الفصائل الفلسطينية... وخداع الشعارات
وصفي قبها
إن أبسط الحقوق أن يقوم الإنسان بما يفكر ويقتنع به وليس من حق أحد أن يسن أو يشرع القوانين التي تخنق الحريات وتكمم الأفواه وتصادر حرية التعبير عن الرأي، كما أنه ليس من حق أي أحد أم يضرب بعرض الحائط القوانين التي تكفل الحريات العامة وينتهك حقوق الإنسان من أجل البقاء في السلطة وتحقيق الذات والامتيازات الشخصية والفصائلية.
ومن المؤسف أن تشهد الساحة الفلسطينية تناقض بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مع ذاتها الوطنية والديمقراطية حيث ممالئة الفصيل الأكبر، وهو الفصيل المستفيد والمغتصب لقرار منظمة التحرير الفلسطينية، هذا الفصيل الذي يضيق صدره بالرأي الآخر فيعمد إلى سياسة التهميش والإقصاء والاجتثاث والانقلاب على نتائج الديمقراطية وعدم الاعتراف بما تنطق به صناديق الاقتراع عندما تكون النتيجة على عكس ما يشتهي ويرغب.
أقول ذلك وقد عشت مع أبناء الشعب الفلسطيني التجربة المرة التي أفضت إلى حالة الانقسام التي مرت عليها أكثر من أربعة أعوام، كما وأقول ذلك وأنا أتابع ومن خلف قضبان سجون الاحتلال تصريحات أمناء وكوادر بعض الفصائل المنضوية تحت مظلة م.ت.ف حيث يرفعون شعارات ويتحدثون عن شرعية عناوين أعتبرها قنينة الحليب ( الرضاعة ) التي لم يفطموا عنها، وهي الوحيدة التي تغذيهم كي يستمر وجودهم الباهت كزيادة عدد، وأداء دورهم الوظيفي للفصيل الأكبر، من خلال التماهي بالمواقف التي لا تخرج عن منطق ( عنزة ولا طارت ) التماساً للرضعة وسعياً للحصول على الوجبة الغذائية الدورية، وقد يتم زيادة الوجبة وتحسينها من خلال إرضاء واسترضاء هذه الفصائل بوزارة هنا أو مسؤولية ملف هناك، ومنحها مساحة على تلفزيون فلسطين وعفواً تلفزيون – فتح – للتعبير عن مواقفها التي لا تشق عصا الطاعة لصاحب الرضاعة وهو الفصيل المستفيد " السيد " الذي يقوم بمجاملة هذه الفصائل من خلال إحياء بعض مناسباتها يتم فيه اجترار ما يمكن اجتراره من بدايات النشأة والتأسيس التي قد تكون المناسبة ممجوجة عندما تقتات هذه الفصائل على فعل وطني مضى عليه عقود دون جديد وقد تجاوزته مسيرة جهاد ونضال الشعب الفلسطيني وأمام حالة التناقض مع الذات والقيم والمبادئ قد يتساءل المواطن هل حقيقة أن الفصيل يعرف بشعاراته أو ما تعبر عنه تصريحاته أم مواقفه المسئولة، كما هو التساؤل، هل حقيقة أن الكتاب يعرف بعنوانه أو يقرأ من عنوانه؟ وماذا عن المضمون؟!
لقد تابعت الجلسات التشاورية التي عقدها المجلس الوطني لأعضائه من الجنوب في الخليل، ومن الوسط في رام الله، ومن الشمال في نابلس والتي جاءت تمهيداً لاجتماع المجلس المركزي الذي تابعت التقارير التي غطت جلساته والكلمات التي ألقيت، وتابعت بعدها اجتماع اللجنة التنفيذية، وكم هو مؤلم ومؤسف بل ومعيب أن مؤسسات م.ت.ف قد ظهر عليها الصدأ ومن يستعرض الفصائل والشخوص يدرك كيف أضيف الأعضاء الجدد وخاصة اللجنة التنفيذية حيث يعكس ذلك حجم الجريمة الوطنية التي يقترفها الفصيل المستبد بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وبمباركة الفصائل التي تسبح في الفلك ولا تخرج عن المدارات التي الفصيل الأكبر، لذلك فإن من يحكم على فصائل م.ت.ف من خلال شعاراتها يجهل الواقع حيث أن الشعارات بواد وتتناقض مع الموقف على أرض الفعل والواقع، لذلك ليس غريباً أن ترفع شعارات تملأ ملصقاتها أرجاء الوطن وبتمويل من الفصيل المستبد من أجل إيهام الناس والتغرير بالمواطن أن لهذا الفصيل وجودا أكبر مما يتخيل أحد، وأن مواقفه المنسجمة مع الفصيل المايسترو تؤثر باتجاه أغلبية وطنية وهي على أرض الواقع لا رصيد لها.
وأمام هذه الصورة الوهمية وبالمجمل، فقد كثرت الشعارات والمواقف التي تعكس كثرة الاختلاف بين عناوين المرحلة في الساحة الفلسطينية، حيث أصبحت الشعارات والعناوين أدكُّ على نقائضها منها على حقيقتها وجوهرها، حيث التناقض مع الذات الوطنية والأضداد مع كل شعار يُرفع أو موقف منطوق لعنوان مرحلة.
وكم مؤلم أن تكون النتيجة بأن وراء شعارات بعض الفصائل نفوسا سوداء ومظلمة وقلوبا تفوح بالحقد والكراهية لا ينفذ إليها شعاع من أشعة الحنان والرحمة، ولا تهبّ عليها نسمة من نسمات التسامح وحقاً أن ظلم ذوي القربى أشدَّ مضاضة، ومما يندى له الجبين أن الصورة مع الاحتلال الذي يرتكب الجرائم بحق الفلسطيني ليل نهار، عكسية تماماً وتختلف كلياً مما يؤكد مما لا يدع للشك النظرية القائلة بأن مشروع السلطة وبرمته هو مقايضة الوجود الفصائلي مع المزايا الاقتصادية مقابل مهام وظيفية تأتي في الإطار الأمني لذلك نرى هذه السلطة لا تستطيع التحلل من التنسيق الأمني حتى في ظل انسداد أفق المفاوضات والهجمة الاستيطانية الشرسة التي تتعرض لها الأرض الفلسطينية وما يرتكب بحق الشعب الفلسطيني من جرائم لا تخفى على أحد، وإذا عُرف السبب بطل العجب، فهل يملك ضعيف العزيمة وخائر القوة ووحيد الخيارات، ومن غرق بزخارف الدنيا وملذاتها ورهن نفسه لشهواتها ونزواتها من أمره شيئاً.. إنه البزنس والبرستيج والفي..آي..بي " vip ".
إن مسيرة الجهاد والنضال الثوري قد علمتنا أن أصحاب الوطنية العالية هم من لا يخالط وطنيتهم خداع ولا كذب ولا يشوبها رياء ولا دهان، ولا يرهنون أنفسهم لتقييدات واستحقاقات التنسيق الأمني في كل الاتفاقات الموقعة، والتفاهمات – اوسلو – ميتشل – خارطة الطريق وغيرها التي جعلت المؤسسات الفلسطينية أقرب إلى المؤسسات الوظيفية منها إلى المؤسسات الحرة والمستقلة والتي تعمل بأجندة وطنية خالصة.
فالوطني الأصيل لا يبلغ شيئاً من درجات ورتب الوظيفة إلا إذا أخلص الانتماء وقام في شعبه يدافع عنهم من بطش وظلم الاحتلال ويقدم الغالي والنفيس من أجل حرية وطنه وشعبه، بل ويقف بالباع والذراع ليدفع الأخطار المقبلة والمحتملة ولينقذ القضية من مكائد ودسائس يحيكها أعداء القضية، وعليه يخطئ كل فصيل أو مناضل يظن أن نيل الألقاب الوطنية يكون من خلال الشعارات البراقة والعناوين الخداعة لأن الشعب الفلسطيني ومن خلال مسيرة وخبرة جهاده ونضاله الطويلة والمتراكمة تجعله على قدر من الوعي ما يمكنه أن يميز الصدق في القول والإخلاص في العمل، فليس كل من يرفع شعارات وطنية أو يَّدعي الوطنية لنفسه قد أصبح وطنياً، فالوطنية لها مهر لا يقدر بأثمن المنتقى من الجواهر، ولها استحقاقات لا يضطلع بها إلا الرجال الرجال من المخلصين والأنقياء والأطهار.
إن الصدق في القول والأمانة والإخلاص في العمل وعمق الانتماء والتجرد من الأهواء وعدم الانغماس في ملذات الدنيا وزخارفها وعدم الخضوع والانكسار لإدارة المحتل أو الركوع أمام المال السياسي لهي المعايير الحقيقية التي يجب أن يُطرح عليها الوطنيون للتأكد من صدق ونقاء وطهر وطنيتهم، إن خير من استأجرت القوي الأمين، فكل من يلبي نداء الواجب الوطني ويقدم لشعبه ووطنه ويدافع عن أمن بلده ومواطنيه في السر والعلن هم الموظفون الشرفاء لدى الوطن والشعب هؤلاء هم الذين لا يجابون ولا يصانعون المحتل وأعوانه وعليه ستبقى الوطنية الصادقة متجردة وبعيدة كل البعد حتى عن شبهة التنسيق الأمني الذي يؤكد أن حقيقة الوطنية وماهيتها بعيدة كل البعد عن خداع الشعارات وخداع العناوين.
إن الجرح بالكف، والممارسات تُدمي القلوب، ويندى لها الجبين، ونحن نرى أن بعض الفصائل تعبث بالوطنية وشرفها، فمن يُنسق مع الاحتلال ويلاحق ويعتقل أبناء شعبه يسمونهم حُرّاس الوطن وحماة المشروع الوطني، أما اللصوص ومن يتاجرون بدماء الشعب فيطلقون عليهم وطنيون ورجال أعمال ووجهاء، وأما الظلمة والمستبدون والقتلة فيطلقون عليهم صناع المجد، والغد المشرق، هؤلاء هم الذين يزيفون الحقائق والتاريخ، وهم الذين يفرضون بعصا الأمن والبطش أجواء الرعب والإرهاب حيث يستقوون بالمحتل ضد أبناء شعبهم، هؤلاء من يدنس الوطنية ويلوِّث شرفها ومفهومها فلا يعرفون لها مجداً ولا شرفاً وهي مطيتهم ووسيلتهم نحو الثراء والبرنس وتحقيق الذات والبرستيج الشخصي والتنظيمي الفصائلي، هؤلاء هم من كانت شعاراتهم مع بدايات العمل الثوري والنضالي أن عظمة الوطنية يكمن بحجم وعظمة التضحيات والاستعداد لذلك من أجل الوطن والشعب، والأكثر وطينة هم الأكثر عملاً وتضحية هؤلاء هم صناع المجد، هؤلاء هم الرجال الوطنيون، هؤلاء هم الأمجاد وهؤلاء الذين يفخر الشعب بهم وبعطائهم بل وبالاتصال بهم والانتماء إليهم والانضمام إلى سربهم، هؤلاء هم أصحاب الشعارات الصادقة والعناوين الصحيحة للوطنية الشريفة والطاهرة.
وأمام كل ذلك، فعلى كل الفصائل العاملة في الساحة الفلسطينية وتلك المنضوية تحت مظلة م.ت.ف أن يعلموا ويدركوا أن الوطنية ليس أولئك الذين يسهرون على أمن الاحتلال مقابل امتيازات شخصية أو تنظيمية حيث يتركون شوارع مدنهم ومخيماتهم ويخلون الساحات لإفساح المجال لقوات الاحتلال للقيام بنشاطاتها الأمنية واقتراف الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ومما يزيد الطين بلَّة أن يقوم هؤلاء بنفس الدور ويمارسون ما يقوم به الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
إن الوطنية ليس أولئك الذين يستعبدون الأحرار، ويستذلون الأعزاء، ويمتهنون كرامة ويهينون ذوي الشيبة، ويسلبون البسمة من أطفال المجاهدين والمناضلين الشرفاء.
الوطنيون لا يقايضون مشروع التحرر الوطني بمشروع اقتصادي يعود بالنفع على شريحة محددة ومعروفة الانتماء، الوطنيون لا يغتصبون ولا يسرقون مالاً ليس لهم، الوطنيون لا يسلبون المجاهدين والمناضلين حريتهم وينغصون عليهم وعلى عوائلهم سعادتهم وهناءهم، فأي وطنية تلك التي تعتقل من يتم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، وأي وطنية هذه التي لا تطلق سراح المعتقلين السياسيين وأولئك على خلفية تنظيمية وفصائلية، وبالرغم من مضي أكثر من ثلاثة شهور على توقيع اتفاقية المصالحة التي لا زالت تراوح مكانها دون تنفيذ.
فإلى كل الفصائل، إن الشعب الفلسطيني لا تخدعه الشعارات والعناوين، وصناديق الاقتراع هي الحكم شريطة تجسيد الحريات العامة وبسطها بكل أشكالها وصورها واحترام نتائج العملية الانتخابية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية