الرئيس مشغول بأراب آيدول
ماهر أبو طير
يتصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالمطرب الفلسطيني محمد عساف، الذي يدخل سباقاً حامياً، في برنامج آراب ايدول للمطربين والمطربات، والرئيس يشجّع الفتى، ويحثه على الفوز، باعتبار ان هذه هي معركة الفلسطينيين والعرب هذه الايام.
لم يتصل الرئيس الفلسطيني، علناً ولا سراً، بأي مقاوم خرج من السجن، ولا بأي مدافع عن المسجد الأقصى؛ الذي تشتد التهديدات ضده هذه الايام، فالرئيس حسم كل المعارك، ولم تبق عنده قضية سوى قضية الفتى محمد عساف وصوته الشجي بالطبع.
عمليات غسيل الدماغ جارية على قدم وساق، فالفلسطيني المقاوم والثائر والمتعلم والصانع، لم يعد هو الأنموذج المطلوب، ويراد احلال الطرب والفرفشة في غزة تحديداً؛ التي ينتمي اليها محمد عساف، مكان كل النماذج الاخرى.
يراد عبر الاعلام تحطيم المعايير التي يلتزم بها الفلسطيني، تاريخياً، لصالح معايير جديدة، تبتعد تماماً في مضمونها عن الاحتلال ومقاومة الاحتلال، وهذه معايير وطنية لم تكن تعني اساساً الا حق الحياة. سيأتي البعض ليقول: إن من حق الفلسطيني أن يعيش حياته وأن يفرح، فلماذا يكون محروماً من الفرح مثل غيره ؟،وهل مكتوب عليه ان يبقى متجهماً مطارداً مشغولا بالموت فقط، وهذا كلام حق يراد به باطل، فلا احد يريد حرمان الفلسطيني من الحياة، ولا الفرح، ولا السعادة، لكننا نتحدث هنا عن شعب لديه قضية، وهناك حرب يتم شنها ضده، لانتاج أجيال بلا قضية!.
على الاغلب ومنذ اليوم يمكن التنبؤ بنتيجة أراب آيدول، اذ سيفوز محمد عساف، وفوزه قرار مسبق،ايا كانت نتائج التصويت، لأن المقصود انتاج رمزية جديدة للأجيال الفلسطينية يمثلها محمد عساف، على الرغم من اعتراف الجميع بجمال صوته، وهي رمزية جديدة يراد احلالها مكان آلاف الأسماء من مقاومين وشهداء وابطال وغيرهم.
رئيس الدولة الفلسطينية يريد مناكفة التيار الديني في غزة، واتصاله بمحمد عساف لا يخرج عن هذا الاطار، فكما نجح ورفاقه في تحويل الضفة الغربية إلى ضفة وادعة وهادئة، كما يراد لها، يراد ترميز محمد عساف باعتباره الرمز المطلوب في غزة، بدلا من كل قصص التنظيمات والصواريخ والحصار، والموت المجاني وفقا لتعبيرات السلطة.
لو كان رئيس الدولة الفلسطينية يفزع هلعاً من أجل بقية القضايا مثل التهديدات ضد المسجد الأقصى وغيرها من ملفات الأسرى والجرحى والمطاردين ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، لقبلنا إلى حد ما مناصرة مطرب فلسطيني، باعتبار أن المناصرة جزءٌ من حزمة واسعة، لكن الرئيس يترك كل الملفات العالقة، ويدعم عساف، باعتباره رمزاً جديداً يمكن احلاله مكان أسماء كثيرة. لا يمتلك الشعب الفلسطيني ترف التصفيق لمطرب، على الرغم من حق الفلسطيني بالحياة والفرح والاحتفال، مثل بقية البشر والناس، كل قرش يدفعه الفلسطينيون والعرب للتصويت لمحمد عساف، وغيره أيضا، مساهمة في المشروع الصهيوني لمحو الذاكرة الفلسطينية، وتزييف الوعي العام، واسقاط رموز واحلال رموز.
ليس مطلوباً أن ينام الفلسطيني متحزماً بالمتفجرات حتى يثبت صدقية ارتباطه بأرضه وقضيته، لكننا نتحدث اليوم عن أولويات لم يرها الرئيس، ويريد احلال غيرها مكانها، ولن نستغرب- بعد قليل- طبع مئات آلاف الصور لمحمد عساف، وتعليقها في الضفة وغزة، في سياق محو صور المقاومين مثل الشيخ أحمد ياسين وغيره؛ لأن الرغبة بإعادة انتاج الفلسطيني وصورته النمطية، رغبة تحكم كل القصة.
ليعذرنا الرئيس المشغول بأراب ايدول فيما المسجد الاقصى على مرمى حجر منه، ولم يسمع منه سوى التصريحات.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية