الشهيد حمزة أبو الهيجا.. خيَال وصاحب خيل ... بقلم : الأسير عدنان حمارشة

الخميس 25 ديسمبر 2014

الشهيد حمزة أبو الهيجا.. خيَال وصاحب خيل


الأسير عدنان حمارشة


لم تعجبني نظرات المحقق وهو ينظر إليَّ وابتسامة خبيثة على وجهه، عندما أخرجني من زنزانتي قبيل منتصف الليل بقليل -كما ظننت حينها- وجرَّني إلى غرفة التحقيق، حاولت أن أفهم سبب هذه الابتسامة والتي سرعان ما تلاشت عن وجهه، لكني لم أجد سبباً وسرعان ما اقترب مني وسحب كرسياً كان في زاوية مكتبه، سألني عن صحتي واعتذر بلطف عن إزعاجي في هذه اللحظات، لكن كما قال أَحبَّ أن يراني قبل أن يغادر المكتب، وكالعادة لم أجب بشيء، تابع قائلاً: أتعلم من كان يجلس هنا قبل أيام على كرسيك؟ كنت أنظر إلى الحائط وبقيت صامتاً، ولأنه اعتاد على ذلك.

أكمل وكأنه لا ينتظر إجابتي على سؤاله، هنا كان صديقك الشيخ... وصمت قليلاً، وأنا أيضا لم تظهر عليَّ معالم الفضول لأعرف من هو صديقي الشيخ، واقترب مني وهمس بجانب أذني :الشيخ أبو العبد، طبعاً تعرَّف أبو العبد بالنسبة لي، لم أُجب، رجع قليلاً إلى الخلف وتابع :الشيخ جمال أبو الهيجاء، كان باستطاعتي أن أضفي تلك الابتسامة بسهولة على وجهي، ولكني قررت أن تكون عريضة على شفتاي، وضحك قائلاً: لو كنت أعرف أن هذا الاسم يجعلك تبتسم لكررته منذ اعتقالك، قلت له :لم يفت الوقت، ردده وسأبقى مبتسماً، قال : حسناً، كان هنا وتحدثنا طويلاً معه، لم أستطع السكوت وقاطعته قائلا: تقصد تحدثتم وهو يستمع؟ فوراً فهم قصدي، وتابع: أعلم أنك تعلَّمت منه ومن أمثاله، لكن لا بأس في النهاية نحن نقرر متى نعتقلكم ومتى نقتلكم.

قلت: لكن أمثال هذا الرجل هو الذي لا يجعلكم تنامون، إلا وتكون أحلامكم ملونة بابتسامته التي ترعبكم، أليس كذلك؟

إكفهر وجهه كما سماء مزدحمة بغيوم أيلول السوداء وقال: طيب... كما تريد، لكن اسمعني نحن احضرناه إلى هنا من أجل ابنه حمزة طبعاً تعرفه، تفاجأت بالحديث عن حمزة المطارد والذي من الخطر أن يرتبط اسمه باسم أحدهم خاصة في زنازين التحقيق، بقيت صامتا، أما هو فتابع الحديث قائلاً: أحضرناه وحاولنا أن نقنعه أن يتحدث مع حمزة ويقنعه أن يسلم نفسه لنا أفضل له، لكن للأسف ساعات طويلة ونحن نحاول بالشيخ جمال أن يتصل على ابنه حمزة ليسلم نفسه لكن لم يساعدنا، لذلك أحضرتك الليلة إلى هنا.

فجأة وخلال لحظة امتلأت الغرفة بالمحققين، وكأنهم كانوا ينتظرون خلف الباب، لكن المحقق أكمل الحديث معي قائلا: اسمعني جيداً، نحن نعرف جيداً العلاقة الوثيقة التي ترتبط بها عائلتك مع عائلة أبوالهيجا، ونعلم أنك تمثل لهم أباً ثانياً، وتعيش معهم يومياً ونعرف طبعاً علاقتك مع الأبناء وبالذات حمزة، لكن الآن أنت لست في هذه الجلسة من أجل التحقيق، إنما من أجل مساعدة حمزة في اللحظات الأخيرة، فما رأيك؟

هزتني عبارة "اللحظات الأخير" *** أشأ السكوت، لأن الفضول بات يقتلني وسألته: كيف أساعد حمزة؟

"في هذه الأثناء كان المحققون ينظرون إليَّ بتفحص وتبوم كأنهم على عجلة من أمرهم، أجاب أحد المحققين: إذاً تريد أن تساعد حمزة؟ يعني أنك تعرفه جيداً، ضحكت قائلاً: هل تحقق معي أم ماذا؟ نهره المحقق الآخر وقال له: لا تمزح مع الرجل، وأنت يا أبا عمر اسمعني جيداً مرة أخرى، حمزة شاب متهور، ابتسمت مرة أخرى- إذا فأنت توجعهم أيها الشبل المتهور- وهو لا يعرف أنه يقترب من الموت بسرعة عجيبة، قلت له - وفي نفسي أن أعرف ماذا يفكرون عن الشاب- الشاب بسيط، وهو في مقتبل العمر، لم كل الإنزعاج منه؟

صرخ المحقق :لا تحاول أن تجعل نفسك غبياً ولا تعرف، هذا الوحيد الذي يجعلنا أن نعمل ليل نهار، أتعرف من يطلق النار علينا؟ أتعرف من يواجهنا الآن في المخيم؟ أتعرف أن حمزة يسيطر على المخيم؟ كل الفصائل تحبه؟! أتعلم أن الأشبال الآن في المخيم يشكلون جيشاً صغيراً يقوده حمزة؟ وتعرف أن حمزة كلمته في المخيم كما هي كلمة أكبر قيادي في أي فصيل؟

فجأة، لاحظت إشارة خفية من أحد عيون المحققين وكأنه يومئ للمحقق المتكلم أن يصمت، وبالفعل سكت المحقق، لكن بعد أن عرفت أن هذا الشاب الذي لم تكد الحياة تتفتح أمام مراهقته، قد ترك مراهقته قبل أن يبتدئ معها مرحلة محققة لمن كان في مثل سنه، وبدأ رحلته في المقاومة، لكن كل ذلك لم يجعلني أتأكد من أي شيء فهل حمزة معتقل أم يريدون معلومات من أجل اعتقاله، أم ماذا؟

قال أحد المحققين: إسمع هذه آخر لحظات تستطيع فيها مساعدة حمزة، فهل تريد ذلك، قلت بسرعة طبعا أريد، قال: إذاً يجب أن تتصل عليه وتقنعه بأن يسلم نفسه!! قلت بجدية كيف أتصل عليه؟ قال: نحن نريد ذلك، فما رأيك؟ قلت: ممم... وكأني أفكر ملياً، لكن ماذا أقول له؟ هل تريدون أن أقول له سلم نفسك؟ وهل تتوقعون مني أن أفعل ذلك؟ وهل تتوقعون منه أن يسلم نفسه؟ قال المحقق: قلت لك آخر مرة، هل ستساعده؟ قلت: أنصحكم أن تتركوا حمزة وشأنه وإلا فلن يترككم.

فتح المحقق فمه ليتحدث، لكن إشارة من يد المسؤول جعلته يسكت، وتول المسؤول الكلام: حسناً، إذهب إلى زنزانتك ونحن سنذهب لإنهاء مهمتنا، وهذا ما حدث، رجعت إلى الزنزانة وأنا أفكر فيما حدث وأحاول تحليل هذه الجلسة السريعة والتي ليست على البال.

تتابعت الأيام ولم تغادر ذاكرتي هذه الجلسة للحظة واحدة، بعد أسبوع على مرور الجلسة أخذوني إلى محكمة سالم الصهيونية، وهناك التقيت مع أحدهم وكان معتقلاً منذ يومين، وسألته عما جرى من أحداث خلال الشهر الماضي.

فقال: استشهد حمزة أبو الهيجا، وتابع الحديث، لكن هربت بكياني من المكان وسرحت إلى حيث قبر حمزة، وكأني أضعه بيدي في اللحد.

ابني الصغير حمزة... أيها الخيَال... هذه الغيوم أتت لتقبل أمطارها لحدك ويدك التي شدت أصابعها على زناد البندقية، هيا أيتها الغيوم المتخمة بالمطر سيري إلى حيث هذا اللحد واكتسبي شرف نزول أمطارك عليه، ثم دعي الخيَال يمتطيك إلى حيث الحور والرسول والصحب.

هيا... جميعكم تعالوا وانحنوا أمام هذا الذي يصنع شموساً في داخل لحد مظلم ثم يطلقها لترتاد سماء المخيم وتضيء مهاجع الثوار ثم تنسحب مرة أخرى إلى حيث تستمد نورا مرة أخرى من سديم لا ينتهي.

عدت إلى زنزانتي وانكفأت على سريري الحجري وعدت بذاكرتي ودموعي إلى حمزة، كان ما زال شبلا صغيراً عندما استقبلناه في المخيم بعد أن أمضى عدة شهور في سجن مجدو وخرج إلينا مضرباً عن الطعام، فهو لا يترك لحظة يستطيع بها المقاومة ولا ينتهزها.

وبعد نقاش طويل جرى بيني وبينه، عرفت أن حمزة يبحث عن مكان أصفى من هذا الكون الذي يعيش فيه.

الآن، وقد وجد حمزة المكان الذي بحث عنه، أبتسِم وأتساءل متى نجد جميعاً ما نبحث عنه؟!
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية