تسرف حركة فتح أيما إسراف في استحضار لغة الشعارات المكرورة في معرض تعليقها على المصالحة أو تبريرها فشلها أو حتى ادعائها حرصها (اللامتناهي) على إنجازها! وهي في كل ذلك إنما تبقى أسيرة فكرة شوهاء حول دور حماس في تعطيلها ووضع العصي في دواليبها!
وأحسب أنه ما من حركة فلسطينية تتقن (الشعاراتية) في خطابها كما تفعل حركة فتح، خصوصاً حين تكون تلك الشعارات في خصام فجّ مع الواقع الذي يقرر دائماً بأن أية سلطة أو حركة مسلوبة القرار لا يمكن أن تكون متحررة الخيارات، أو منحازة للمصلحة العليا التي يحتكر تنظيم مثل فتح ادعاء الحرص عليها!
ومن جهة أخرى، فقد أصبح منتهى السخف والاستخفاف بالعقول استمرار العزف على وتر الحاجة للانتخابات واعتبارها وصفة إنقاذ الوطن وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة. لأن على فتح أن تجيب على عشرات الأسئلة وأن تقدم مثلها من الضمانات قبل التوافق على أية عملية انتخابية قادمة، خصوصاً أنها كانت ولا زالت التنظيم المنقلب على نتائج الانتخابات السابقة وغير المعترف بنتائجها، فضلاً عن كونها الجهة المعطّلة لعمل المجلس التشريعي الحالي والحائلة دون التئامه واستئناف نشاطه، بقوة البلطجة لا القانون! أضف إلى ذلك سطوها غير الشرعي على مجالس بلدية منتخبة وتغيير إداراتها واعتماد سياسة التعيين فيها والتي لا تخلو من محسوبية وحزبية ضيقة، وهي الصفة الأكثر التصاقاً بحركة فتح على مرّ تاريخها!
كيف يمكن لشعب يسعى لإنجاز مصالحة وطنية أن يقتنع بأن الطريق إليها يكون من بوابة الانتخابات لا سواها، مع ما تعنيه الأجواء الانتخابية من تنافر وتخاصم ومشاحنات؟ ألا يفترض أولاً أن تنجز المصالحة على الأرض وأن تسود ثقافة التعايش وقبول الآخر بعد سنوات من القطيعة، قبل أي حديث عن تكرار العملية الانتخابية التي أفرز رفض نتائجها الانقسام وما تلاه من انغماس في مشروع التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال في سبيل إقصاء الخصم الفلسطيني عن الساحة؟ فكيف ستكون الانتخابات مدخلاً لإصلاح ذات البيت قبل أن تسبقها عشرات الخطوات التمهيدية التي تدرك فتح أن تنفيذها فوق طاقتها وسيقدح في مصالحها قبل أي شيء آخر؟!
كان يجمل بفتح أن تصارح نفسها وشعبها بمدى حاجتها للانتخابات وحقيقة ما تبتغيه من إنجازها في ظل ظروف سيئة، بدل أن تسرف في صراخها الممجوج واتهاماتها المرسلة وتوظيفها لغة الشعارات لكي تصرف النظر عن مآربها الحقيقية!
فما من عاقل سيقتنع أو يقبل بجدوى ونزاهة انتخابات تجرى على ركام من الثغرات ومن الظروف الشاذة التي تلعب لصالح طرف دون آخر، وخصوصاً في الضفة الغربية حيث فتح مطلقة اليدين فيما حماس مكبلة من الاحتلال والسلطة، وملاحقة في أدقّ تفاصيل عملها، وحيث الاحتلال ما زال يعمل جاهداً ليحرمها أية فرصة للنهوض وترتيب الصفوف، ويبدو قادراً على تغيير معادلة المشهد السياسي إن مكنّت لحماس كما جرى عقب انتخابات 2006.
أعتقد أن الرؤية المتجردة الحريصة فعلاً على المصلحة الوطنية بعيداً عن الشعارات الزائفة هي التي تنطلق من دراسة التجربة الانتخابية السابقة بكل إفرازاتها وتبعاتها وسلبياتها وإيجابياتها، حتى نقرر بعدها إن كان ما ينقذ الحالة الفلسطينية هو انتخابات جديدة أم خيار آخر، وفيما إذا كان تكرار التجربة دون ضمانات وإغلاق للثغرات السابقة هو ضرب من العقلانية والصواب أم الجنون والعبث
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية