الحل بحل السلطة
عزالدين أحمد إبراهيم
لو افترضنا أن فتح والسلطة نفذتا استحقاقات اتفاق المصالحة التي وقعت مع حركة حماس، وقامت الأجهزة الأمنية التابعة لعباس بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بالضفة، وأنهت التنسيق الأمني الموجّه بشكل مباشر لصدور المقاومين، واتجهت الأمور لإتمام الانتخابات التشريعية والرئاسية، حينها نسأل هل سيرضى الكيان الصهيوني بهذا الواقع؟، وهل سيرضى عشرات المتنفذين في سلطة عباس والمرتبطين بشكل مباشر بسلطة الاحتلال بأن تعود المياه إلى مجاريها مقابل زوال إمبراطورياتهم الأمنية والاقتصادية التي أسست منذ قدوم السلطة الفلسطينية؟!
الجواب على هذه التساؤلات يمكن قراءته من خلال تمعن بسيط في أداء حركة فتح وأمن السلطة خلال الفترة الماضية التي أعقبت توقيع إعلان الدوحة في قطر بين خالد مشعل ومحمود عباس، حيث الصورة لم تتغير ميدانيًّا على الأرض، وواضح بشكل كبير أن المستوى الأمني صاحب القرار في الضفة -فلسطينيًّا فقط- لن يسمح بمرور هذا الاتفاق بل ومستعد للقتال حتى آخر رجل في سبيل إبقاء الوضع على ما هو عليه، وربما نرى انقلابًا أمنيًّا يقوده متنفّذون في المستوى الأمني بالسلطة ضد المستوى السياسي أو على الأقل من يؤيدون المصالحة ويسعون لإتمامها.
لا ننفي وجود نوايا صادقة لدى حماس وجزء غير يسير من قيادات فتح النظيفة في إنهاء صفحة الانقسام، وهو ما يترجم في تصريحات إيجابية لكثير من القيادات الحريصة على الوحدة عند الاصطدام بعقبة هنا أو تعثر هناك، لكن النوايا وحدها لا تكفي، والساحة الفلسطينية بحاجة لخطوات عملية وخطة واضحة المعالم للتعامل مع ما هو قادم.
ما هو قادم في ظل المتغيرات المتسارعة فلسطينيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، يدعو النخبة السياسية الفلسطينية لاتخاذ قرارات جريئة تعيد القضية إلى عمقها العربي والإسلامي ووضعها على رأس الأولويات، لا سيما في ظل الثورات العربية وانشغال الأنظمة العربية بشؤونها الداخلية.
فيما يتعلق بحركة فتح والسلطة، أصبح من المؤكد فشل جميع رهاناتها على عملية التسوية، وموقف الرباعية والولايات المتحدة كامل الانحياز للجانب الصهيوني، والجانب الصهيوني ذاته غير ملتفت للمسألة من أساسها في الوقت الراهن، في ظل ما يجري في سوريا وازدياد وتيرة التهديدات المتبادلة مع إيران، لذلك لم يعد أمام محمود عباس وطاقمه سوى الاعتراف "عمليًّا" بفشل هذا الخيار والبحث عن بديل وطني بعيد عن التفرد.
أما حماس، فتبدو فرص اتخاذها لقرار جريء أكثر إمكانية، لعاملين رئيسيين؛ الأول هو سلسلة الإنجازات التي حققتها الحركة خلال سنوات حكمها لغزة رغم الحصار، وعلى رأس هذه الإنجازات صفقة التبادل التاريخية للأسرى، والعامل الثاني هو الصعود الكبير للإسلاميين المؤيدين لحماس في عدة دول وعلى رأسها الجارة مصر.
انطلاقًا من هذا، يظهر خيار حل السلطة وتشكيل قيادة فلسطينية جديدة لإدارة المرحلة القادمة هو الأكثر ملائمة في ظل الوضع السياسي الراهن، بل هو الخيار الأنسب في ظل التشكّل الجديد للأنظمة العربية أو على الأقل جزء منها، وربما فرصة لم تتكرر في تاريخ القضية الفلسطينية.
حل السلطة والتخلص من أعبائها الثقيلة على الكل الفلسطيني، لن يكون قرارًا يائسًا يعبّر عن حالة فشل، بل يمكن الإجماع عليه فلسطينيًّا وإعادة تدويره ليكون ضربة قاصمة للكيان ومن يدعمه دوليًّا وخطوة لخلط الأوراق في المنطقة.
وعلى المتخوفين من تبعات قرار حل السلطة أن يدركوا أن الواقع الفلسطيني ليس أفضل حالا مما هو متوقع بعد قرار بهذا الحجم، فماذا بعد حصار غزة والعدوان المتواصل عليها؟! وماذا بعد تفتيت الضفة وتقطيع أوصالها؟! وماذا بعد التهويد المسعور لمدينة القدس؟! لا شيء يخاف عليه الفلسطينيون بعد هذا كله، وليكن الفلسطينيون ولو لمرة واحدة ممسكين بزمام المبادرة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية