القـدس بتتـكلم (عبـري) ...بقلم : النائب سميرة حلايقة

السبت 13 أغسطس 2011

القـدس بتتـكلم (عبـري)


النائب سميرة حلايقة

عذرا لهذا العنوان من كل المسلمين والعرب.. فالقدس لم تعد في العيون، القدس مخلوعة من محجريها ورموشها جنود يرطنون العبرية وجفونها حدود وجدر، وحاجباها مشنوقة بجدائل (السكناج) روادها مطاردون وأبناؤها مطرودون.

يوم الجمعة الثانية من رمضان يوم لن أنساه، وقد أرخته في مدونتي، لأنني استقبلت هذا اليوم بالدموع وفارقته بالدموع، ففي هذا اليوم انتهزت الفرصة بالمساحة المتبقية لنا للدخول إلى المسجد الأقصى لأجل الصلاة، حيث لم أتمكن من الدخول إلى المسجد منذ خمس سنوات لأن الشروط المسموح بها للدخول إلى الأقصى لم تنطبق علينا إلا هذا العام وقد صدمت لهول المتغيرات في هذه الأعوام الخمسة وصدمت أيضا من حجم التحصينات والإجراءات المفروضة على دخول الفلسطينيين إلى مقدساتهم وأوطانهم.

ففي الساعة الثالثة من فجر الجمعة الثانية وقفت في الطابور، الممتد لأمتار طويلة على بوابة يسمونها بوابة (راحيل)، ان معالم المكان اختفت بسبب البوابات الالكترونية والحواجز الحديدية والأسلاك الشائكة، وضيق المكان لا يسمح لأكثر من شخصين بالوقوف أمام جنديين احدهما يستلم التصاريح والآخر يدقق في البطاقات الشخصية، وبعد أن حدد عمري سمح لي بالدخول إلى مساحة اوسع قليلا ،وقفت أمام مجندة قصيرة القامة تحمل في يمينها آلة الفحص سألتني ما الذي احمله في حقيبتي، فقلت لها سجادة صلاة، وبعدها إلى معبر طويل كان على أوله جنود يصرخون بالطابور بلغة عربية مكسرة (لخورا ) أي إلى الوراء وإلا (بيروخ عالمسكوبية).

كانت باصات عربية تحمل لوحات القدس بالانتظار، وقبل أن تتحرك الحافلة أخذت دموعي في الانهمار، حتى دخلت المسجد الأقصى، بسبب أنني شعرت بغربة المكان، فالشوارع ليست شوارع القدس، وحروفها تنطق بالعبرية البحتة، أنفاق وجسور وجدر تقطع أوصال المكان، أميال قليلة وكل ما اصطف على الشوارع يتحدث بلغه الغرباء .

وعلى باب العمود وقبل أن يغص المكان بالمصلين كانت خيوط الفجر تتسلل إلى الأسوار وقفت انظر إلى عشرات عناصر الشرطة الإسرائيليين وشرطيات علا صوتهن في المكان حتى ترددت الأصداء.

على البنايات القديمة كان الجنود يراقبون حركة المصلين وفي الشوارع الضيقة كان أبناء المستوطنين يتجولون حتى ساعات الفجر الأولى، وأصحاب السوالف الطويلة والطاقية السوداء يسرحون ويمرحون، المستوطن بجانب المصلي، وما أن وضعنا أقدامنا داخل الأسوار حتى ارتفع صوت المقرئ ( قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) الحجرات "14" هنا استوقفتني الآية هل حقا أن هؤلاء المصلين جاءوا للمرابطة، وكم هي المساحة التي سيسمح لنا نحن الفلسطينيين لأحياء هذه الفريضة.

تجولنا قليلا قبل أن يغص المكان بالمصلين رأينا على باب الاسباط رجلا عجوزا يبيع الصحف اليومية، علا صوته .. جريدة.. جريدة..، رجل متزوج من أربع نساء..!؟ في الزاوية المقابلة كان ستة عناصر من الشرطة رد احدهم باستهزاء نحن مسموح لنا بالزواج من سبعة.! فرد عليه الرجل الفلسطيني العجوز أنت لا تستطيع الزواج بواحدة. رد الشرطي باستهزاء مرة أخرى . جريدة.. جريدة، ولوح في يده بورقة عليها قائمة أسماء، وصرخ في العجوز قائلا لقد قامت قوات الاحتلال بمداهمة واعتقال كاشارة تهديد للعجوز الذي كان يرد للشرطة (صاعين من الكلام )....

تركنا المكان واتجهنا إلى زاوية أخرى.وخلال الصلاة وفترة البقاء في الأقصى شاهدنا الكثير من المفارقات، ففي الوقت الذي حدد الاحتلال شروط الدخول إلى الأقصى للصلاة،كانت ساحات الأقصى تغص بالنساء من مختلف الاعمار وبدأت (الأجواء خالية من الرجال في سن الشباب وهذا جعلني اترك تساؤلا آخر، هل يستطيع الاحتلال خلال السنوات القادمة من منع الشباب من التعرف على معالم القدس والأقصى.؟؟وهل تبقى هناك ذاكرة كافية لدى هذا الجيل للاحتفاظ بحق المرابطة وبعد الصلاة والدعاء، كان عشرات الآلاف يتزاحمون للخروج من باب الغوانمة باتجاه باب العمود، الجموع كانت تمر من تحت قنطرة معلق عليها علم الاحتلال وعلى أعلى البناية القديمة كان الجنود يراقبون المصلين وهم يتناولون العصائر، قال لنا احدهم أن هذا المنزل كان قد استولى عليه رئيس الوزراء الأسبق (شارون) وهو مزروع كالشوكة في طهارة المكان.

وقفت على مدخل باب العمود بعد ساعة كاملة من الزحف تحت أشعة الشمس اللاهبة لشدة الازدحام وكنت مرفوعة الرأس بهذه الزحوف، وقف إلى جانبي شاب عربي كان يستخدم الهاتف ويحادث شخصا آخر، هذا الشاب كان يتكلم بلغة مختلطة، فكل ثلاث كلمات باللغة العبرية كان يزج بكلمة عربية، سألت نفسي للمرة الثالثة بعد أعوام قليلة هل ستختفي الكلمة الرابعة من محادثة هذا الشاب نهائيا؟وللأسف لم يكن هذا الموقف يتيما بل أن معظم المارين والمتحدثين كانوا يتكلمون في هواتفهم بذات الطريقة، وقفت وزميلتي نبحث عن سيارة أجرة تقلنا إلى مقر الصليب الأحمر في القدس، فهناك عيون القدس الساهرة والتي يحاول الاحتلال اقتلاعها، تحدثت إلى عدد من السائقين أن كان بإمكانهم إيصالنا إلى مقر الصليب فكان السائق يطلب مني تصريحا؟؟ زادت غصتي عندما علمت أن السائقين في القدس يعاقبون بالاعتقال وسحب السيارات كعقوبات على نقلهم لمواطني الضفة، لكن كانت رغبتنا هي الوصول إلى مقر الصليب وقد وصلنا.

المكان: مقر الصليب الأحمر في حي الشيخ جراح بمدينة القدس خيط فقط يفصل بين نوابها ووزيرها المهددين بالإبعاد وبين إجراءات الاحتلال لاعتقالهم أو إبعادهم، فحدودهم هي حدود مقر الصليب الأحمر، عدد من المتضامنين كانوا يجلسون بينهم النائب أحمد عطون والنائب محمد طوطح والوزير خالد عرفة وفي صدر المكان علقت يافطة عليها صورهم بالإضافة إلى صورة النائب المبعد حاليا محمد أبو طير، هنا سأتوقف عن الوصف، هنا فقط سيسكت القلم، ليس امتناعا عن التعبير لكن عجزا عن الوصف.

لكن بعد أربعة عشر شهرا من الصمود حدثونا عن قصة التهويد، عام يمضي وتاريخ جديد، يسلب المرء حقه في البقاء على وطنه كيف برأيكم تقبلون هذا، بلابل الدوح تذبح من الوريد إلى الوريد، وزعماؤنا يتسكعون على حطام الكراسي، هل صدقتهم أن القدس تهود..!! هل صدقتم أن القدس تهود قال زميلي.!! لكن زميلي استدرك قائلا من يريد أن يبتاع الصمود فليأتي هنا، وكما قال زميلي وأبدع :( نحن لسنا أولئك الذين تركوا القدس قبل أن تأتيهم قرارات الإبعاد ولما أتتهم مددت بأخرى، نحن هنا أصحاب الحق والحق لا يموت ولا يتحول.

في مقر الصليب الأحمر فقط سمعنا القدس تتحدث بلغة الإسلام والعروبة، فرسانها ثلاثة ورابعهم أجبر على الخروج ، في مقر الصليب فقط وقفنا احتراما وتقديرا للمؤسسة الحاضنة لهؤلاء المهددين، وقفنا تقديرا لعوائل النواب ووزير القدس وهم يلتفون حول قناعاتهم أن الحق لا يموت ما دام خلفه مطالب.؟
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية