الشّعب يريد إسقاط نتنياهو!
صلاح حميدة
في نهايات فترة ممالك الفرنجة ( الممالك الصّليبيّة) في فلسطين والشّام، زار أحد أشهر الرّحالة العرب - ابن بطوطة- تلك الممالك وعاش بين الجمهور ورصد سلوكيّاتهم وتفاصيل حياتهم، وخرج بخلاصة تقول أنّ الفرنجة تشرّبوا عادات وتقاليد الشّعب الفلسطيني، بل ووصلت الأمور حد المصاهرة والمشاركة في الكثير من المناسبات، ويفضّل الفرنجة الأكل العربي، ويتكلّمون العربيّة فيما بينهم في الكثير من الحالات.
درست الحركة الصّهيونية فترة الحروب ( الصّليبيّة ) على فلسطين والشّام بشكل موسّع وبالكثير من التّفصيل، فقد أدركوا مبكّراً أوجه الشّبه الكبيرة - لحدّ التّطابق- بين الحالتين، ولذلك خرجوا بنتيجة تقتضي إبقاء حاجز كبير بين المستوطنين الغزاة وبين أهل البلاد الأصليين، واللعب على وتر الخوف من الآخر المتوحّش خلف السّياج والأسوار، ويعتبر بناء الجدار بين المناطق الفلسطينيّة والتّكتّلات الاستعماريّة أحد أهم نتائج مؤتمر هرتسليا عام 1999م، ففي حينها ناقش المؤتمرون في هذا المؤتمر، الّذي يرسم مستقبل دولة الاحتلال، ناقشوا قضيّة اعتبروها بالغة الخطورة، وهي تلاشي الحواجز بين المستوطنين والشّعب الفلسطيني، وخلصوا إلى أنّ دولة إسرائيل تسير إلى التّلاشي بسبب الغزو الدّيموغرافي الفلسطيني، و أنّ أفضل طريقة لوقف تلك النّهاية تكمن بإقامة الجدار العازل، والذي بدأوا ببنائه بعد سنوات قليلة من ذلك العام، ولا يزال بناؤه مستمرّاً حتّى الآن.
من السّهل ملاحظة التّأثّر الشّعبي الإسرائيلي في الحياة والسّلوكيّات الفلسطينيّة والعربيّة، فإن تحدثّت مع مستوطن أو جندي في أي شارع أو حاجز في الضّفة الغربيّة، أو إذا تسنّى لك الذّهاب في جولة في عدّة مدن في فلسطين المحتلة عام 1948م، كيافا وحيفا وعكّا أو قيساريا أو صفد أو طبريّة أو بئر السّبع، قد تظن في بعض الأحيان أنّك في بلد عربي، فالجندي الّذي يعتقلك يحدّثك عن شغفه بالحلويات العربيّة، فهو يحب البرمة والبقلاوة والكنافة والهريسة وغيرها، وتجد جنديّاً على حاجز يتوسّل لك لتعطيه مسبحة معلّقة في سيّارتك، ثم يقول لك آخر " بحيات الله تعطيني المسبخة"، ثمّ تجد في بعض مطاعم القدس ومدن الضّفة الغربيّة من يتسلّل حتّى يأكل صحن حمّص أو فول أو ساندويتش فلافل أو شاورما أو كباب في مطعم فلسطيني، وإذا ذهبت إلى تل أبيب تجد في المدخل الشّرقي ليافا كشكاً صغيراً للفلافل ليهودي سوري ( فلافل تدمر) ويقف أمامه العشرات على مدار السّاعة بلا كلل أو ملل ليشتروا ساندويتش فلافل، أمّا الأرجيلة فقد غزت المجتمع الاسرائيلي بصورة ساحقة، وتجد الكثير منهم مولع بها، إمّا للحشيشة أو للمعسّل.
حتّى الشّتائم التي يشتمونها لبعضهم شتائم عربيّة، بل تجد من يوسع العرب شتماً وقتلاً و يذهب بعدها مسرعاً لتناول القهوة العربية، أو لأكل أكلة عربيّة، بل في بعض القرى الفلسطينية بجانب الخطّ الأخضر، يحرص المستوطنون اليهود على إصلاح سيّاراتهم والتّسوّق من المتاجر العربيّة.
هذا الوضع يلاقي الكثير من المحاربة من الرّسميين في الدّولة العبريّة، فهناك حرب على منع أي مستوطن من الدّخول والتّسوّق من المدن الفلسطينيّة، بل قامت شبكات متاجر للمستوطنين بإصدار أوامر تمنع العمّال الفلسطينيين من محادثة العاملات الاسرائيليات، فحتى بناتهم لا يرغبن بالزّواج إلا من فلسطيني.
فيما كانت الحرب على عامل التّآكل الذّاتي للمجتمعات الاستيطانية في فلسطين تتم في سوبرماركت أو بناء جدار أو خلافه، كانت عدوى التّآكل تضرب المجتمع الاستيطاني العنصري في الصّميم، فقد ثار العرب على الاستبداد في محيط هذا المجتمع الاستيطاني العنصري المنغلق، وهنا وقف المستوطنون أمام المرآة حائرين، فهم في قلب المنطقة الثّائرة، وإن كانوا قد أصابهم ما أصاب أنظمتها من فساد مالي وأخلاقي ومافيوي وصولاً إلى الاغتيالات السّياسيّة، وبيع القطاع العام لمجموعة من رجال الأعمال، بلا لا نبالغ إن قلنا أنّ مؤسّستهم الأمنيّة والعسكريّة أصابتها عدوى فساد جيرانها، هنا تحديداً شعر المستوطنون بحاجتهم إلى الثّورة رافعين شعارات ( مصر هنا) و ( الأسد ومبارك ونتنياهو) و ( الشّعب يريد العدالة الاجتماعيّة) وهنا نلمس حجم الاختراق المعنوي للحدث العربي في الواقع الدّاخلي في دولة المستوطنين، بل نلمس حجم الشّعور بالضّعف الّذي يدفع بعض ساستهم لتبنّي مشروع قانون يلغي اعتماد العربيّة كلغة ثانيّة في دولتهم، في حين يتغلّب العامل الانساني والتّاريخي والحضاري على عامل الوطيفة التي جلب المستوطنون لتأديتها.
الصّحفي الفلسطيني ناصر اللحام استهجن قلّة الاهتمام الاعلامي العربي بالثّورة في داخل الدّولة العبريّة، معتبراً أنّها بالغة الأهمّيّة، ولها ما بعدها، وأنا أتّفق معه تماماً فيما قال، وهنا نعود إلى ما بدأنا به من استنتاجات وملاحظات الرّحالة العربي حول حمل تلك الكيانات لبذور فنائها في داخلها منذ نشأتها، وأعتقد أنّ هذه النّهاية لن تكون بعيدة، فالعوامل الدولية والاقليمية والذّاتيّة تؤكّد أنّنا على موعد مع المشهد الأخير للكيان العنصري الاستيطاني.
درست الحركة الصّهيونية فترة الحروب ( الصّليبيّة ) على فلسطين والشّام بشكل موسّع وبالكثير من التّفصيل، فقد أدركوا مبكّراً أوجه الشّبه الكبيرة - لحدّ التّطابق- بين الحالتين، ولذلك خرجوا بنتيجة تقتضي إبقاء حاجز كبير بين المستوطنين الغزاة وبين أهل البلاد الأصليين، واللعب على وتر الخوف من الآخر المتوحّش خلف السّياج والأسوار، ويعتبر بناء الجدار بين المناطق الفلسطينيّة والتّكتّلات الاستعماريّة أحد أهم نتائج مؤتمر هرتسليا عام 1999م، ففي حينها ناقش المؤتمرون في هذا المؤتمر، الّذي يرسم مستقبل دولة الاحتلال، ناقشوا قضيّة اعتبروها بالغة الخطورة، وهي تلاشي الحواجز بين المستوطنين والشّعب الفلسطيني، وخلصوا إلى أنّ دولة إسرائيل تسير إلى التّلاشي بسبب الغزو الدّيموغرافي الفلسطيني، و أنّ أفضل طريقة لوقف تلك النّهاية تكمن بإقامة الجدار العازل، والذي بدأوا ببنائه بعد سنوات قليلة من ذلك العام، ولا يزال بناؤه مستمرّاً حتّى الآن.
من السّهل ملاحظة التّأثّر الشّعبي الإسرائيلي في الحياة والسّلوكيّات الفلسطينيّة والعربيّة، فإن تحدثّت مع مستوطن أو جندي في أي شارع أو حاجز في الضّفة الغربيّة، أو إذا تسنّى لك الذّهاب في جولة في عدّة مدن في فلسطين المحتلة عام 1948م، كيافا وحيفا وعكّا أو قيساريا أو صفد أو طبريّة أو بئر السّبع، قد تظن في بعض الأحيان أنّك في بلد عربي، فالجندي الّذي يعتقلك يحدّثك عن شغفه بالحلويات العربيّة، فهو يحب البرمة والبقلاوة والكنافة والهريسة وغيرها، وتجد جنديّاً على حاجز يتوسّل لك لتعطيه مسبحة معلّقة في سيّارتك، ثم يقول لك آخر " بحيات الله تعطيني المسبخة"، ثمّ تجد في بعض مطاعم القدس ومدن الضّفة الغربيّة من يتسلّل حتّى يأكل صحن حمّص أو فول أو ساندويتش فلافل أو شاورما أو كباب في مطعم فلسطيني، وإذا ذهبت إلى تل أبيب تجد في المدخل الشّرقي ليافا كشكاً صغيراً للفلافل ليهودي سوري ( فلافل تدمر) ويقف أمامه العشرات على مدار السّاعة بلا كلل أو ملل ليشتروا ساندويتش فلافل، أمّا الأرجيلة فقد غزت المجتمع الاسرائيلي بصورة ساحقة، وتجد الكثير منهم مولع بها، إمّا للحشيشة أو للمعسّل.
حتّى الشّتائم التي يشتمونها لبعضهم شتائم عربيّة، بل تجد من يوسع العرب شتماً وقتلاً و يذهب بعدها مسرعاً لتناول القهوة العربية، أو لأكل أكلة عربيّة، بل في بعض القرى الفلسطينية بجانب الخطّ الأخضر، يحرص المستوطنون اليهود على إصلاح سيّاراتهم والتّسوّق من المتاجر العربيّة.
هذا الوضع يلاقي الكثير من المحاربة من الرّسميين في الدّولة العبريّة، فهناك حرب على منع أي مستوطن من الدّخول والتّسوّق من المدن الفلسطينيّة، بل قامت شبكات متاجر للمستوطنين بإصدار أوامر تمنع العمّال الفلسطينيين من محادثة العاملات الاسرائيليات، فحتى بناتهم لا يرغبن بالزّواج إلا من فلسطيني.
فيما كانت الحرب على عامل التّآكل الذّاتي للمجتمعات الاستيطانية في فلسطين تتم في سوبرماركت أو بناء جدار أو خلافه، كانت عدوى التّآكل تضرب المجتمع الاستيطاني العنصري في الصّميم، فقد ثار العرب على الاستبداد في محيط هذا المجتمع الاستيطاني العنصري المنغلق، وهنا وقف المستوطنون أمام المرآة حائرين، فهم في قلب المنطقة الثّائرة، وإن كانوا قد أصابهم ما أصاب أنظمتها من فساد مالي وأخلاقي ومافيوي وصولاً إلى الاغتيالات السّياسيّة، وبيع القطاع العام لمجموعة من رجال الأعمال، بلا لا نبالغ إن قلنا أنّ مؤسّستهم الأمنيّة والعسكريّة أصابتها عدوى فساد جيرانها، هنا تحديداً شعر المستوطنون بحاجتهم إلى الثّورة رافعين شعارات ( مصر هنا) و ( الأسد ومبارك ونتنياهو) و ( الشّعب يريد العدالة الاجتماعيّة) وهنا نلمس حجم الاختراق المعنوي للحدث العربي في الواقع الدّاخلي في دولة المستوطنين، بل نلمس حجم الشّعور بالضّعف الّذي يدفع بعض ساستهم لتبنّي مشروع قانون يلغي اعتماد العربيّة كلغة ثانيّة في دولتهم، في حين يتغلّب العامل الانساني والتّاريخي والحضاري على عامل الوطيفة التي جلب المستوطنون لتأديتها.
الصّحفي الفلسطيني ناصر اللحام استهجن قلّة الاهتمام الاعلامي العربي بالثّورة في داخل الدّولة العبريّة، معتبراً أنّها بالغة الأهمّيّة، ولها ما بعدها، وأنا أتّفق معه تماماً فيما قال، وهنا نعود إلى ما بدأنا به من استنتاجات وملاحظات الرّحالة العربي حول حمل تلك الكيانات لبذور فنائها في داخلها منذ نشأتها، وأعتقد أنّ هذه النّهاية لن تكون بعيدة، فالعوامل الدولية والاقليمية والذّاتيّة تؤكّد أنّنا على موعد مع المشهد الأخير للكيان العنصري الاستيطاني.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية