الحرب على غزة.. أين أخطأت المقاومة؟ ... بقلم : صالح النعامي

الحرب على غزة.. أين أخطأت المقاومة؟ ... بقلم : صالح النعامي

الأحد 16 نوفمبر 2014

الحرب على غزة.. أين أخطأت المقاومة؟



صالح النعامي


لا يجدر بالمقاومة الفلسطينية الاكتفاء بالاحتفاء بصمودها الكبير، خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، ونجاحها في إفشال المخططات الصهيونية، بل يتوجب عليها استخلاص عبر مهمة، ذات قيمة إستراتيجية من مسار الحرب ونتائجها، والتعرف على أخطاء وقعت فيها، زادت من كلفة هذا الصمود، ورفعت قيمة فاتورته. أهم تلك الأخطاء حقيقة أن المقاومة استدرجت إلى الحرب في أسوأ بيئة إقليمية وداخلية في تاريخ القضية الفلسطينية على الإطلاق.

وقد يقول قائل إن الحرب فرضت على المقاومة، على اعتبار أنها ردت على عمليات اغتيال إسرائيلية استهدفت عناصرها، وهذا تبرير تسطيحي لا يعكس وعياً يأخذ بالاعتبار متطلبات بيئة المواجهة الأنسب لرد العدوان في أقل قدر من الخسائر. فالحديث لا يدور عن شجار قبلي، بحيث يستدعي تنفيذ عمليات اغتيال من إسرائيل ردوداً من المقاومة تفضي إلى حرب شاملة، في بيئةٍ ذات ظروف مستحيلة. وفقط استعدادات المقاومة، وأداؤها البطولي وإبداعها القتالي على المستوى التكتيكي هو الذي لم يحل دون تمكين تل أبيب من تحقيق أهدافها، بل أفشل، أيضاً، رهان البيئة الإقليمية المتربصة بالمقاومة على نجاح آلة الحرب الصهيونية في شطبها من المعادلة.

ولا شك أن البيئة الإقليمية التي كشفت ظهر المقاومة في أثناء الحرب أسهمت في إطالة أمد المواجهة، وقلصت من قدرة الفلسطينيين على تحقيق مطالبهم، في وقت كان يتباهى فيه رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بأن البيئة الإقليمية جعلت ظروف الحرب مثالية، ولا حاجة لاقتباس ما قاله بالضبط. وأبرز ما يوضح تأثير البيئة الإقليمية على مسار أي مواجهة بين المقاومة وإسرائيل هو المقارنة بين مساري حربي 2012 و2014. فعلى الرغم من أن إسرائيل في 2012 كانت تقريباً تحت القيادة الحالية نفسها، إلا أن البيئة الإقليمية فرضت عليها تعاطياً مختلفاً، وهو ما وجد في تعبيره، ليس فقط في تقصير أمد الحرب التي استمرت ثمانية أيام فقط، بل، أيضاً، في منح المقاومة إنجازات شعر بها المواطن الفلسطيني. وما ينطبق على البيئة الإقليمية ينطبق على البيئة الدولية، حيث منحت الولايات المتحدة وأوروبا ودول كثيرة هامش مناورة لمواصلة عدوانها من خلال اعتبار جرائم الحرب التي ارتكبت ضد غزة جزءاً من "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، في مواجهة إطلاق الصواريخ.

في الوقت نفسه، طرح مسار الحرب الأخيرة السؤال المهم التالي: هل يصلح قطاع غزة ساحة مواجهة رئيسة ووحيدة مع الاحتلال؟ أثبتت الحروب الثلاث في 2008 و2012 و2014 أن الطابع الديموغرافي والجغرافي لقطاع غزة يزيد من كلفة المواجهة على المقاومة، وحاضنتها الجماهيرية، حيث تبين أن إسرائيل استغلت الكثافة السكانية في إحداث قدر هائل من الضرر البشري والمادي في العمق المدني الفلسطيني، من أجل الضغط على المقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار.

صحيح أن البيئة السياسية التي سادت في قطاع غزة في أعقاب يوليو/تموز 2007 وفرت بيئة مثالية لتعزيز قدرات المقاومة في القطاع، بعكس ما هو عليه الحال في الضفة الغربية. ومع ذلك، كان يتوجب على المقاومة أن تحرص على توفير الظروف التي تسمح بإشعال جبهةٍ، أو جبهات أخرى، لتخفيف الضغط على غزة. وقد أخطأت المقاومة الفلسطينية عندما أسهمت بنفسها في تقليص هامش المناورة السياسية المتاح أمامها عبر طرح جملة مطالب كان من الصعب إجبار إسرائيل على الموافقة عليها، في ظل معطيات البيئة الإقليمية والداخلية الإشكالية، ما أفضى إلى إطالة أمد الحرب وتعاظم الخسائر. فعلى سبيل المثال، لم تكن إسرائيل وحدها ترفض طلب المقاومة تدشين مطار وميناء، بل إن السلطة الفلسطينية التي تتولى التفاوض باسم الفلسطينيين على شروط وقف إطلاق النار الدائم تبنت الموقف الصهيوني نفسه. وما كان لعاقل أن يتصور أن إسرائيل ستوافق على ما ترفضه السلطة الفلسطينية. من هنا، كان من الخطأ الجسيم التمترس خلف المطالبة بميناء ومطار، وكان ممكناً طرح مطلب فضفاض يتمثل في التخلص من مظاهر الحصار.

من ناحية ثانية، إن إرغام إسرائيل على الاستجابة لهذه المطالب كان ضرباً من المستحيل، لأن نجاح طرف ما في إملاء شروطه كلها على طرف آخر يخوض ضده حرباً يتسنى فقط عندما يتمكن من إلحاق هزيمة كلاسيكية واضحة به. ومن نافل القول إن هذا لم يكن ممكناً في ظل موازين القوى التي كانت تميل، بشكل جارف، لصالح الكيان الصهيوني، حيث يعد الصمود وإفشال مخططات الاحتلال والبيئة الإقليمية المتربصة إنجازاً كبيراً بحد ذاته. ومن الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها المقاومة سوء تقديرها توجهات حكومة نتنياهو، وتجاهلها تأثير التركيبة الأيديلوجية للقيادة الإسرائيلية على سلوكها في الحرب، ودرجة استجابتها لمطالب المقاومة. فالحكومة الإسرائيلية الحالية هي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني، بحيث يمثل الإرث الأيدويلوجي محدداً رئيساً لتوجهاتها، ولا سيما في ظل التفاف جماهيري صهيوني خلف الحكومة، بشكل غير مسبوق خلال الحرب، حيث نجح نتنياهو في تقديم الحرب على أساس أنها "فُرضت" على إسرائيل.

لا تقلل هذه الملاحظات قيد أنملة من إنجازات المقاومة، في الحرب غير المتناسبة التي زلزلت ثقة القيادة والنخب والشارع الصهيوني بعوائد الرهان على خيار القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني. وإن كانت إسرائيل نفسها تقر أن قوة النيران التي استخدمت خلال الحرب لم تستخدم إلا في حرب 1973، فإن هذا يضاعف من مظاهر فشل الصهاينة في توظيف الحرب في ردع المقاومة التي ظلت تطلق صواريخها حتى آخر لحظة، قبل موعد وقف إطلاق النار الرسمي. ومن نافل القول إنه لولا صمود المقاومة العظيم لما تكرس انعدام الثقة بين القيادة الصهيونية وعموم المستوطنين، والذي عده أبو الفكر الاستراتيجي الصهيوني، يحزكيل درور، أوضح مظاهر الفشل الإسرائيلي في الحرب. مع ذلك، هناك حاجة ماسة للنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، للتعرف على نقاط الضعف واستخلاص العبر المطلوبة لصالح المقاومة التي تؤكد الأحداث أنها الخيار الوحيد الذي يضمن التخلص من الاحتلال.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية