القراءة الأحادية للديمقراطية!...بقلم : عبد الله بن علي العليان

الإثنين 06 فبراير 2012

القراءة الأحادية للديمقراطية!


عبد الله بن علي العليان

يعتبر مفهوم الديمقراطية في مضمونه العام أن يكون الشعب سيد قراره في الاختيار من يريدهم يمثلونه في المجالس النيابية والتشريعية، وهو كذلك صاحب السيادة في قدرته على الممارسة والإرادة الحرة في اختيار ما ينوب عنه في السلطة من خلال الاقتراع والانتخاب وهو ما يسمى وكلاء عنه في المجالس والمؤسسات التشريعية والبلدية وغيرها من المؤسسات الأخرى، وهذا يعني أن الشعب الذي يختارهم يمثلون إرادته الحرة ويصبح اختيارهم لا رجعة عنه في هذه الممارسة الديمقراطية المعاصرة وفق مفهومها الذي صاغته التجربة الغربية نفسها.

وهؤلاء الذين قالوا في أهلية وشجاعة التجربة الديمقراطية أنها الاختيار الحر النزيه هو خشبة الخلاص لكل معاناة بني البشر لأنها تحد من المظالم الديكتاتورية والتي تنتج العنف والتطرف والفساد والفقر إلخ.

لكن الغرب الذي يقول بأفضلية الديمقراطية ودورها ونجاحها نراه ينقلب على هذه الديمقراطية، ويتنكر لمفهومها الذي يقوم على الاختيار الشعبي الحر، فالذي حدث في فلسطين من انتخابات نزيهة عبر صناديق الاقتراع، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخذوا مواقف تتعارض مع هذه النتائج، وعبر ممارسات غير ديمقراطية من حيث مطالبتهم حركة حماس الفائزة في هذه الانتخابات الماضية بالاعتراف ب"إسرائيل" قبل الحديث معها أو التفاوض أو استقبال قادتها! وهذا الموقف لا يعتبر ديمقراطياً ولا حتى منطقياً، فكيف يتم الاعتراف ب"إسرائيل" وهي محتلة لأرض فلسطين، وبموجب القرارات الدولية فإن "إسرائيل" لم تنسحب من الأراضي الفلسطينية حتى الآن.. فلماذا المظلوم والمهضوم حقه يعترف بالظالم ويسبق في اعترافه له قبل أن يعترف هذا المحتل بحقه في استرداد أرضه وحقوقه العادلة.

فهذه الممارسات غير ديمقراطية، فإذا كان الحل السلمي للقضية الفلسطينية عبر القرارات الدولية هو الأساس الأول لحل هذه القضية فلا بأس أن يكون الاعتراف متبادلاً، شريطة أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه كاملاً وبموجب القرارات الدولية التي لا يمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن التلفظ بها ليل نهار، لكن في مسارات أخرى ومواقف مرتبطة بقضايا سياسية أحادية.

فالديمقراطية وفق مفهومها لا تقبل القسمة على اثنين ولا تتجزأ ولا تتناقض مع نفسها إذا ما فسّرت وفق ما وضعها أصحابها في كتاباتهم ودساتيرهم. هل نلغي عقولنا ونقول ما فعلتموه صحيح؟! لا.. إذا كانت الديمقراطية خشبة الخلاص لتعاستنا وتأخرنا وفساد مؤسساتنا كما يقولون، فلنترك للديمقراطية أن تصحح هذا المسار وتجعله صالحاً وإيجابياً كما طرحوا هذا في المشاريع الإصلاحية.

لكن الإشكالية أن العقلية الإقصائية لا تزال تفعل فعلها في بعض صنّاع القرار في الغرب، حتى أنه يخيل إليك أن مصطلح [لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية] الذي يقوله البعض من الديكتاتوريين ترى وكأنها تطبق الآن وفق مفاهيم والتباسات أخرى خارج سياقها الفكري والسياسي والأيديولوجي.

ولذلك فإن فلسفة الحرية عند البعض تقوم بصورة انتقائية فإذا رأت هذه القوى أنها - أي الديمقراطية - ستخرج عن هذا الحيز فإنهم سوف يرفضونها ويركلونها في مسيرتهم، وربما داسوا نتائجها كما حصل في العديد من بلاد العالم لأسباب لا تخفى على المتابع الحصيف.

ومن هنا فإن الحداثة الغربية - ومنها الديمقراطية - التي بشروا بها بأنها ستكون إنسانية وعامة كما يقول د/ محمد عابد الجابري، انقلبت على نفسها من خلال مسيرتها حيث نشرت قيماً ليبرالية "في أوروبا، كانت لصالح الإنسان الأوروبي بدون شك، ولكن الحداثة الأوروبية أخفقت في تحقيق مشروعها كاملاً، مشروع جعل الإنسان هو القيمة العليا، وذلك عندما تطورت الأوضاع بأوروبا إلى أن أصبحت الحداثة الأوروبية فيها تتغذى مما كانت ترفض التفكير فيه ومما كانت تستنكره، أعني استغلالاً الإنسان للإنسان وسلب حرياته.

لقد تطور الأمر بالحداثة الأوروبية إلى الاستعمار والإمبريالية، على المستوى الخارجي، وإلى سجن الإنسان، على المستوى الداخلي الأوروبي - الأميركي، في نظام اجتماعي اقتصادي ثقافي تكنولوجي جعل منه إنساناً ذا بعد واحد، حسب تعبير ماركيوز. وبذلك فقدت الحداثة الأوروبية طابعها الإنساني وأصبحت هدفاً لسهام النقد في الغرب نفسه: لقد أفرزت ما يشبه النقيض لما كانت تطمح إليه في البداية."

وربما يرون أنهم أحق بالديمقراطية والحفاظ عليها، أما غيرهم فلا يستحقون هذه الميزة في الاختيار، ولا يهم ماذا يجري لو تم القضاء على هذا الاختيار، فليتقاتلوا وليتناحروا ليل نهار فيما بينهم، فالمهم أن مصلحتهم لا تتوافق مع هذا الاختيار. وتلك قضية جديرة بالتأمل والبحث والاستقصاء. الديمقراطية فكرة محايدة، ولكن البعض يحاول أن يأدلجها بأفكار وأطروحات منافية لجوهرها الإيجابي ونظرتها العامة للإنسان. صحيح أن الديمقراطية ليست خالية من العيوب والسلبيات، ولكنها في آلياتها المختلفة ربما تحقق نجاحات في تطبيقاتها العملية خاصة في المجالس وآليات الاقتراع والتعددية في الآراء والاختيار الحر النزيه.

كاتب وباحث عماني
صحيفة الوطن العمانية
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية