقيق من قبل الوقائي والمخابرات، فور الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، إمعانًا في القهر والتعذيب وزيادة المعاناة والإهمال، وكلها دروس وتوجيهات عملية وتطبيقية مأخوذة من نظرية التنسيق الأمني، التي تتبناها أجهزة السلطة الأمنية، بدليل تجديد الدعم الغربي والأمريكي للسلطة الفلسطينية، اعترافاً واضحاً بالهدف الذي لأجله وجدت السلطة وهو العمل وفق اتفاقية التنسيق الأمني.
فالسلطة في أحسن حالها وأحوالها لم تكن يومًا مصطفة إلى جانب شعبها وقضيته، بل كانت ولا زالت سلطة مسلطة وعصا تبطش بأبناء شعبها وأداة من أدوات حماية الاحتلال ومستوطنيه، وأصبحت أجهزتها الأمنية سيفًا مسلطًا على رقاب أبناء شعبها المظلوم، وكنا نعتقد أنها ستكون السيف الذي سيحميه من الاحتلال والاستيطان والتهويد، وهو ما ترتب عليه من انقسام في القرار والصف الفلسطيني، وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفتح شهية الاحتلال للانقضاض على أراضينا ومقدساتنا والاستفراد بأسرانا ومسرانا وإلغاء حق العودة.
ومن الواضح أن التظاهرات التي خرجت في مدن الضفة المحتلة متزامنة مع الربيع العربي لم تخرج في معظمها من أجل غلاء المعيشة والرواتب، بل لرفض سياسة الاعتقالات وتكميم الأفواه وفشل مشروع التسوية والاتفاقيات الظالمة التي كبلت الشعب الفلسطيني واقتصاده وكافة مناحي حياته, وكبدته الثمن غاليًا تجاه قضاياه ومصيره والتفريط والتنازلات المستمرة في القضايا والثوابت الوطنية، لكن عندما تدق ساعة الصفر فإن القيادة الفلسطينية ستندم على كل قطعة سلاح جمعتها من أيدي المدافعين عن ما تبقى من الوطن.
د. أيمن أبو ناهية
ليس من العيب أن يخطئ الإنسان في التقدير حتى لو كان قائدًا لأمة تمر في أخطر مراحل وجودها، ولكن تكرار الخطأ والاستمرار في ارتكابه والإصرار عليه سيؤدي به إلى الانتقال لتصنيف الخطيئة, والاستمرار في ممارسة الخطيئة سيؤدي بالشعب والقائد إلى كارثة قد تصل إلى حد الاندثار. هذا الاندثار يسير على نفس النسق الأندلسي الذي تتابعت فيه التنازلات حتى وصلت إلى ذروتها عندما تم تحميل الآلاف من العرب على متن السفن التي ألقت بهم إلى الأسماك لتتولى كتابة الفصل الأخير من مأساة أهل الأندلس.
لا يختلف الأمر كثيرًا عما حدث في الأندلس وما يحدث في فلسطين من تقديم التنازلات، فرئيس السلطة محمود عباس لم يكتفِ بالتنازل عن حقه في العودة إلى مسقط رأسه صفد بحجة التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة لمصلحة اليسار الإسرائيلي، بل تباهى في مؤتمر دافوس بأن قوات أمنه التي تحمي المستوطنين من أي أعمال فدائية، أعادت تسليم جنود بأسلحتهم، رغم أن هؤلاء يعتدون بشكل دوري ووحشي على أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، بل إن عباس يستغل كل مناسبة ممكنة من أجل تأكيد التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهذا كان واضحًا في قمة مكة الأسبوع الماضي, وقد سبق أن أعلن افتخاره به من حرم جامعة الدول العربية, وسبق كذلك في لقائه مع بيريز في الفاتيكان, أن أشاد الأخير بجهود السلطة ورئيسها لتعاونهم الكامل مع قوات الاحتلال في المسائل الأمنية.
صداقة الرئيس عباس مع بيريز قديمة، ولقاءاته معه لم تنقطع، وهذا تطبيع في حد ذاته, في وقت يترأس الأخير دولة مستمرة في بناء المستوطنات، وتحمي المتطرفين الذين باتت اقتحاماتهم لباحة المسجد الأقصى عملاً روتينيًا، وتخطط لإصدار قانون يشرعن ضم الضفة الغربية بعد ضمان تهويد القدس المحتلة.
والأكثر من ذلك قوله بأن المستوطنين والجنود الإسرائيليين لا يتعرضون للخطف, وهم محميون بموجب اتفاقية التنسيق الأمني، في إشارة واضحة أنه يرفض عملية خطف الجنود الثلاثة، وينسى الرئيس عباس معاناة الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات وزنازين الاحتلال لسنوات طويلة، وأن عملية خطف الجندي شاليط أدت إلى الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، نسبة كبيرة من بينهم من مناضلي حركة "فتح" الشرفاء، والذين تم اعتقالهم من جديد وإرجاعهم إلى السجون في إطار التنسيق الأمني.
فقد اشتدت حدة حملات الاعتقالات والمداهمات في الأيام الماضية ولا زالت مستمرة، لم يسلم منها الشباب ولا الشياب. ووفقاً لشهادات أهالي بعض المعتقلين, فإن هذه الاعتقالات تأتي بعدما تعرض المعتقلون وخاصة الأسرى المحررين منهم للاستجواب والتحقيق من قبل الوقائي والمخابرات، فور الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، إمعانًا في القهر والتعذيب وزيادة المعاناة والإهمال، وكلها دروس وتوجيهات عملية وتطبيقية مأخوذة من نظرية التنسيق الأمني، التي تتبناها أجهزة السلطة الأمنية، بدليل تجديد الدعم الغربي والأمريكي للسلطة الفلسطينية، اعترافاً واضحاً بالهدف الذي لأجله وجدت السلطة وهو العمل وفق اتفاقية التنسيق الأمني.
فالسلطة في أحسن حالها وأحوالها لم تكن يومًا مصطفة إلى جانب شعبها وقضيته، بل كانت ولا زالت سلطة مسلطة وعصا تبطش بأبناء شعبها وأداة من أدوات حماية الاحتلال ومستوطنيه، وأصبحت أجهزتها الأمنية سيفًا مسلطًا على رقاب أبناء شعبها المظلوم، وكنا نعتقد أنها ستكون السيف الذي سيحميه من الاحتلال والاستيطان والتهويد، وهو ما ترتب عليه من انقسام في القرار والصف الفلسطيني، وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفتح شهية الاحتلال للانقضاض على أراضينا ومقدساتنا والاستفراد بأسرانا ومسرانا وإلغاء حق العودة.
ومن الواضح أن التظاهرات التي خرجت في مدن الضفة المحتلة متزامنة مع الربيع العربي لم تخرج في معظمها من أجل غلاء المعيشة والرواتب، بل لرفض سياسة الاعتقالات وتكميم الأفواه وفشل مشروع التسوية والاتفاقيات الظالمة التي كبلت الشعب الفلسطيني واقتصاده وكافة مناحي حياته, وكبدته الثمن غاليًا تجاه قضاياه ومصيره والتفريط والتنازلات المستمرة في القضايا والثوابت الوطنية، لكن عندما تدق ساعة الصفر فإن القيادة الفلسطينية ستندم على كل قطعة سلاح جمعتها من أيدي المدافعين عن ما تبقى من الوطن.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية