الحمد الله وتعميق أزمتي السلطة الفلسطينية وحركة فتح ... بقلم : جمال أبو ريدة

الثلاثاء 25 يونيو 2013

الحمد الله وتعميق أزمتي السلطة الفلسطينية وحركة فتح

جمال أبو ريدة

كشفت استقالة رئيس وزراء حكومة رام الله رامي الحمد الله- وذلك بعد أسبوعين على أدائها اليمين الدستورية- هشاشة مؤسسة الحكم في السلطة الفلسطينية، بل هشاشة النظام السياسي الفلسطيني كله، ويمكن القول بأن هناك أسباباً عدة دفعت الرجل إلى تقديم استقالته بهذه السرعة غير المتوقعه، أولها عدم وضوح صلاحياته كرئيس للوزراء في النظام السياسي الفلسطيني، الذي يركز الصلاحيات جميعاً في يد الرئيس، ويترك رئيس الوزراء حائراً بين منصبه وصلاحياته المحدودة، ويمكن القول بأن هذا السبب نفسه هو الذي تسبب في العام 2006م، إلى تمرد قادة الأجهزة الأمنية في غزة، على رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية، وكان هذا التمرد دافعاً قوياً لحركة "حماس" لوضع حد له، فيما سمي بالحسم العسكري في يونيو/2007م، ولعل الحسم وما ترتب عليه من انقسام مقيت للشعب الفلسطيني، كان يكفي لتداعي القوى السياسية الفلسطينية إلى المطالبة بإعادة النظر في مجمل النظام السياسي الفلسطيني، ولكن واقع الأمر يقول بخلاف ذلك، فلا يزال هذا النظام على ما كان عليه، يركز الصلاحيات في يد الرئيس ويترك رئيس الوزراء لا حول له ولا قوة.

ولعل السبب الجديد وراء استقالة الحمد الله، هو "تعمد" الرئيس محمود عباس إلى تعيين نائبين له، في سابقة هي الأولى من نوعها في الحياة السياسية الفلسطينية، وهما من أكثر المقربين له زياد أبوعمرو، ومحمد مصطفى، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول تكليف الرئيس الحمد الله بتشكيل الحكومة، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى تقليص صلاحياته، ولكن هذه المرة بإشغاله بنائبين له، أحدهما من الحرس القديم في المقاطعة، والآخر أبو عمرو الذي يقدم نفسه كإصلاحي، ومستقل سياسياً، ولكنه في الواقع من الحالمين بالسلطة بأي ثمن، ولا أدل على ذلك من تحالفه مع حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في العام 2006م، للحصول على أصواتها وضمان الفوز في الانتخابات، رغم أنه من المحسوبين على اليسار الفلسطيني، وهو الأمر " الفوز" الذي لم يحظ به أي نائب سابق في المجلس التشريعي، ولكن المفاجأة أنه كان أول المنقلبين على الحركة التي صوتت له في الانتخابات، حيث غادر غزة بعد الحسم العسكري مباشرة إلى رام الله للبحث عن منصب سياسي وتحالف جديد، يبقيه حاضراً على الساحة السياسية الفلسطينية.

لقد فتحت أيضاً استقالة الحمد الله بهذه الصورة "العاجلة"، الباب على مصراعيه للوقوف على حالة "اللاتوازن" التي انتهت إليها السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، فالسلطة وبعد عشرين عاماً على قيامها لا تزال أسيرة ما يعرف بـ"الحرس القديم" داخل مقر المقاطعة في رام الله، وهو صاحب السطوة والقرار بعد الرئيس محمود عباس، ولا يمكن لرئيس وزراء تجاهل أو تجاوز هذا الحرس بحال من الأحوال، وهو الأمر الذي اشتكى منه رئيس الوزراء السابق سلام فياض مراراً، ولكن بدون أي جدوى، ولعل الحالة التي انتهت إليها الضفة الغربية، في السنوات الأخيرة، وهي باختصار حالة الاستسلام الكامل للاحتلال (الإسرائيلي)، والوقوف موقف المتفرج من مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، مع قمع أي مقاومة فلسطينية لهذه الانتهاكات، تكفي للتأكيد على حالة "اللاتوازن" التي انتهت السطلة ومن خلفها حركة "فتح"، بالتأكيد باعتبارها الحاضنة لمشروع السلطة، وكل ذلك بسبب غلبة المصالح الشخصية على المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

ولعل من الأهمية أيضاً بمكان الوقوف على الحالة التي انتهت حركة" فتح" في السنوات الأخيرة، لفهم أكبر للمستقبل الذي ينتظر القضية الفلسطينية، فالحركة في الفترة الأخيرة تعيش حالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي واالصراع على مراكز القوى والنفوذ، ولعل الاستقالات الأخيرة لأمناء سر الحركة في أقليم غزة على وجه التحديد، تكفي للتأكيد على عمق الأزمة البنيوية للتنظيم، الذي لايزال رهناً للحرس القديم، في الوقت الذي يتم فيه تهميش القيادات الشابة رغم عظم التضحيات التي قدمتها، بل إبعادها بالكامل عن عملية صنع القرار داخل الأطر التنظيمية للحركة، وعليه فإنه يمكن القول بأن الصراع داخل حركة "فتح" قد وصل إلى مراحله الأخيرة، وأن علاجه بات مستحيلا، واستقالة الحمد الله مظهر من مظاهر ذلك، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على مجمل الحالة الفلسطينية، وتحديداً ملف المصالحة الوطنية، الذي سيدخل بسبب هذا الصراع حالة من الجمود، فحركة "فتح" منشغلة الآن في تبرير استقالة الحمد الله سواء للرأي العام الفلسطيني، وقبل ذلك للصف الداخلي لها، وكذلك البحث عن شخصية جديدة لتولي هذا المنصب خلال الأسابع القليلة، الذي يبدو أنه سيكون من نصيب شخصية من داخل مقر المقاطعة، ليسهل من ثمَّ تسييرها وتوجيهها الوجهة التي يريدها الحرس القديم، فالوضع الداخلي للحركة لا يحتمل تكليف شخصية قوية على غرار الحمد الله، تتسبب في تعميق أزمة الحركة أكثر فأكثر.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية