لعله بات من المسلمات القول إن أخطر ورقة ابتزاز يمكن يمكن استخدامها ضد غزة الآن هو ربط عودة الكهرباء بموضوع المصالحة، وترك المسألة عرضة لحلول طارئة وترقيعية وآنية لا تعالجها من جذورها ولا تضع حداً نهائيا وجذريا لها!
لقد عاش أهل غزة بما فيه الكفاية في ظل هذه المعاناة، حتى بات انقطاع التيار الكهربائي يومياً لساعات طويلة أمراً عادياً ومألوفا، رغم أن الأصل عدم الاستكانة لتلك الأزمة كل تلك المدة، بل تقديم حلّها على الكثير من الأولويات، لأن اعتياد أهل غزة على تقبّل انقطاع التيار الكهربائي يعني تهيئتهم لقبول أشكال أخرى ومتعددة من الحصار، والاضطرار للتكيف مع مختلف ضروب العيش القاسي مهما كان جائرا.. وهنا ينبغي التفريق دائماً بين الصمود كثقافة وبين القبول بالضيم والسكوت عنه، فالأول محمود، والثاني مذموم ويستحق المقاومة.
لقد أبدعت غزة في تحدي الكثير من مظاهر الحصار، وفي إفشال بعضها، لكن مشكلة الكهرباء ظلّت مقيمة، بينما لم يكن هناك من يكترث لهذه المشكلة من خارج حدود القطاع أو يراها مأساة حقيقية، فيما لم تكن تلك المشكلة تصدّر إلى واجهة الإعلام بشكل مستمر، وظلت إثارتها موسمية تقتصر على الأوقات التي يصل فيها القطاع إلى حدود كارثة إنسانية، وحين تصبح غزة كلّها بلا كهرباء، وتصل المستشفيات ومرافق الحياة الأساسية لحافة الخطر!
والآن تزامنت عودة الأزمة مع توقيع اتفاق المصالحة، وهناك من سيروقه أن تغدو كهرباء غزة إحدى ملفات المصالحة، والمنتظرة تحققها لتعود للحياة! رغم أن الأمر ينطوي على خطورة كبيرة، وسيعني أن غزة ستظل رهينة الكهرباء كما أن غيرها اليوم رهين للرواتب وأموال الضرائب المحوّلة من الجانب الإسرائيلي.
ولعل المسؤولية الكبرى اليوم تتوزع ما بين حكومة غزة وثورة الشعب المصري، لأنه ما عاد مقبولاً ولا معقولاً ألا تبادر حكومة غزة لاستثمار نتائج الثورة المصرية باتجاه رفع الحصار بأشكاله كافة عن غزة، وبغضّ النظر عن تطورات اتفاق المصالحة. كما لم يعد مقبولاً ألا تتدخل إرادة الثائرين على المستوى الشعبي والحزبي وفي مجلس الشعب لكي تضغط على الحكومة الانتقالية ومن خلفها المجلس العسكري لكي يبادر للمساهمة في حلّ أزمة يملك حلّها بشكل جذري حتى لو تطلبت بعض الوقت، وبما يغني غزة عن البقاء تحت رحمة الإرادة الصهيونية التي تسرف دائماً في استهداف البنى التحتية للقطاع وفي تدمير مقوّمات صموده وحياته.
إن هذه المشكلة ذات أبعاد إنسانية بحتة، وهي تتعلق بحق المواطن الغزي كإنسان في الحصول على حقوقه الأساسية قبل أي شيء آخر، ويفترض ألا يطرح أصلاً ربط حلّ مشكلة من هذا النوع بالتطورات في ملف المصالحة، لأن هذا إخضاع ورهن للقرار، وهو أمر لا تحتمله غزة ولا أي صاحب ضمير حرّ داخلها وخارجها.
أما إن انعدمت الوسائل؛ فلعلّ الشعب الغزي الذي سبق أن اقتحم معبر رفح في عهد مبارك قادر على أن يعيد الكرّة مطالباً بحقه، والفرق أن تحركه هذه المرة سيجد صدى قوياً ومدوياً في جميع أرجاء مصر الثورة.
قد لا يكون هذا الحلّ الأفضل، ولكن إن لم يكن منه بدّ فعلى السياسة أن تتنحى جانباً لتترك للشعب أن يقول كلمته ويكسر حصاره بشكل نهائي ومرّة واحدة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية