القدس أهم من الكهرباء والوقود
د. أيمن أبو ناهية
الكل منشغل وشاغل نفسه بأزمة الكهرباء والوقود التي حلَّت بقطاع غزة، وكأن الأمر جديد علينا لم نعشه ونعاني منه منذ سنوات طويلة، بسبب تسييس هذه القضية من قبل سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، اللذين يشتركان سويا في هذه الجريمة غير الأخلاقية، فسلطات الاحتلال تتحجج بعدم دفع الفواتير المستحقة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية تعهدت بسداد هذه الفواتير كي تقوم سلطات الاحتلال بتزويد القطاع بالكهرباء والوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء، لكن سلطات الاحتلال ترفض كل الحلول الخارجية.
فهذه الدولة الصغيرة لديها فائض كبير من الكهرباء والوقود، بدليل أن شركة الكهرباء الإسرائيلية عقدت مؤخرا اتفاقية مع أوروبا لتزويدها بآلاف الميجاوات من الكهرباء تنقل من بوابة قبرص وتمر من خلال شبكة كوابل التوصيل الضخمة أسفل البحر الأبيض المتوسط كي تصل إلى أوروبا، وتعدُّ هذه أكبر صفقة مساعدات من الكهرباء تحصل عليها أوروبا في تاريخها من الشركة الإسرائيلية التي تبخل على مد قطاع غزة المحتل الملزمة به قانونيا وأخلاقيا بميجاوات واحد كحالة لا أقول إنها إنسانية بقدر ما هي حالة أخلاقية إجبارية، لأن قطاع غزة لايزال منطقة محتلة وتسري عليه قوانين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الملزمة للاحتلال التكفل بسد احتياجاته الأساسية لسكانه.
وأما السلطة فتتحجج بعدم مقدرتها على تحمل دفع هذه الفواتير، مع العلم أنها تجني من كل موظف غزي لديها مائة وسبعين شيكلاً شهريا التي يجمعها سلام فياض ويعيدها ثانية لصرف رواتب الموظفين، بالإضافة لذلك التزام الحكومة في غزة بدفع القسط الأكبر من فواتير ومستحقات الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء في القطاع وهو 2 مليون دولار شهريًا، لكن هذا الحال لم يعجب السلطة بادعائها أنها غير ملزمة بتحمل فواتير الكهرباء الخاصة بالقطاع أو أنها تعاني من عجز مالي!.
كذلك الحال الوعود المصرية بتزويد القطاع بالكهرباء والوقود أيضا مسيّس وله علاقة بتوقيع إعلان الدوحة، فربما كانت تطلعات الكحومة المصرية أن تكون هي الراعي لتوقيع الاتفاق، على أي حال إننا لا نريد الضغط على الحكومة المصرية ونحملها فوق طاقتها، ولا نزيد عليها أعباء غير قادرة عليها ونحن نقدِّر أنها منشغلة بمشاكلها الداخلية، لكن بحكم الجوار والعلاقات التي لم تنقطع في يوم ما بين الشعبين الشقيقين خاصة مع أصحاب المصيبة وهم أهل قطاع غزة، أن تساهم بقدر الإمكان في حل هذه الأزمة التي يعاني منها قطاع غزة بتزويده بالكهرباء والوقود اللازم حتى يستطيع السكان العيش وتسيير أمور حياتهم اليومية.
إذن أصبح الأمر ليس متعلقًا بالأموال لسداد فواتير الكهرباء، وإنما متعلق الأمر بتسييس القضية للنيل من صمود أهل غزة والإذعان لشروط دولة الاحتلال السياسية والأمنية، وإفشال المصالحة، وإلهاء الشعب الفلسطيني بقضاياه الداخلية، كي تنفرد بالاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس والهجوم على المسجد الأقصى واقتحامه وهدمه، كما حدث بالأمس وقبل ذلك من المحاولات العديدة لاقتحامه. ونحن منشغلون بالكهرباء والوقود ولا نفكر إلا في أشياء ثانوية ونسينا ما يجري الآن في القدس من تهويد واستيلاء على الممتلكات الفلسطينية، صحيح أن الكهرباء والوقود من الأشياء المهمة التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية، لكن لم تعد هي الشغل الشاغل لنا كي نكون مرتبطين بأولياء أمرهم، فهناك بدائل كثيرة يمكن الاعتماد عليها تؤدي نفس الغرض، ومع ذلك نفضل الرجوع إلى الشمعة والبغال والحمير ولا نفرّط بقدسنا ومقدساتنا، ونحن ليس أحسن من الفرنسيين الذين عاشوا خمس سنوات في الملاجئ دون كهرباء ووقود أثناء الحرب العالمية، وصبروا على الضنك حتى تحرير بلادهم.
ليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة التي نعاني فيها من انقطاع الكهرباء وشح الوقود، فالكل يعلم أنه لا يوجد لدينا طاقة كهربائية ولا آبار بترول وما نحصل عليه من كهرباء ووقود يأتينا من خلال المساعدات المالية الخارجية، إذن لماذا كل هذا القلق؟ ولماذا لا نكون مستعدين لأي طارئ؟ لذا يجب علينا كشعب فلسطيني أن نكون صابرين وقادرين على تجاوز المحن والصعاب وصد العدوان ومواجهة التحديات والمؤامرات التي تحاك ضدنا، واقفين على قدمينا وثابتين على حقنا ولا نفرط بثوابتنا الوطنية وبمقدساتنا وأسرانا، وجادين في تحقيق المصالحة، ولا يهزنا انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وحتى شربة الماء التي يتحكم بها المحتل، فإرادتنا صلبة وقوية كقوة الجبال الراسخة مهما كان حجم التضحيات ومهما كلفنا الأمر من معاناة، ومهما تآمر علينا المتآمرون والمنافقون وأصحاب الذمم الرخيصة ما دام فينا عرق ينبض، ومادمنا مصرين على النصر إن شاء الله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية