القدس.. إذ تكون شاهدة على التغيير والثورات
م. خالد أبو عرفة
صحيحٌ أنّ القدس لم تكن يوماً عاصمة للخلافة الإسلامية.. أو حتى عاصمة لولاية الشام.. إلا ما كان من الخليفة هشام بن عبد الملك - رحمه الله - يوم اقترب إلى القدس فجعل من مدينة "الرملة" مقراً لبعض دواوين الخلافة.. وصحيحٌ أنّ العديد من خلفاء الأمة رغبوا في أنْ تكون بيت المقدس عاصمة لهم.. ولم لا تكون وهي القبلة الأولى، وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال ؟! ولا بد أنّ بعض الخلفاء قد حاول فعلاً في جعل القدس عاصمة لهم..
وواضح أنهم لم يوفقوا يوماً ما إلى هذا !! ويبدو أنّ السبب في ذلك : أنّ للقدس منذ كانت، ( دورٌ ووظيفة ) عبر التاريخ.. وظيفة ميزتها عن غيرها من المدن.. ولم يكن هذا الدور وهذه الوظيفة لتقلل من قيمتها أو وزنها في الاعتبار الشرعي أو المستوى الاستراتيجي أو الحجم السياسي.. بل كانت القدس دوماً منفردة في ذلك كله.
وينطلق هذا الدور من إعطاء ساكني "بيت المقدس وأكنافها" : رجالهم ونسائهم وإماءهم صفة "المرابطين".. وهي صفة لم تعط أبداً لجمع آخر غيرهم، بصفتهم شعباً. وإنما تسمّى ب (المرابط)، من تمترس على ثغر من ثغر الإسلام، أو رابط في موقع من المواقع.. تلك التي تحتاج لسهر وتيقظ دائمين، وعادة ما يكون المقصود بذلك (الرباط على الحدود)، ما بين المسلمين وأعدائهم، أما أن تعطى صفة الرباط ل (شعب بأجمعه).. فهذا لم يحصل لغير شعب فلسطين.. أو كما كان يسمى في القديم "أهل الشام".. ومعهم أجزاءٌ من سوريا ولبنان والأردن، ومركز ذلك كله (بيت المقدس) كما سيأتي معنا.
وجاءت هذه المعاني في رواه الصحابي الجليل معاذ - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - - قال: " يا معاذ.. إنّ الله سيفتح عليكم الشام من بعدي.. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة.. فمن سكن ساحلاً من سواحل الشام أو(بيت المقدس) فهو في جهاد في سبيل الله إلى يوم القيامة ".
وهنا وقفات لا بد منها : إذ أنّ الفتح كان مصدره المباشر "الله".. (إنّ الله سيفتح..)، وفي هذا إشارة إلى أنّ ما فتحه الله لا يغلق.. وعليه يكون احتلال الأمم لبيت المقدس قديماً وحديثاً إنما هو من باب (المرور الذي يتخلله بعض المكوث). ثم تنبأ أنَ الفتح سيكون بعد مماته.. (من بعدي..)، وهذا ما كان. ثم أشار الحديث إلى موضوعنا الذي نحن بصدده، من أنّ (أهل الشام أو بيت المقدس بمجموعهم "مرابطون" ).
والسؤال الذي يعرض لنا على الفور : لم تسمُوا ب (المرابطين)، بينما الرباط يكون في الثغر وعلى الحدود مع الأعداء ؟ إلا أن تكون الشام وسواحلها وبيت المقدس بمثابة (الحدود) بين المسلمين وأعدائهم على مرَ الزمن وإلى يوم القيامة.. وإذا تفحصنا التاريخ وقلبنا صفحات الأمم وتجاوزنا غابرها، لوجدنا الآتي :
غزا (التتارُ) المسلمين في بغداد.. لكن مقاضاتهم ومحاكمتهم كانت في شمال بيت المقدس، في "عين جالوت".
وغزا (الصليبيون) مصر والشام.. فكانت مقاضاتهم ومحاكمتهم في شمال بيت المقدس، في " حطين".
وغزا (نابليون) أكثر الدول، وكذلك مصر والشام.. فكانت مقاضاته ومحاكمته في شمال بيت المقدس، تحت أسوار "عكا".
وغزت (بريطانيا) العرب وسلمت فلسطين للصهيونيين.. ولا نرى مقاضاتهم ومحاكمتهم إلا في بيت المقدس وأكنافها، استشرافاً للآية الكريمة (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
وسيغزو (الدجال) البلاد في آخر الزمان.. وسيقاضيه المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - ويحاكمه في غرب القدس على أبواب مدينة "اللد".
وسيغزو (يأجوج ومأجوج) البلاد.. وستكون مقاضاتهم ومحاكمتهم في بيت المقدس وأكنافها، كما جاء في الخبر الصحيح.
أرأيت أخي.. كيف كانت وستظل بيت المقدس (حدوداً)، تجري على ساحاتها حرب الأعداء و(مقاضاتهم) على مرَ العصور. وإذا كان هذا حالها.. أليس بحري بالذي يسكنها وهي (الحدود).. أنْ يُسمى مرابطاً ؟ ولو كان الذي يسكنها شعباً بأكمله.. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم.. أليس هؤلاء مرابطين ؟ وإذا كان الأمر كذلك.. وبيت المقدس إذن : (حدوداً )، كانت ولا تزال وستبقى، إلى أنْ يُقاضى آخر الأعداء وتحاكم آخر الأمم.. فلا عجب إذن أنْ أعفيت بيت المقدس من القيام بدور" العاصمة "، إذ لا ينبغي أنْ تقام العاصمة على الحدود.. وبدلاً من ذلك أُسندَ لها دور" القضاء والمحكمة "، وهل تعَيّر مدينة بهذا الدور المهيب ؟.. ومن ثمّ فلا بأس بعد ذلك لو مكث (المتهم) في أرض المحكمة سبعين سنة أوثمانين، إلى أن يقضى في أمره.. فإن الواحد من الناس، ترفع ضده القضية، فتدوم سنين وسنين !
فمن يا ترى المسجون فينا ؟ أهو الذي ينتظر حكم القضاء فيه، ولو بدا ظاهراً أنه يحكم بأمره ويلبس اللباس العسكري، كحال الإسرائيلي اليوم ؟ أم من تراه مكبلاً بالأصفاد، كحال الفلسطيني.. منتظراً محتسباً.. موقناً بعدالة القضاء ؟
أما وقد علمنا أنّ القدس لم تكن في يوم عاصمة لخلافة في ماضي الدهور، فلماذا يمتنع أنْ تكون كذلك إلا قبل قيام الساعة؟ وكيف نفسر حديث رسول الله للصحابي " ابن حوالة " - رضي الله عنه - وهو يبشره بالخلافة في بيت المقدس آخر الزمان ؟؟ إذ يروي حوالة عنه قوله - - : " يا ابن حوالة.. إذا رأيت الخلافة نزلت بالأرض المقدسة، فارتقب الزلازل والبلابل والأمور العظام، وانّ الساعة يومئذ لأقرب إلى أحدكم من يدي هذه إلى راسك "!
والجواب : أنّ القدس لن تزال (حدود الرباط) كما أسلفنا.. بين الإسلام وأهله من جهة، وأعداء الإسلام من جهة أخرى.. وقلنا، لأجل ذلك لم تقم طيلة الأزمان عاصمة للخلافة في القدس.. ( إذ لا تقوم عاصمة على حدود ). أما في آخر الزمان، وحيث سيسود الإسلام الأرض كلها.. وكذلك ما زواه الله لرسوله منها، وحيث ستتشرف المعمورة بخلافة المهدي والصالحين على منهاج النبوة، وخلافة المسيح عيسى عليه السلام.. عندئذ وحيث لا أعداء للمسلمين.. عندها حتماً تنتفي الحدود.. ولا حاجة لها.. وعندئذ تكون القدس وسط أرض الإسلام وفي عمقها.. والعاصمة وقتئذ أهلٌ للقدس.. والقدس عندئذ أهلٌ للخلافة.. بل حق لها أن ( تنزل الخلافة فيها نزولا )، كما جاء في حديث ابن حوالة.. بعد تجوال وطواف.. دام مئات السنين....
وواضح أنهم لم يوفقوا يوماً ما إلى هذا !! ويبدو أنّ السبب في ذلك : أنّ للقدس منذ كانت، ( دورٌ ووظيفة ) عبر التاريخ.. وظيفة ميزتها عن غيرها من المدن.. ولم يكن هذا الدور وهذه الوظيفة لتقلل من قيمتها أو وزنها في الاعتبار الشرعي أو المستوى الاستراتيجي أو الحجم السياسي.. بل كانت القدس دوماً منفردة في ذلك كله.
وينطلق هذا الدور من إعطاء ساكني "بيت المقدس وأكنافها" : رجالهم ونسائهم وإماءهم صفة "المرابطين".. وهي صفة لم تعط أبداً لجمع آخر غيرهم، بصفتهم شعباً. وإنما تسمّى ب (المرابط)، من تمترس على ثغر من ثغر الإسلام، أو رابط في موقع من المواقع.. تلك التي تحتاج لسهر وتيقظ دائمين، وعادة ما يكون المقصود بذلك (الرباط على الحدود)، ما بين المسلمين وأعدائهم، أما أن تعطى صفة الرباط ل (شعب بأجمعه).. فهذا لم يحصل لغير شعب فلسطين.. أو كما كان يسمى في القديم "أهل الشام".. ومعهم أجزاءٌ من سوريا ولبنان والأردن، ومركز ذلك كله (بيت المقدس) كما سيأتي معنا.
وجاءت هذه المعاني في رواه الصحابي الجليل معاذ - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - - قال: " يا معاذ.. إنّ الله سيفتح عليكم الشام من بعدي.. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة.. فمن سكن ساحلاً من سواحل الشام أو(بيت المقدس) فهو في جهاد في سبيل الله إلى يوم القيامة ".
وهنا وقفات لا بد منها : إذ أنّ الفتح كان مصدره المباشر "الله".. (إنّ الله سيفتح..)، وفي هذا إشارة إلى أنّ ما فتحه الله لا يغلق.. وعليه يكون احتلال الأمم لبيت المقدس قديماً وحديثاً إنما هو من باب (المرور الذي يتخلله بعض المكوث). ثم تنبأ أنَ الفتح سيكون بعد مماته.. (من بعدي..)، وهذا ما كان. ثم أشار الحديث إلى موضوعنا الذي نحن بصدده، من أنّ (أهل الشام أو بيت المقدس بمجموعهم "مرابطون" ).
والسؤال الذي يعرض لنا على الفور : لم تسمُوا ب (المرابطين)، بينما الرباط يكون في الثغر وعلى الحدود مع الأعداء ؟ إلا أن تكون الشام وسواحلها وبيت المقدس بمثابة (الحدود) بين المسلمين وأعدائهم على مرَ الزمن وإلى يوم القيامة.. وإذا تفحصنا التاريخ وقلبنا صفحات الأمم وتجاوزنا غابرها، لوجدنا الآتي :
غزا (التتارُ) المسلمين في بغداد.. لكن مقاضاتهم ومحاكمتهم كانت في شمال بيت المقدس، في "عين جالوت".
وغزا (الصليبيون) مصر والشام.. فكانت مقاضاتهم ومحاكمتهم في شمال بيت المقدس، في " حطين".
وغزا (نابليون) أكثر الدول، وكذلك مصر والشام.. فكانت مقاضاته ومحاكمته في شمال بيت المقدس، تحت أسوار "عكا".
وغزت (بريطانيا) العرب وسلمت فلسطين للصهيونيين.. ولا نرى مقاضاتهم ومحاكمتهم إلا في بيت المقدس وأكنافها، استشرافاً للآية الكريمة (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
وسيغزو (الدجال) البلاد في آخر الزمان.. وسيقاضيه المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - ويحاكمه في غرب القدس على أبواب مدينة "اللد".
وسيغزو (يأجوج ومأجوج) البلاد.. وستكون مقاضاتهم ومحاكمتهم في بيت المقدس وأكنافها، كما جاء في الخبر الصحيح.
أرأيت أخي.. كيف كانت وستظل بيت المقدس (حدوداً)، تجري على ساحاتها حرب الأعداء و(مقاضاتهم) على مرَ العصور. وإذا كان هذا حالها.. أليس بحري بالذي يسكنها وهي (الحدود).. أنْ يُسمى مرابطاً ؟ ولو كان الذي يسكنها شعباً بأكمله.. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم.. أليس هؤلاء مرابطين ؟ وإذا كان الأمر كذلك.. وبيت المقدس إذن : (حدوداً )، كانت ولا تزال وستبقى، إلى أنْ يُقاضى آخر الأعداء وتحاكم آخر الأمم.. فلا عجب إذن أنْ أعفيت بيت المقدس من القيام بدور" العاصمة "، إذ لا ينبغي أنْ تقام العاصمة على الحدود.. وبدلاً من ذلك أُسندَ لها دور" القضاء والمحكمة "، وهل تعَيّر مدينة بهذا الدور المهيب ؟.. ومن ثمّ فلا بأس بعد ذلك لو مكث (المتهم) في أرض المحكمة سبعين سنة أوثمانين، إلى أن يقضى في أمره.. فإن الواحد من الناس، ترفع ضده القضية، فتدوم سنين وسنين !
فمن يا ترى المسجون فينا ؟ أهو الذي ينتظر حكم القضاء فيه، ولو بدا ظاهراً أنه يحكم بأمره ويلبس اللباس العسكري، كحال الإسرائيلي اليوم ؟ أم من تراه مكبلاً بالأصفاد، كحال الفلسطيني.. منتظراً محتسباً.. موقناً بعدالة القضاء ؟
أما وقد علمنا أنّ القدس لم تكن في يوم عاصمة لخلافة في ماضي الدهور، فلماذا يمتنع أنْ تكون كذلك إلا قبل قيام الساعة؟ وكيف نفسر حديث رسول الله للصحابي " ابن حوالة " - رضي الله عنه - وهو يبشره بالخلافة في بيت المقدس آخر الزمان ؟؟ إذ يروي حوالة عنه قوله - - : " يا ابن حوالة.. إذا رأيت الخلافة نزلت بالأرض المقدسة، فارتقب الزلازل والبلابل والأمور العظام، وانّ الساعة يومئذ لأقرب إلى أحدكم من يدي هذه إلى راسك "!
والجواب : أنّ القدس لن تزال (حدود الرباط) كما أسلفنا.. بين الإسلام وأهله من جهة، وأعداء الإسلام من جهة أخرى.. وقلنا، لأجل ذلك لم تقم طيلة الأزمان عاصمة للخلافة في القدس.. ( إذ لا تقوم عاصمة على حدود ). أما في آخر الزمان، وحيث سيسود الإسلام الأرض كلها.. وكذلك ما زواه الله لرسوله منها، وحيث ستتشرف المعمورة بخلافة المهدي والصالحين على منهاج النبوة، وخلافة المسيح عيسى عليه السلام.. عندئذ وحيث لا أعداء للمسلمين.. عندها حتماً تنتفي الحدود.. ولا حاجة لها.. وعندئذ تكون القدس وسط أرض الإسلام وفي عمقها.. والعاصمة وقتئذ أهلٌ للقدس.. والقدس عندئذ أهلٌ للخلافة.. بل حق لها أن ( تنزل الخلافة فيها نزولا )، كما جاء في حديث ابن حوالة.. بعد تجوال وطواف.. دام مئات السنين....
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية