الدلالات السياسية لجولة هنية
جمال أبو ريدة
أحسن رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هينة صنعًا بالبدء في هذا التوقيت بالذات بزيارة العديد من العواصم العربية، وفي مقدمتها القاهرة، وهي الزيارة الأولى له منذ فرض الحصار (الإسرائيلي) على قطاع غزة، منتصف عام 2007م، والثانية منذ عام 2006م، ويمكن القول إن هذه الزيارة جاءت للتأكيد على شرعية الحكومة الفلسطينية التي استمدتها من الانتخابات الشرعية التي جرت في عام 2006م، وفازت فيها حركة "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، كما وجاءت هذه الزيارة لتوضيح شكل ومضمون العلاقة الجديدة التي بدأت تتشكل بين الحكومة الفلسطينية، وبعض الحكومات العربية، وتحديدًا بعد ربيع الثورات العربية، والتي نجحت حتى الآن في الإطاحة بالعديد من الأنظمة العربية، وفي مقدمتها نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي ناصب الحكومة الفلسطينية العداء الواضح، وواحد من الأدلة على ذلك، هو شروع النظام المذكور ببناء الجدار الفولاذي على حدود مصر مع قطاع غزة، لمنع عمليات تهريب البضائع التي يحتاجها سكان القطاع المحاصرين عبر الأنفاق، وقائمة الإجراءات العقابية التي لجأ إليها النظام المصري المخلوع ضد الحكومة الفلسطينية، يصعب حصرها في هذه المقالة، والتي جاءت لاستكمال حلقات الحصار الذي فرضته (إسرائيل) على غزة، كذلك جاءت هذه الزيارة للتأكيد على الفشل الذريع للحصار(الإسرائيلي) في عزل الحكومة الفلسطينية عن المحيط العربي والإسلامي، بل يمكن القول بأن الحصار (الإسرائيلي) قد جاء بالعالم العربي والإسلامي إلى القطاع، والذي تمثل في قوافل المساعدات التي ما انفكت تصل تباعًا إلى غزة، للتعبير عن تعاطفها واعترافها بالحكومة الفلسطينية المحاصرة، كذلك جاءت هذه الزيارة للتأكيد على فشل كل الإجراءات العقابية التي قامت بها السلطة الفلسطينية في رام الله لإفشال ومحاصرة وإسقاط الحكومة الفلسطينية في غزة، كذلك جاءت هذه الزيارة للتأكيد على فشل شروط الرباعية الدولية، والتي اشترطت مقابل الاعتراف بالحكومة، اعتراف الأخيرة بحق (إسرائيل) في الوجود، ونبذ المقاومة، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع الجانب (الإسرائيلي).
وعليه فإنه يمكن القول بأن هذه الجولة، ستحقق الكثير من المكاسب السياسية للشعب الفلسطيني، وواحد من المكاسب المأمولة هو حشد الدعم السياسي والمالي العربي لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في عدوانه على قطاع غزة في عام 2008/2009م، بالإضافة إلى رفع الحصار (الإسرائيلي) المفروض على القطاع منذ العام 2007م، وتحديدًا بعد توقيع حركة "حماس" على اتفاق المصالحة الوطنية الأخير في القاهرة، الأمر الذي يعني "انتفاء" كل الأسباب التي كانت "تتذرع" بها بعض العواصم العربية للامتناع عن تقديم الدعم المالي المباشر للحكومة الفلسطينية، لإعادة إعمار ما دمره العدوان (الإسرائيلي).
والشيء المؤكد أن نجاح هذه الجولة العربية، سيشكل رافعة لاتفاق المصالحة الوطنية، لأنها ستؤكد للسلطة الفلسطينية أن الربيع العربي يعمل لمصلحة حركة " حماس"، وتحديدًا بعد نتائج الانتخابات البرلمانية في تونس، المغرب، ومصر والتي فاز فيها الإسلاميون بأغلبية المقاعد البرلمانية، وأنه لم يعد هناك ما يبرر لها الانتظار أكثر لتعطيل المصالحة الوطنية، والقبول بالشراكة السياسية مع الحركة والابتعاد أكثر عن مربع المفاوضات مع الجانب (لإسرائيلي) التي تبين زيفها.
ولهذه الأسباب مجتمعة عبرت (إسرائيل) علانية عن مخاوفها من النتائج المترتبة عن هذه الزيارة، وأول هذه المخاوف، هو بدء اعتراف العواصم العربية بحكومة رئيس الوزراء هنية وبشرعيتها، الأمر الذي يعني نسف كل التدابير التي عمدت إليها (إسرائيل) منذ عام 2007م، لتطويق هذه الحكومة، توطئة لإسقاطها، لإفشال تجربة حركة " حماس" الأولى في الحكم، وذلك لتمرير مشروع " الاستسلام" في المنطقة العربية حتى نهايته.
إن النصيحة التي تتقدم بها الأنظمة العربية مجتمعة، هو الإسراع في الاعتراف بشرعية الحكومة الفلسطينية وتقديم كافة أشكال الدعم المالي والسياسي لها، وعدم انتظار الموافقة الأمريكية على ذلك، حتى لا يسجل التاريخ على هذه الأنظمة أنها شاركت (إسرائيل) في حصار هذه الحكومة حتى النهاية، وحتى لا تلقى المصير نفسه الذي لاقته بعض الأنظمة العربية(زين العابدين، مبارك، القذافي) بعد ربيع الثورات العربية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية