الذهب لا يتحول إلى تنك
د. يوسف رزقة
بريق الذهب ليس كبريق التنك. الأول تلتقطه القلوب قبل الأيدي،والثاني تدوسه النفوس قبل الأرجل. وللثورات بريق كالمعادن تماما، فثمة ثورة ذهبية سواء أقالوا عنها ياسمين أو أسموها بردى، وثمة ثورات تنكية ليس لها شبه في النبات غير (القريص والحنظل )طعمها مر وملمسها مؤذٍ.
كانت الثورة التونسية ثورة الياسمين كما أسموها في الغرب تعبيرا عن جمالها وتقبل النفوس لها،وتفاؤلا بمخرجاتها،وكانت الثورة المصرية أجمل وأنشط للروح وللبدن،وإن كان ورق البردى لا يحمل رائحة الياسمين، فهو يحمل قداسة القرطاس والقلم والعلم. وكما لا يتحول الحنظل إلى ياسمين فإن الذهب لا يتحول إلى تنك وإن حرص الغشاشون.
جاء الربيع العربي رائعا ومشرقا يبعث الأمل بحياة ديمقراطية أفضل،ولكنه كان في الوقت نفسه مرعبا ومخيفا لعواصم عديدة تخشى أن يمتد إليها، فاجتمعت بآلية مباشرة أو غير مباشرة على استبدال القريص بالياسمين، والحنظل بالبردى، وعندها لن يجرؤ أحد على استيرادهما،لأن النفس تعافها ببلاش.
أقول ما تقدم لأنه خلاصة ما يجري في مصر،فثمة قوى متحالفة مصرية وإقليمية ودولية وصهيونية على هدف واحد هو إطفاء بريق الذهب الذي حملته الثورة المصرية إلى شعبها وإلى شعوب الإقليم كله من المحيط إلى الخليج،وثمة إصرار على تحويل الذهب إلى تنك تدوسه الأقدام ولا تتناوله الأيدي ولا تستريح له النفوس لعيوبه وكثرة الصدأ "المقرف" على حوافه.
في ما يجري في مصر بعد أن أنتجت الثورة المصرية رئاسة مدنية منتخبة تحمل إشراقة الذهب وبريقه اتفق الخائفون من تنافس الشعوب على هذا الذهب المتلألئ المشرق فجمعوا كبراءهم ومكروا مكرهم وإن مكرهم لتزول منه الجبال،وتحالفوا على إطفاء بريق الثورة والذهب يوما بعد يوم،وصولا إلى هدف إحداث رفض وكراهية عند الشعوب لما يسمى ثورة،ولما يسمى ديمقراطية ولما يسمى حرية وكرامة إنسانية.
الفريق المتحالف المتآمر يضم جميع المستبدين والطغاة في العالم،ممن ركبوا الديمقراطية لإجهاض الديمقراطية،وركبوا حرية التعبير والتظاهر السلمي ليكفر الناس بالتعبير الحر وبالتظاهر السلمي،وركبوا وسائل الإعلام الفضائي والإلكتروني والمكتوب فزادوا في الكذب،والتدليس،والتشويه،والتشهير ما شاءت لهم شياطينهم أن يزيدوا حتى بات الناس لا يصدقون شيئا،ويفضلون (أرب أيدول ) على كل ما تنقله وسائل الإعلام الغشاشة التي رمت مشاهديها بالسكري والضغط والعصبية،من شدة كراهيتها لا أقول للإسلام فحسب بل لشعوبها التي تحمل الإسلام هوية وتطلبه قائدا وحكما،وليس هذا فحسب بل هي تكره الديمقراطية،والسلام الاجتماعي،وتؤمن بالبلشفية،والفوضوية،لأنها الطرق الأسهل للحصول على المال والثراء،ومن ثمة فهم يعملون مجتمعين متحالفين وغير متحالفين لإعادة انتاج الاستبداد والطغاة،حتى بت تسمع في مصر ومن سوء اخلاق الغشاشين من يطالب بعودة حسني مبارك إلى الحكم.وهذا يحتاج رحلة عنت ومشقة طويلة يتحول من خلالها الذهب إلى تنك! فهل يحصل هذا يوما يا مصر؟
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية