الحياة فُتُوَّة!... بقلم : صلاح حميدة

الأحد 27 يناير 2013

الحياة فُتُوَّة!

صلاح حميدة

الفُتُوَّة مأخوذة من الفتى، وهو الشّاب الذي دخل حديثاً مرحلة الرجولة والبلوغ، وهو يفيض نشاطاً وحيويّة وطاقةً وقوَّةٌ لا يملكها الانسان في فترات حياته الأخرى، ولذلك كان الفتيان هم الجنود والقادة عند العرب مثل عنترة وغيره من نوابغ العرب، وكان يحرص القرشيون ان يرسل أبناءهم للبادية أطفالاً وأن يعيشوا مرحلة الفتوة في البادية حيث الفروسيّة والفصاحة والتمرّس على القيادة والمبادرة والحرّيّة، ولذلك لم يكن مصادفةً أن يكون القادة و حملة الدّعوة والرسالة والنوابغ والأدباء من هؤلاء، وأنّ أبلغ المواقف بين الخلفاء والأمراء والقادة – أعدلهم وأظلمهم- كانت مع فتية امتلكوا من الفصاحة وقوّة الشّخصيّة ما أذهل من يقفون هذه المواقف التي دوّنها التاريخ، وكيف أنّ أسامة بن زيد كان فتىً عندما قاد جيشاً للمسلمين فيه من كبار الصّحابة والقادة المخضرمين في الرأي والرّؤية والحرب وفنون القتال.

إذن، يوجد أرضيّة تاريخيّة ودينيّة للفتوّة عند العرب والمسلمين في البلاغة والقتال والقيادة، وهم وقود التغيير والانتصار والنّهضة، ولذلك كان إفساد الفتية وتجهيلهم من قبل الأعداء هو الهدف الرّئيسي عبر التاريخ لهزيمة العرب والمسلمين، إفساد للأخلاق، وتجهيل وأمّيّة، وإفناء بالأمراض والتدخين والمخدّرات والمسكرات، وحرف عن الاهتمامات المفترض أن يهتمّ بها صاحب القضيّة والرسالة الوطنيّة والدّينيّة.

قبل أيّام شاهدت تقريراً على فضائيّة إخباريّة عربيّة عن ( برنامج الفُتُوَّة) لطلبة الثانوية الفلسطينية في قطاع غزّة – من سن 16 حتّى 18 سنة - وكيف تمّ إقرار هذا البرنامج زمن الرّئيس السّابق ياسر عرفات ويتمّ تفعيله حاليّاً في قطاع غزّة بشكل اختياري من الأهل والفتى في نفس الوقت، ويتمّ قبول الطالب بلا تصنيف سياسي أو اجتماعي أو ديني، وهو ما يستحق الدّراسة والتحليل والمتابعة لكونه برنامجاً لم نشهد له مثيلاً على السّاحة الفلسطينيّة من قبل.

يشبه هذا البرنامج خدمة العلم في دول أخرى، ولكنّه هنا اختياري وفي مرحلة الثانوية وليس بعدها، وبالتالي فهو يعمّق الانتماء الوطني لدى الفتية ويعزز حافزيّتهم للدّفاع عن النّفس والرّغبة والإعداد للتّحرير من باب " وأعدوا" وهذا البرنامج يأتي في إطار مشروع متكامل من البناء المادّي والبشري المتطلّع للتحرير، ويشكّل إضافةً نوعيّةً لهذا المشروع، تمنع الفصل النّفسي والفكري بين الأجيال، من الطفل إلى الفتى إلى المقاتل في الميدان.

السّن المستهدفة من هذا البرنامج هي أخطر مرحلة في حياة الانسان، فعندما يصل الفتى لسنّ البلوغ فإمّا أن ينشغل بقضيّة وطنيّة جامعة مثل قضية فلسطين وتحريرها والعودة لقريته التي هجّر منها أجداده، أو أن يذهب لطريق الانعزال واليأس والاهتمام بذاته فقط، أو أن يذهب لطريق الانحراف الخلقي الذي قد يقود للسقوط الأمني والعمالة للاحتلال، ويشكل هذا البرنامج الذي يتعامل مع العقل والمفاهيم والجسد أكبر مناعة لهؤلاء الفتية من الانحراف والسقوط، ويرسّخ فيهم روح المبادرة وقوّة الشّخصيّة من باب أنّهم أصحاب قضيّة عادلة وبدأوا بامتلاك الأدوات لتحقيق العدالة لتلك القضيّة على أرض الواقع، وبالتالي ينحصر تفكير الطّالب في بناء ذاته تعليميّاً وثقافيّاً وبنيوياً، ويصبح أكثر انضباطاً في المدرسة ويحدّ هذا تلقائيّاً من انتشار العنف البيني بين الطّلاب من جهة وبينهم وبين معلميهم وأهاليهم وجيرانهم من جهة ثانيّة، لأن الفتى يترسّخ لدية شعور أنّ افتعال المشاكل والزّعرنة من سفاسف الأمور بالنّسبة لمن يحمل رؤية لقضيّة عادلة.

المجتمع الغزّي ( مجتمع فتيّ) ولإدارة مجتمع فتيّ متمرّد لا بدّ أن تقوده بما يتناسب مع حاجاته، والتعاطي مع هذا المجتمع من خلال تلك الحاجات يخلق النّظام في المجتمع ويقلص الحالات الشّاذّة، لأنّ المجتمعات الفتيّة ترفض ما يأتي لها من أوامر تفرض عليها فرضاً، والحل في التّعاطي معها هو أن يتم تقنين تلك الفتوة وتوجيهها لما ينفع بطريقة يكون هذا المجتمع راغباً في تنفيذ ما يوكل إليه، لا خانعاً لما يُلقى عليه من أوامر، وقد يكون هذا البرنامج من أفضل ما تمّ تنفيذه في القطاع إجتماعيّاً، وحبّذا لو أنّ من خططوا ونفذوا هذا البرنامج يكونوا هم من يخطط للقضايا العامّة بدلاً من محاولات التعاطي مع قضايا النرجيلة ونمط الألبسة وخلافه من القضايا التي تستنزف الجهود في قضايا ثانويّة، وتثير استياء قطاعات اجتماعية.

الفُتُوَّة لها جناحين: إيجابي وسلبي، فمن النّاس من يحرفها عن سياقها الإيجابي ويتّجه بها للزعرنة والابتزاز والقتل والسّلب والنّهب والتّعدّي على النّاس تحت عناوين الفتوّة الإيجابيّة أحياناً، وشهد الماضي والحاضر أمثلة كثيرة على ذلك، ولذلك فالفُتوّة مرتبطة أساساً بالجانب الإيجابي، فالفتوة الدّمشقي قاتل الفرنجة وشارك في تحرير القدس، بينما بعض الفُتُوّات تَوَجَّهوا في طريق مغاير، ولذلك لفت نظري شعار مشروع (فُتُوَّة) الذي يتضمّن في جوهره رسماً لقضية الفتوّة الفلسطيني ( فلسطين والقدس)، فالعضلات المفتولة في جوهرها وجوفها قضية راسخة عادلة لأجلها يتمّ الإعداد البدني والجسدي، فالجسد القوي والسلاح الفتي بلا قضيّة عادلة وإيمان واثق سيتحول لسلاح مجرم إنتهازي مرتزق قاطع للطريق، فالحياة فُتُوّة، والفُتُوَّة تحتاج لقضيّة عادلة كي تضبط إيقاعها.

شاهدت قبل فترة برنامجاً عن مستوطنات الاحتلال في فلسطين ورأيت أنّ الكثير من الألعاب تحاكي التدريب العسكري في جيش الاحتلال، وعندما شاهدت برنامج (فتوّة) الفلسطيني وصلت لقناعة أنّ بعض العرب والمسلمين بدأ يفكر بطريقة صحيحة، لأنّ برامج ستار أكاديمي وأراب آيدول لن تعد جيلاً للتحرير، وإذا كان عدوك المعتدي يهيّء أطفاله للحرب والعدوان على شكل ألعاب، أي أنّ لهوهم عبارة عن تدريب عسكري، فمن أحقّ بالاعداد والاستعداد، صاحب الحق أم المعتدي؟.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية