النائب إبراهيم دحبور
نشرت تعليقاً قبل يومين على صفحتي الخاصة في شبكة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" حول الأحداث التي تجري في البلدان العربية قلت فيه:"إن نهوض الأمتين العربية والإسلامية من كبوتهما، وعودتهما لممارسة دورهما، ولحاقهما بركب الأمم المتقدمة، لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن نهضة حضارية شاملة، تستند إلى قيم العدالة والحرية والمساواة والتعددية والشراكة وتكافؤ الفرص واحترام حرية الرأي والتعبير، ومحاربة الفساد وترسيخ قيم الديمقراطية واعتماد التداول السلمي للسلطة واحترام الحقوق الإنسانية وتحقيق الرفاه الاجتماعي وحسن توزيع الثروة، وهذه القيم جميعا هي قيم الإسلام العظيم، ومقومات فكره الأصيل المستنير. وعندما تُحرم الشعوب من هذه الحقوق تصبح الثورة على الاستبداد واجبة، والتضحية من أجل الحرية ضرورة، والسعي للكرامة حق وأمانة، والعمل الدائم لكل ذلك هو ما سيحقق لأمتنا كل ما تصبو إليه من تقدم ورقي وسيادة وسعادة، وستنال حتماً حسنتي الدنيا والآخرة، وستجلب لنفسها الخير والرفعة والسؤدد والاحترام".
وقد جاءتني تعليقات كثيرة على الموضوع، ووجدت أن تعليقات بعض الأصدقاء قد فسرت ما يجري في العالم العربي على أنه مؤامرة غربية تستهدف تغيير واستبدال الوجوه والأنظمة القائمة، بوجوه وأنظمة جديدة، ولكن بطبعة مختلفة ولكنها مماثلة لسابقتها، وقال بعضهم في تعليقه "ما أشبه اليوم بالبارحة" في إشارة منه إلى أن ما حصل مرة يمكن أن يتكرر مرات.
وقد وجدت أن الموضوع بحاجة إلى مزيد من النقاش والتوضيح، فمقاربة ما يجري اليوم من تبدل وتغير في بعض الأنظمة العربية، مع ما جرى سابقاً، عندما اكتملت خيوط المؤامرة الغربية ونجحت بتغيير أنظمة عربية، سواء من خلال انقلابات داخلية أو من خلال تدخلات خارجية وصلت إلى حد احتلال الأرض وفرض أنظمة تابعة، هي مقاربة مقبولة على الرغم من ضعفها وهشاشتها، كما أن هذا الظن قد يكون مبرراً ومقبولاً عندما لا نستطيع فهم ما يجري ونحار في استشراف مستقبله وتحديد معالم حاضره. غير أن الفهم الصحيح لما يجري، والتحليل المنطقي له، والتفكير العقلاني به، يقتضي القول أن هذه المقاربة وهذا الظن يخالفان المنطق ويجانبان الصواب للأسباب التالية:
أولاً: أن إرادة الملايين من أبناء الشعوب العربية المقهورة والمظلومة، هي الأداة الفعالة والمباشرة التي عملت على تغيير الأنظمة العربية، ومن الاستحالة بمكان أن تنقاد كل تلك الملايين لرغبة دولة معينة أو مجموعة من الدول، سواء كانت دولاً قوية وتملك جيوشاً جرارة، أو دولاً ثرية ومتقدمة علمياً وتقنياً، فالسيطرة على كل تلك الملايين وتوجيهها وتحديد خطواتها أمر مستحيل بحكم المنطق والعقل، والتاريخ خير شاهد على ذلك. أما لو كانت أداة التغيير هي النخب السياسية المتنفذة، أو القلة الثرية المتحكمة بالاقتصاد والمستفيدة من استمرار الأنظمة، أو الجيوش التابعة العاجزة، أو غيرها من الفئات التي يكون لها قيادة ورأس يمكن التحكم به والتواصل معه، فإن افتراض نظرية المؤامرة يكون قائماً وممكناً، أما والحالة كما ذكرنا في البداية، من أن أداة التغيير هي الجماهير فإن افتراض المؤامرة يصبح مستبعداً بل ومستحيلاً.
ثانياً: أن التغيير قد طال أكثر من دولة عربية وأكثر من نظام عربي، ولم يكن المحدد في اندلاع تلك الثورات هو طبيعة النظام الحاكم وكونه معتدلاً ومسالماً، أو ممانعاً ومقاوماً، بل وجدنا أن رياح التغيير قد ضربت الدول التي تحقق أهداف الغرب وتنفذ مخططاته وتمثل الحارس الأمين على مصالحه، وفي ذات الوقت فإن تلك الرياح قد طالت الدول والأنظمة التي تناصب الغرب العداء، وتقف في وجهه وتعادي وكلاءه وممثليه.
ثالثاً: أن التغيير وما نتج عنه من عملية ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة ومشاركة سياسية واسعة من قبل كافة القوى والحركات والأحزاب - سواء كانت يسارية أو إسلامية أو ليبرالية " وكلها كما نظن قوى وطنية مخلصة"- قد أفرز القوى والأحزاب التي ناصبها الغرب العداء طوال قرون مضت، ووضع في طريقها العراقيل، وحال دون مشاركتها في صناعة حاضر البلاد والتخطيط لمستقبلها "وأقصد القوى والحركات الإسلامية" وخاصة الأحزاب المحسوبة على حركة الإخوان المسلمين". فالمنطق والحالة هذه يقول أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون الدول الغربية قد اكتشفت فجأة أن الإسلاميين هم من يخدم غاياتها وينفذ مخططاتها ويحقق رغباتها، وأنهم الأمناء الجدد على مصالحها، وسيكونون مخلصين لتلك الدول أكثر من الأنظمة السابقة التي خدمت الغرب وحققت أهدافه ونسقت معه وتماهت سياساتها مع سياساته على مدى عقود مضت.
رابعاً: أن الأنظمة العربية التي جاورت فلسطين جغرافياً وشكلت الغلاف السياسي المحيط بها، قد حافظت على علاقات جيدة جداً مع الكيان الإسرائيلي منذ قيامه وحتى اليوم، وحرصت على توقيع المعاهدات السلمية والتجارية معه، وحافظت على حدودها المشتركة معه وأغرقت وقتلت كل من حاول اختراقها أو تدميرها، ووصلت درجة إخلاص بعض أنظمتها أن حاربت أعداء "إسرائيل" وفرضت عليهم الحصار وبنت بينها وبينهم الجدران، ولو ملكت لمنعت عنهم الماء والدواء والكهرباء. فما الداعي والأمر كذلك أن يعمل الغرب على استبدالها بأنظمة جديدة ، قد لا يأمن استمرارها على نفس سياسة سالفتها تجاه كل مصالحه وحلفائه، فمصالح الغرب كانت مصانة من قبل الأنظمة التي شملها التغيير، كما أن أراضي تلك الأنظمة كانت مستباحة لجيوش الغرب ومواطنيه ورعاياه، فلماذا الاستغناء عن هذه الأنظمة اليوم واستبدالها بغيرها واتباع سياسة تغيير وجوهها ورجالاتها، ما دامت الأنظمة والوجوه السابقة محافظة على مصالح الغرب وغير متعارضة معه، ومنفذة لجميع أوامره، ومنتهية طوعاً أو كرهاً عن كل نواهيه؟
خامساً: لم نعتد من الغرب أن يمارس سياسة التجريب والاختبار، وهي السياسة التي تحتمل النجاح والفشل وبنفس النسبة. أي لماذا يستبدل الغرب سياسته الناجحة مع أنظمة منقادة وخانعة، بسياسة جديدة مفترضة النجاح، مع أنظمة جديدة قد يصعب عليه قيادتها وأمرها ونهيها بسهولة ويسر. فالمراقب والمتابع للسياسات الغربية تجاه منطقتنا، يجد أنها سياسات ناجحة ورابحة مع أنظمة خانعة وذليلة، فما الداعي لأن يتحول الغرب فجأة إلى تبني سياسات قد لا تحمل في طياتها نجاحات وأرباح مماثلة.
سادساً: إن اضطراب وتوتر علاقات الغرب مع بعض الدول والأنظمة في المنطقة واحتمال شنه لحرب عليها، يستلزم منه المحافظة على الأنظمة التي ساندته في حروبه السابقة مع أنظمة مماثلة، وفتحت لجيوشه أراضيها، بل واشتركت قواتها في حروبه"الغرب" التي خاضها وتحت قيادة رؤساء أركانها، وهذا يقتضي منه أن لا يستبدلها بأنظمة جديدة، قد لا تقف معه لأي سبب من الأسباب، أي أنه لا يمكن أن يضحي بحليف قدم الأدلة الدامغة على إخلاصه، بحليف آخر جديد يفترض منه أن يكون أكثر إخلاصاً من سالفه، ولا نعتقد أن الغرب يملك كل الأوراق التي تجعله متأكداً من أن نتيجة التغيير ستكون حتماً في صالحه وليس ضده.
سابعاً: إن النجاح يغري بمزيد من النجاح، والقدوة العملية أفضل من القدوة النظرية، وانطلاقاً من ذلك فإن الغرب ليس من السذاجة بمكان حتى يعمل على صناعة ثورات ونماذج شعبية ووطنية ناجحة في العالم العربي، حتى لو كان مسيطراً عليها وموجهاً لها الوجهة التي يريد، لأن نجاح الثورات "حتى وإن كان مسيطراً عليها" قد يغري بقية الشعوب العربية لتقوم بعمل مماثل وغير خاضع لسيطرة أحد، وفي هذه الحالة فإن المؤامرة التي تفترض بعض الآراء أنها وراء نجاح الثورات العربية، تكون قد نجحت في مناطق ودول عربية محدودة، ولكنها حتماً ستفشل وتخسر في بقية الدول التي قد تسير على نفس النهج، ولكن دون سيطرة وتوجيه.
لكل تلك الأسباب وغيرها الكثير، أجد أن التغيير الحاصل في العالم العربي اليوم هو تغيير طبيعي، وأنه قد آن أوانه وحل وقته، بل نظنه قد جاء متأخراً بعض الشيء، ووفق ما ذكرناه سابقاً فإننا نرى أن هذا التغيير قد أتى بإرادة شعبية وطنية حرة ومخلصة، إرادة تعرف ما الذي تريده، ونرى أن التغيير قد يمتد ويتصاعد ليطال أنظمة جديدة تظن نفسها بمنأى عن التأثر بما يجري، وأن المسألة مسألة وقت ليس أكثر ولا أقل.
وعلى الرغم من ذلك كله، علينا أن نتنبه أن الغرب سيبذل الكثير من المحاولات لاحتواء ما جرى، وسيحاول تجييرها لخدمة مصالحه، أو على الأقل أن يحد من معاداتها له، وهذا يقتضي من الشعوب التي ثارت على جلاديها أن تحذر محاولات الاحتواء، وعليها أن تحافظ على منجزات ثوراتها، وأن تعتبرها من المقدسات التي لا تحتمل التفريط، وهو ما نرجوه ونتمنى أن يكون، داعين الله أن يحفظ أمتنا من المؤامرات التي تحاك ضدها، ويحميها من فرقة أبنائها، ويعينها على حسن تدبير أمورها، وأن يمكنها من مواجهة مكر أعدائها، وأن يكلأها بعين رعايته "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"
وقد جاءتني تعليقات كثيرة على الموضوع، ووجدت أن تعليقات بعض الأصدقاء قد فسرت ما يجري في العالم العربي على أنه مؤامرة غربية تستهدف تغيير واستبدال الوجوه والأنظمة القائمة، بوجوه وأنظمة جديدة، ولكن بطبعة مختلفة ولكنها مماثلة لسابقتها، وقال بعضهم في تعليقه "ما أشبه اليوم بالبارحة" في إشارة منه إلى أن ما حصل مرة يمكن أن يتكرر مرات.
وقد وجدت أن الموضوع بحاجة إلى مزيد من النقاش والتوضيح، فمقاربة ما يجري اليوم من تبدل وتغير في بعض الأنظمة العربية، مع ما جرى سابقاً، عندما اكتملت خيوط المؤامرة الغربية ونجحت بتغيير أنظمة عربية، سواء من خلال انقلابات داخلية أو من خلال تدخلات خارجية وصلت إلى حد احتلال الأرض وفرض أنظمة تابعة، هي مقاربة مقبولة على الرغم من ضعفها وهشاشتها، كما أن هذا الظن قد يكون مبرراً ومقبولاً عندما لا نستطيع فهم ما يجري ونحار في استشراف مستقبله وتحديد معالم حاضره. غير أن الفهم الصحيح لما يجري، والتحليل المنطقي له، والتفكير العقلاني به، يقتضي القول أن هذه المقاربة وهذا الظن يخالفان المنطق ويجانبان الصواب للأسباب التالية:
أولاً: أن إرادة الملايين من أبناء الشعوب العربية المقهورة والمظلومة، هي الأداة الفعالة والمباشرة التي عملت على تغيير الأنظمة العربية، ومن الاستحالة بمكان أن تنقاد كل تلك الملايين لرغبة دولة معينة أو مجموعة من الدول، سواء كانت دولاً قوية وتملك جيوشاً جرارة، أو دولاً ثرية ومتقدمة علمياً وتقنياً، فالسيطرة على كل تلك الملايين وتوجيهها وتحديد خطواتها أمر مستحيل بحكم المنطق والعقل، والتاريخ خير شاهد على ذلك. أما لو كانت أداة التغيير هي النخب السياسية المتنفذة، أو القلة الثرية المتحكمة بالاقتصاد والمستفيدة من استمرار الأنظمة، أو الجيوش التابعة العاجزة، أو غيرها من الفئات التي يكون لها قيادة ورأس يمكن التحكم به والتواصل معه، فإن افتراض نظرية المؤامرة يكون قائماً وممكناً، أما والحالة كما ذكرنا في البداية، من أن أداة التغيير هي الجماهير فإن افتراض المؤامرة يصبح مستبعداً بل ومستحيلاً.
ثانياً: أن التغيير قد طال أكثر من دولة عربية وأكثر من نظام عربي، ولم يكن المحدد في اندلاع تلك الثورات هو طبيعة النظام الحاكم وكونه معتدلاً ومسالماً، أو ممانعاً ومقاوماً، بل وجدنا أن رياح التغيير قد ضربت الدول التي تحقق أهداف الغرب وتنفذ مخططاته وتمثل الحارس الأمين على مصالحه، وفي ذات الوقت فإن تلك الرياح قد طالت الدول والأنظمة التي تناصب الغرب العداء، وتقف في وجهه وتعادي وكلاءه وممثليه.
ثالثاً: أن التغيير وما نتج عنه من عملية ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة ومشاركة سياسية واسعة من قبل كافة القوى والحركات والأحزاب - سواء كانت يسارية أو إسلامية أو ليبرالية " وكلها كما نظن قوى وطنية مخلصة"- قد أفرز القوى والأحزاب التي ناصبها الغرب العداء طوال قرون مضت، ووضع في طريقها العراقيل، وحال دون مشاركتها في صناعة حاضر البلاد والتخطيط لمستقبلها "وأقصد القوى والحركات الإسلامية" وخاصة الأحزاب المحسوبة على حركة الإخوان المسلمين". فالمنطق والحالة هذه يقول أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون الدول الغربية قد اكتشفت فجأة أن الإسلاميين هم من يخدم غاياتها وينفذ مخططاتها ويحقق رغباتها، وأنهم الأمناء الجدد على مصالحها، وسيكونون مخلصين لتلك الدول أكثر من الأنظمة السابقة التي خدمت الغرب وحققت أهدافه ونسقت معه وتماهت سياساتها مع سياساته على مدى عقود مضت.
رابعاً: أن الأنظمة العربية التي جاورت فلسطين جغرافياً وشكلت الغلاف السياسي المحيط بها، قد حافظت على علاقات جيدة جداً مع الكيان الإسرائيلي منذ قيامه وحتى اليوم، وحرصت على توقيع المعاهدات السلمية والتجارية معه، وحافظت على حدودها المشتركة معه وأغرقت وقتلت كل من حاول اختراقها أو تدميرها، ووصلت درجة إخلاص بعض أنظمتها أن حاربت أعداء "إسرائيل" وفرضت عليهم الحصار وبنت بينها وبينهم الجدران، ولو ملكت لمنعت عنهم الماء والدواء والكهرباء. فما الداعي والأمر كذلك أن يعمل الغرب على استبدالها بأنظمة جديدة ، قد لا يأمن استمرارها على نفس سياسة سالفتها تجاه كل مصالحه وحلفائه، فمصالح الغرب كانت مصانة من قبل الأنظمة التي شملها التغيير، كما أن أراضي تلك الأنظمة كانت مستباحة لجيوش الغرب ومواطنيه ورعاياه، فلماذا الاستغناء عن هذه الأنظمة اليوم واستبدالها بغيرها واتباع سياسة تغيير وجوهها ورجالاتها، ما دامت الأنظمة والوجوه السابقة محافظة على مصالح الغرب وغير متعارضة معه، ومنفذة لجميع أوامره، ومنتهية طوعاً أو كرهاً عن كل نواهيه؟
خامساً: لم نعتد من الغرب أن يمارس سياسة التجريب والاختبار، وهي السياسة التي تحتمل النجاح والفشل وبنفس النسبة. أي لماذا يستبدل الغرب سياسته الناجحة مع أنظمة منقادة وخانعة، بسياسة جديدة مفترضة النجاح، مع أنظمة جديدة قد يصعب عليه قيادتها وأمرها ونهيها بسهولة ويسر. فالمراقب والمتابع للسياسات الغربية تجاه منطقتنا، يجد أنها سياسات ناجحة ورابحة مع أنظمة خانعة وذليلة، فما الداعي لأن يتحول الغرب فجأة إلى تبني سياسات قد لا تحمل في طياتها نجاحات وأرباح مماثلة.
سادساً: إن اضطراب وتوتر علاقات الغرب مع بعض الدول والأنظمة في المنطقة واحتمال شنه لحرب عليها، يستلزم منه المحافظة على الأنظمة التي ساندته في حروبه السابقة مع أنظمة مماثلة، وفتحت لجيوشه أراضيها، بل واشتركت قواتها في حروبه"الغرب" التي خاضها وتحت قيادة رؤساء أركانها، وهذا يقتضي منه أن لا يستبدلها بأنظمة جديدة، قد لا تقف معه لأي سبب من الأسباب، أي أنه لا يمكن أن يضحي بحليف قدم الأدلة الدامغة على إخلاصه، بحليف آخر جديد يفترض منه أن يكون أكثر إخلاصاً من سالفه، ولا نعتقد أن الغرب يملك كل الأوراق التي تجعله متأكداً من أن نتيجة التغيير ستكون حتماً في صالحه وليس ضده.
سابعاً: إن النجاح يغري بمزيد من النجاح، والقدوة العملية أفضل من القدوة النظرية، وانطلاقاً من ذلك فإن الغرب ليس من السذاجة بمكان حتى يعمل على صناعة ثورات ونماذج شعبية ووطنية ناجحة في العالم العربي، حتى لو كان مسيطراً عليها وموجهاً لها الوجهة التي يريد، لأن نجاح الثورات "حتى وإن كان مسيطراً عليها" قد يغري بقية الشعوب العربية لتقوم بعمل مماثل وغير خاضع لسيطرة أحد، وفي هذه الحالة فإن المؤامرة التي تفترض بعض الآراء أنها وراء نجاح الثورات العربية، تكون قد نجحت في مناطق ودول عربية محدودة، ولكنها حتماً ستفشل وتخسر في بقية الدول التي قد تسير على نفس النهج، ولكن دون سيطرة وتوجيه.
لكل تلك الأسباب وغيرها الكثير، أجد أن التغيير الحاصل في العالم العربي اليوم هو تغيير طبيعي، وأنه قد آن أوانه وحل وقته، بل نظنه قد جاء متأخراً بعض الشيء، ووفق ما ذكرناه سابقاً فإننا نرى أن هذا التغيير قد أتى بإرادة شعبية وطنية حرة ومخلصة، إرادة تعرف ما الذي تريده، ونرى أن التغيير قد يمتد ويتصاعد ليطال أنظمة جديدة تظن نفسها بمنأى عن التأثر بما يجري، وأن المسألة مسألة وقت ليس أكثر ولا أقل.
وعلى الرغم من ذلك كله، علينا أن نتنبه أن الغرب سيبذل الكثير من المحاولات لاحتواء ما جرى، وسيحاول تجييرها لخدمة مصالحه، أو على الأقل أن يحد من معاداتها له، وهذا يقتضي من الشعوب التي ثارت على جلاديها أن تحذر محاولات الاحتواء، وعليها أن تحافظ على منجزات ثوراتها، وأن تعتبرها من المقدسات التي لا تحتمل التفريط، وهو ما نرجوه ونتمنى أن يكون، داعين الله أن يحفظ أمتنا من المؤامرات التي تحاك ضدها، ويحميها من فرقة أبنائها، ويعينها على حسن تدبير أمورها، وأن يمكنها من مواجهة مكر أعدائها، وأن يكلأها بعين رعايته "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية