علي بدوان
مع الأيام الأولى من شهر نوفمبر، يعاود الكنيست الإسرائيلي دورة أعماله الجديدة بعد انتهاء العطلة المقررة له، وعلى جدول أعماله عدد من العناوين ومشاريع القرارات المتعلقة بالعرب الفلسطينيين من "مواطني الدولة"، والمقصود بهم المواطنون العرب الفلسطينيون أصحاب الوطن الأصليين، الذين بقوا في فلسطين بعيد عام النكبة، والذين تصاعدت ضدهم الهجمة العنصرية بشكل ملحوظ في الفترات الأخيرة، من قبل المؤسسات العامة والخاصة في "إسرائيل"، في حرب صريحة وواضحة لإرغامهم على تقبّل وضعهم، ليس فقط "كمواطنين" من الفئة الثالثة أو الرابعة، بل كفئة مضطهدة ومحرومة من معظم الحقوق والخدمات، وفي ظل تهديد مستمر لبقائهم فوق أرض وطنهم التاريخي.
مشروع القرار الأول يتعلق بما يسمى "شروط المواطنة"، التي تمس مباشرة المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل"، حيث تكاثرت الدعوات الصادرة في الفترات الأخيرة من المحافل السياسية والحزبية الإسرائيلية، الداعية للتعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء الدولة على أساس "المواطنة المشروطة"، والتي تعني أن حقوق مواطنتهم تأتي مقابل ما سمي بواجباتهم، أي ولائهم لدولة اليهود، والاعتراف بيهودية الدولة، والمساهمة العملية في "الدفاع عن الدولة" من خلال تجنيدهم في المؤسسات العسكرية والأمنية الصهيونية، وإلزامهم جميعهم بالخدمة العسكرية، التي ما زالت مقتصرة على المواطنين العرب الفلسطينيين من طائفة الموحدين (الدروز)، وعلى المواطنين العرب من أبناء القبائل البدوية في النقب والشمال، فضلاً عن أبناء الأقليات القومية محدودي العدد (الشركس والتركمان).
ومشروع القرار الثاني يتعلق باللغة العربية، حيث يدعو المشروع لإسقاطها من كونها لغة ثانية في الدولة إلى جانب اللغتين العبرية والإنجليزية، وقد بادر إلى طرحه وضمن آخرين، رجل الاستخبارات المعروف الجنرال آفي ديختر (من حزب كديما)، وزئيف ألكين (من حزب الليكود) ودافيد روتم (من حزب "إسرائيل بيتنا")، وهو يُعيد تصميم بعض التفاصيل حول طابع "دولة إسرائيل". مثلا، يقرر بأن اللغة الرسمية الوحيدة في "إسرائيل" هي اللغة العبرية، وأن من شروط المواطنة أمام أي فرد يأتي أن يمتلك اللغة العبرية، وذلك رغم أنه حتى اليوم يعترف بالعربية والإنجليزية كلغتين رسميتين في "إسرائيل".
أما مشروع القرار الثالث، فمن المقرر أن يتقدم به أيضاً، عضوا الكنيست الجنرال آفي ديختر وزئيف ألكين، ويتضمن تعريف إسرائيل كـ"دولة قومية للشعب اليهودي"، ليتم تغيير التعريف الدارج ل"إسرائيل" كـ"دولة يهودية ديمقراطية"، ليصبح مفهوم "النظام الديمقراطي في إسرائيل" تابعاً لتعريف الدولة كـ"وطن قومي للشعب اليهودي". ومن المعلوم أن شعار "يهودية الدولة" يعني في ما يعنيه، المس بحقوق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين داخل حدود العام 1948، وتهديد مستقبلهم وحياتهم ووجودهم في البلاد.
إن تلك الأطروحات ومشاريع القرارات المقدمة أو التي ستقدم للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في دورته الحالية، نابعة أساساً من الأيديولوجية الصهيونية العنصرية الإحلالية، التي اصطبغ بها مسار الدولة العبرية وفلسفة وجودها، منذ قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
ومن المفارقات أن بعض ألوان "اليسار الصهيوني" العلماني، قد تبنت وروجت لمقولة "يهودية الدولة"، قبل اليمين الديني التوراتي المتشدد، وقبل اليمين العقائدي العلماني، حيث تماهت أحزاب "اليسار العمالي الصهيوني" مع أحزاب اليمين، بل وهرولت أمامها في تقديم مواقفها النابعة من أيديولوجيتها الصهيونية. فمقولة "الدولة اليهودية" ليست من صنع بنيامين نتنياهو ولا المتطرف اليهودي الروسي الأصل أفيغدور ليبرمان، بل هي أساساً من صنع شيمون بيريز ومدرسته الأيديولوجية والسياسية في حزبه السابق، حزب العمل (الماباي والمابام)، وهو الحزب المؤسس للدولة العبرية.
وفي إشارات واضحة على تنامي العنصرية "الإسرائيلية الصهيونية" ضد المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل"، أعطت استطلاعات الرأي التي أجريت في شهر أكتوبر الماضي، ومنها الاستطلاع الأخير الذي أجراه معهد "إسرائيل للديمقراطية"، مؤشرات واضحة في هذا المسار. فقد بينت نتائج الاستطلاع أن 79% من العينة العشوائية من اليهود الذين تم استطلاع آرائهم، يؤيدون إقصاء وعزل فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 (الذين يطلق عليهم البعض "عرب إسرائيل")، عن صناعة القرار في الدولة العبرية بشكل نهائي وتام.
كما أشارت نتائج الاستطلاع في جانب منها، إلى أن 55% من الإسرائيليين يعارضون اتفاقاً على تسوية تشمل انسحاب الاحتلال إلى خطوط 1967، مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. ورأى 66% منهم أنه ليس هناك أي احتمال مستقبلي لاتفاق مع الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته أبدى نصفهم مخاوف وجودية على مستقبل إسرائيل. وبدا أن 67% منهم يعتقدون أن رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، لا يؤمن بإمكان التوصل لتسوية، علماً بأن 76% منهم منحوا نتنياهو علامة "جيد جداً" في أدائه السياسي.
وفي هذا المسار من الصعود المتنامي لنفوذ اليمين الإسرائيلي، بشقيه العلماني والتوراتي، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة والمتعلقة بمدى ما يمكن أن تحصل عليه الأحزاب الإسرائيلية في الانتخابات البرلمانية القادمة، تزكي ما ذهبنا إليه، وقد أشارت لتوقعات تفيد بارتفاع أسهم حضور حزب الليكود وحزب "إسرائيل بيتنا"، مقابل تراجع حضور ونفوذ باقي الكتل الحزبية، ومنها حزب "كاديما".
ومختصر القول، إن المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، أمام تحديات كبيرة تمس وجودهم واستمرارهم داخل وطنهم. فنبرات التطرف الإسرائيلية تتصاعد كل يوم، على ألسنة العديد من القادة الإسرائيليين من مختلف التلاوين والأحزاب، وهي تدعو لإحكام المزيد من التضييق عليهم وعلى نوابهم في الكنيست.
وانطلاقاً من ذلك فإن الجهود العربية داخل حدود العام 1948، يفترض أن تتجه نحو تحشيد صفوف كل الأحزاب والقوى والمؤسسات العربية، وأن تتكامل مع جهود أعضاء الكنيست العرب، في مواجهة مشاريع القرارات التعسفية التي تمسهم مباشرة، المقدمة إلى الكنيست الصهيوني.
صحيفة البيان الإماراتية
مشروع القرار الأول يتعلق بما يسمى "شروط المواطنة"، التي تمس مباشرة المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل"، حيث تكاثرت الدعوات الصادرة في الفترات الأخيرة من المحافل السياسية والحزبية الإسرائيلية، الداعية للتعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء الدولة على أساس "المواطنة المشروطة"، والتي تعني أن حقوق مواطنتهم تأتي مقابل ما سمي بواجباتهم، أي ولائهم لدولة اليهود، والاعتراف بيهودية الدولة، والمساهمة العملية في "الدفاع عن الدولة" من خلال تجنيدهم في المؤسسات العسكرية والأمنية الصهيونية، وإلزامهم جميعهم بالخدمة العسكرية، التي ما زالت مقتصرة على المواطنين العرب الفلسطينيين من طائفة الموحدين (الدروز)، وعلى المواطنين العرب من أبناء القبائل البدوية في النقب والشمال، فضلاً عن أبناء الأقليات القومية محدودي العدد (الشركس والتركمان).
ومشروع القرار الثاني يتعلق باللغة العربية، حيث يدعو المشروع لإسقاطها من كونها لغة ثانية في الدولة إلى جانب اللغتين العبرية والإنجليزية، وقد بادر إلى طرحه وضمن آخرين، رجل الاستخبارات المعروف الجنرال آفي ديختر (من حزب كديما)، وزئيف ألكين (من حزب الليكود) ودافيد روتم (من حزب "إسرائيل بيتنا")، وهو يُعيد تصميم بعض التفاصيل حول طابع "دولة إسرائيل". مثلا، يقرر بأن اللغة الرسمية الوحيدة في "إسرائيل" هي اللغة العبرية، وأن من شروط المواطنة أمام أي فرد يأتي أن يمتلك اللغة العبرية، وذلك رغم أنه حتى اليوم يعترف بالعربية والإنجليزية كلغتين رسميتين في "إسرائيل".
أما مشروع القرار الثالث، فمن المقرر أن يتقدم به أيضاً، عضوا الكنيست الجنرال آفي ديختر وزئيف ألكين، ويتضمن تعريف إسرائيل كـ"دولة قومية للشعب اليهودي"، ليتم تغيير التعريف الدارج ل"إسرائيل" كـ"دولة يهودية ديمقراطية"، ليصبح مفهوم "النظام الديمقراطي في إسرائيل" تابعاً لتعريف الدولة كـ"وطن قومي للشعب اليهودي". ومن المعلوم أن شعار "يهودية الدولة" يعني في ما يعنيه، المس بحقوق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين داخل حدود العام 1948، وتهديد مستقبلهم وحياتهم ووجودهم في البلاد.
إن تلك الأطروحات ومشاريع القرارات المقدمة أو التي ستقدم للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في دورته الحالية، نابعة أساساً من الأيديولوجية الصهيونية العنصرية الإحلالية، التي اصطبغ بها مسار الدولة العبرية وفلسفة وجودها، منذ قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
ومن المفارقات أن بعض ألوان "اليسار الصهيوني" العلماني، قد تبنت وروجت لمقولة "يهودية الدولة"، قبل اليمين الديني التوراتي المتشدد، وقبل اليمين العقائدي العلماني، حيث تماهت أحزاب "اليسار العمالي الصهيوني" مع أحزاب اليمين، بل وهرولت أمامها في تقديم مواقفها النابعة من أيديولوجيتها الصهيونية. فمقولة "الدولة اليهودية" ليست من صنع بنيامين نتنياهو ولا المتطرف اليهودي الروسي الأصل أفيغدور ليبرمان، بل هي أساساً من صنع شيمون بيريز ومدرسته الأيديولوجية والسياسية في حزبه السابق، حزب العمل (الماباي والمابام)، وهو الحزب المؤسس للدولة العبرية.
وفي إشارات واضحة على تنامي العنصرية "الإسرائيلية الصهيونية" ضد المواطنين الفلسطينيين في "إسرائيل"، أعطت استطلاعات الرأي التي أجريت في شهر أكتوبر الماضي، ومنها الاستطلاع الأخير الذي أجراه معهد "إسرائيل للديمقراطية"، مؤشرات واضحة في هذا المسار. فقد بينت نتائج الاستطلاع أن 79% من العينة العشوائية من اليهود الذين تم استطلاع آرائهم، يؤيدون إقصاء وعزل فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 (الذين يطلق عليهم البعض "عرب إسرائيل")، عن صناعة القرار في الدولة العبرية بشكل نهائي وتام.
كما أشارت نتائج الاستطلاع في جانب منها، إلى أن 55% من الإسرائيليين يعارضون اتفاقاً على تسوية تشمل انسحاب الاحتلال إلى خطوط 1967، مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. ورأى 66% منهم أنه ليس هناك أي احتمال مستقبلي لاتفاق مع الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته أبدى نصفهم مخاوف وجودية على مستقبل إسرائيل. وبدا أن 67% منهم يعتقدون أن رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، لا يؤمن بإمكان التوصل لتسوية، علماً بأن 76% منهم منحوا نتنياهو علامة "جيد جداً" في أدائه السياسي.
وفي هذا المسار من الصعود المتنامي لنفوذ اليمين الإسرائيلي، بشقيه العلماني والتوراتي، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة والمتعلقة بمدى ما يمكن أن تحصل عليه الأحزاب الإسرائيلية في الانتخابات البرلمانية القادمة، تزكي ما ذهبنا إليه، وقد أشارت لتوقعات تفيد بارتفاع أسهم حضور حزب الليكود وحزب "إسرائيل بيتنا"، مقابل تراجع حضور ونفوذ باقي الكتل الحزبية، ومنها حزب "كاديما".
ومختصر القول، إن المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، أمام تحديات كبيرة تمس وجودهم واستمرارهم داخل وطنهم. فنبرات التطرف الإسرائيلية تتصاعد كل يوم، على ألسنة العديد من القادة الإسرائيليين من مختلف التلاوين والأحزاب، وهي تدعو لإحكام المزيد من التضييق عليهم وعلى نوابهم في الكنيست.
وانطلاقاً من ذلك فإن الجهود العربية داخل حدود العام 1948، يفترض أن تتجه نحو تحشيد صفوف كل الأحزاب والقوى والمؤسسات العربية، وأن تتكامل مع جهود أعضاء الكنيست العرب، في مواجهة مشاريع القرارات التعسفية التي تمسهم مباشرة، المقدمة إلى الكنيست الصهيوني.
صحيفة البيان الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية