التوظيف الإسرائيلي لـ «الهجوم المزدوج»
عريب الرنتاوي
قراءة صحف الأمس العبرية ، توفر الانطباع بأن ثمة في إسرائيل من يريد إلصاق الهجوم الصاروخي المزدوج ضد العقبة وإيلات بحركة حماس وحلفائها ، وصولا إلى حزب الله البعيد في لبنان...بل إن البعض استعار مصطلح "سيناريو العناصر غير المنضبطة" الذي يستخدم الآن في السجال السياسي اللبناني لتسهيل مهمة إلصاق جريمة اغتيال الحريري بحزب الله ، بهدف تمرير الاتهام الموجّه لحركة حماس بالمسؤولية عن الصواريخ إيّاها ، وإذ يشير يوئيل ماركوس من هآرتس إلى أن حماس نجحت في ضبط نفسها وضبط غيرها منذ "الرصاص المصهور" على غزة ، فإنه لا يستبعد هذا السيناريو أو إحساس حماس بالحاجة "لإرخاء اللجام" لبعض المجموعات "غير المنضبطة" للتحرك ردا على "المفاوضات المباشرة".
أليكس فيشمان من "يديعوت أحرونوت" يذهب أبعد من ذلك فيقول: إن "حماس أطلقت النار على إيلات" وإن بصماتها واضحة في هذه العملية ، من دون أن يسقط احتمال تورط حزب الله وذراعه العسكرية في استهداف إسرائيل ، منتقدا استسهال توجيه التهمة لـ"الجهاد العالمي" للاستمرار في "دس الرؤوس في الرمال" ، وهذه فرضية يخالفها يعقوب عميدرور من "إسرائيل اليوم" الذي يتحدث بالتفصيل عن "مسؤولية القاعدة" ويعرض لسيناريوهات وتطورات ستجعل هذا الخطر أكثر تفاقما في المستقبل ، من نوع انسحاب مبكر للقوات الأمريكية من العراق وأفغانستان.
لا معنى سياسياً لتوجيه أصابع الاتهام للقاعدة ، فهذا التنظيم يريد الاقتراب من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي (أنظر رسالة الظواهري الأخيرة) ، وهو يريد ذلك منذ بضع سنوات وليس من اليوم ، وهو يريد استهداف إسرائيل ولا يتردد أو يخجل من البوح باستهداف الأردن ومصر ومعظم إن لم نقل جميع النظم الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي.
لكن ثمة معاني سياسية جمّة تكمن وراء اتهام حماس وحلفائها ، أو المحور الإيراني برمته ، وهذا ما فعلته إسرائيل تماماً على أية حال ، فهي "سرّبت" في البدء ، أن الصواريخ من مصدر إيراني ، ثم عادت للحديث عن "مسؤولية حماس وحزب الله" ، وصولا إلى حراك رئيس وزرائها بينيامين نتنياهو الذي سعى في إدراج العملية في سياق استهداف السلام والدول المؤيدة له (طبعاً في مقدمتها إسرائيل) ، وفي تلميح لا يخفى على أحد ، بأن إسرائيل ودول الاعتدال العربية مستهدفه بعمل هذه القوى ، وأنها استتباعاً حليفة في مواجهتها.
أخطر ما يمكن أن يترتب على حراك نتنياهو هو إعادة الاعتبار لوهم "العدو المشترك" و"التحالف في مواجهة الإرهاب" ، لا عدو مشترك بيننا وبين إسرائيل ، وحربنا على الإرهاب نخوضها منفردين ، خدمة لأهدافنا ومصالحنا الوطنية ، وبالتنسيق مع القوى الصديقة في هذا العالم المترامي ، وما يضعفنا في هذه الحرب هو نتنياهو وأمثاله ومن على شاكلته العنصرية والتوسعية ، هؤلاء هم المتسببون بانطلاق موجات الغلو والتطرف والإرهاب ، الواحدة تلو الأخرى ، ومنذ أن تحقق "الوعد الإلهي" على جماجم أطفال فلسطين وعظام شيوخها ونسائها ، ومنذ أن بُني "الوطن القومي" على أنقاض حضارة فلسطين وأشلاء شعبها.
أما من هي القوى التي يشير إليها نتنياهو وبعض إعلامه وصحفه بأصابع الاتهام ، فهي كل من ينتمي إلى "محور الشر" من إيران وحلفائها (حماس وحزب الله) إلى "الجهاد العالمي" ممثلا بالقاعدة وحلفائها ، هؤلاء هم أعداء إسرائيل والحضارة الغربية والاعتدال ، هكذا صرّح نتنياهو مبكراً وفي ذروة حملاته الانتخابية ، وهذا هو برنامجه بعد أن صار رئيسا لوزراء دولة الاحتلال والعنصرية ، وهذا ما يحاول أن يدفع الأمور صوبه ، وهذا ما يتعين علينا صده وكبحه وإحباط مراميه ، حتى ونحن في ذروة الاشتباك مع "الإرهاب العالمي".
مؤسف أن بعض التعلقيات الفلسطينية والعربية (تصريحات ، مقالات ، تعقيبات على المقالات) ، أعادت إنتاج الرواية الإسرائيلية جملة وتفصيلا ، عن قصد وغرض حيناً أو من دونهما أحيانا ، فهناك تلميحات إلى أن العملية تأتي رداً على "استئناف مسار المفاوضات" أي أنها من فعل من يرفضون المفاوضات فلسطينياً وعربياً وإقليميا ، في إشارة إلى حماس تحديداً ، وهناك من استخدم التعابير التي طالما استخدمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وصف صواريخ حماس: (صواريخ عبثية) ، لوصف الصواريخ التي سقطت على العقبة وإيلات ، في محاولة واعية للربط بين هذه وتلك ، علماً بأن وصف صواريخ الأمس بالعبثية فيه انتقاص من طابعها الإجرامي ـ الإرهابي ، يقدم عليه البعض طائعاً ، ومدفوعاً فقط بالرغبة في تصفية الحساب مع حماس بما تمثل ومن تمثل ، والحرص على "شيطنة" الحركة في العشية والإبكار.
صواريخ الأمس ، التي انطلقت من سيناء من دون ريب ، تحمل بصمات القاعدة و"أخواتها" و"تفريعاتها" ، ولأنها كذلك فهي غير مرتبطة بحدث تكتيكي من نوع اجتماع وزراء لجنة المتابعة أو بالتوجه الفلسطيني - العربي للانتقال من محادثات التقريب إلى المفاوضات المباشرة ، هذه أمور لا تنشغل بها القاعدة و"الجهاد العالمي" ، هؤلاء لهم أجندتهم المتصلة بحربهم المفتوحة على "الكفار" وهم ليسوا خجلين بهذه الأجندة ولا يجدون حاجة لتسويغها أو تسويقها
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية