الغموض النووي الإسرائيلي وسياسة أميركا الخارجية ... بقلم : محمد بن سعيد الفطيسي

الغموض النووي الإسرائيلي وسياسة أميركا الخارجية ... بقلم : محمد بن سعيد الفطيسي

الإثنين 12 يوليو 2010

الغموض النووي الإسرائيلي وسياسة أميركا الخارجية



محمد بن سعيد الفطيسي



لا يزال المشهد السياسي العربي بعد كل هذه السنوات من ممارسة العمل السياسي، يعاني من تأثير بقايا مخلفات الاستعمار بشقيه السياسي والثقافي، وفي ظل ذلك الاستمرار العربي المحافظ على بقايا فتات موائد الاتفاقيات الدولية الاستعمارية القديمة في بناء آليات القرار السياسي العربي الخارجي، ستبقى - وللأسف الشديد - تلك المعادلات العجيبة التي تم على أساسها تعريف بعض مفاهيم العلاقات الدولية، وعلى رأسها مفهومي التطبيع السياسي والحليف الاستراتيجي تعمل بمنأى عن المصالح العربية ووحدة الأمة الإسلامية وقلبها العربي.


فسياسياً، لا زلنا متباعدين كل البعد عن موقف عربي مشترك وموحد يتم من خلاله ممارسة "الفعل السياسي العربي" تجاه العديد من القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها مسألة الصراع العربي مع سرطان الاستعمار الأكبر في قلب الأمة الإسلامية وقلبها العربي النابض - ونقصد - المستعمرة الإسرائيلية الكبرى، أما ثقافياً، فليس هناك من شك في أن تلك الهوة السياسية نفسها وما خلفته من ضعف في الإرادة السياسية العربية قد أوجدت ذلك التقزم العربي والفرقة التي تعاني منها دولنا العربية اليوم، وهو الدليل الأكبر على (أن الثقافة العربية المعاصرة قد تحولت إلى رهان سياسي أكثر من أن تكون رهاناً حضارياً)، وعليه فإن ثقافة من ذلك النوع الذي يجري في ركاب المعادلات السياسية، لا يمكن مطلقا المراهنة عليه حضارياً.


لذا بات من الضرورة عربياً الإسراع في إعادة صياغة وغربلة بعض المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وخصوصاً تلك التي نشأت في ظل الاستعمار الخارجي للأمة، وتحديداً تلك التي تتناول قضايا التطبيع السياسي والثقافي ومفهوم الحليف الاستراتيجي، نتيجة لما يتكرر دائماً من ممارسات صهيوأميركية مشتركة تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك بأن الفهم العربي لهندسة تلك المفاهيم والمصطلحات لم يعد قابلاً للتطبيق في حال رغبت تلك الدول في تنفيذ "حلم" آليات العمل العربي المشترك، وعلى رأسه وحدة القرار العربي في وجه العدو الصهيوني وحليفة الأميركي.


فما تناقلته مؤخراً بعض وسائل الإعلام الصهيونية وعلى رأسها صحيفة هآرتس الإسرائيلية حول تلك التفاهمات الأميركية الإسرائيلية الأخيرة، بعد اجتماع نتنياهو - أوباما، والتي كان على قائمة أجندتها البرنامج النووي الإسرائيلي، قد أسفرت عن التزام أميركي بإحباط أي مشروع قرار أممي قد يلزم "إسرائيل" بالموافقة على مراقبة دولية لبرنامجها النووي، مع تعهد أميركي بتوسيع رقعة التعاون الأميركي مع "إسرائيل" في المجال النووي المدني.


هذا بخلاف التزام الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على ضم "إسرائيل" إلى الهيئة الدولية للدول التي تتاجر بالمواد النووية بالرغم من عدم انضمام "إسرائيل" إلى معاهدة الحد من الأسلحة النووية، ويتوقع أن ذلك سيتيح ل"إسرائيل" الفرصة لتطوير مشاريع نووية مدنية، كما أن ذلك يعبر عن ثقة الولايات المتحدة في السياسة النووية الإسرائيلية، كما ووعد الرئيس الأميركي بتزويد "إسرائيل" بوقود نووي لاستخدامه للأغراض المدنية، وذلك على الرغم من أن "إسرائيل" لم توقع على الميثاق الذي يحظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما يدل على النقاط التالية:


(1) أن العلاقات العربية - الأميركية، والتي يطلق عليها العديد من السياسيين العرب، بالعلاقات أو الشراكة الإستراتيجية، لا يمكن أن ترقى إلى مستوى العلاقة الأميركية - الصهيونية بأي حال من الأحوال، فهذه الأخيرة قد تولدت نتيجة العديد من العوامل الأيديولوجية والنفسية والتاريخية التي تدفع بالولايات المتحدة الأميركية وجميع مؤسساتها الرسمية للوقوف بجانب "إسرائيل" في مختلف الأحوال والظروف، ومهما أضر ذلك بالمصالح الأميركية وعلاقاتها مع الآخرين.


بينما العلاقة العربية - الأميركية هي علاقة من نوع آخر، ربما يعتقد العرب في قرارة أنفسهم بأنها علاقة إستراتيجية وشراكة متبادلة، بينما هي في حقيقة الأمر علاقة فرضتها قوة الاستعمار و"رائحة النفط ومشتقاته"، والمنطق الوحيد من خلال استمرارها ومحافظة الولايات المتحدة الأميركية عليها هو المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري لا أكثر، والذي تدرك الولايات المتحدة الأميركية إمكانياتها الكبيرة للسيطرة على مداخله ومخارجه بالرغم من مشيئة الدول العربية في حال انقلبت الموازين وتغيرت الظروف الدولية.


(2) لا يمكن بحال من الأحوال أن تقف الولايات المتحدة الأميركية مع العرب في وجه المصالح الإسرائيلية، ولو اضر ذلك بمصالحها الإستراتيجية معهم، كما أنها ومن خلال قراءة التاريخ لا زالت تؤكد كل يوم وبما لا يدع مجالا للشك بأنها لن تقبل بحال من الأحوال الإضرار أو المساس بالأمن الإسرائيلي أو سياسة الردع الصهيونية التي طالما تمسكت بها مستعمرة الخوف والإجرام الصهيونية، والمتمثلة بالقوة النووية الإسرائيلية، ومهما حاول العرب الضغط تجاه قرار أممي قد يلزم "إسرائيل" بالموافقة على مراقبة دولية لبرنامجها النووي، فإن الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المتصهينة ستحول دون ذلك.


(3) لا زالت الدول العربية - وللأسف الشديد - تعول دائماً على سياسات الحكومات الغربية، وتحديدا القيادات الأميركية في استرداد حقوقها السليبة، فتجدهم يتأملون خيراً في القادم الجديد على البيت الأبيض، وهو ما شاهدناه وسمعناه ولا زلنا من بعض السياسيين والمثقفين العرب "البلهاء"، الذين يستعينون من الرمضاء بالنار، وهو ما أثبت فشله استراتيجياً حتى اللحظة، وبالتالي فإنه من "الغباء" أن يتم بناء إستراتيجية عربية قومية تعول على صديق لعدو تاريخي لاسترداد حقوق لا يمكن أن تسترد سوى بالإرادة السياسية والعمل السياسي المشترك ووحدة الأمة الإسلامية وقلبها العربي النابض.


كل ذلك وغيره من التحولات والمتغيرات الدولية، تفرض على العقلاء ضرورة إعادة بناء إستراتيجية سياسية عربية جديدة تجاه أمرين طال حولهما النقاش والجدل العقيم، وهما: هل فعلا علاقتنا مع الولايات المتحدة الأميركية هي علاقة شراكة إستراتيجية يمكن الاعتماد عليها في وقت الضرورة ؟ وهل يمكن أن نصدق وبعد كل هذه السنين من التجارب والأدلة والبراهين صدق نية العدو الصهيوني في السعي للسلام مع العرب؟ وإذا كنا ندرك مسبقاً بان الولايات المتحدة الأميركية لن تقبل بحال من الأحوال الوقوف مع العرب ضد المصالح الإسرائيلية، فهل قمنا بما يلزم لبناء آليات عربية جديدة تمكننا من مواجهة أي طارئ قد يحدث في المستقبل؟
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية