المحرر الصفدي: على الفصائل استنهاض قوى الشارع لمزيدٍ من نصرة الأسرى
أكد الأسير المحرر حسن الصفدي الذي أضرب عن الطعام لـ 168 يوماً في إضرابين منفصلين أنه كان يشعر "كلما زاد يوم في إضرابنا عن الطعام، زاد فيه مأزق الاحتلال، الذي كان يبحث عن مخرج من هذه المعركة، عن أي مخرج ينهي هذه المعركة منتصراً فيها، ولم أكن أجد له فيها، إلا الهزيمة".
وقال الصفدي في حديث له الخميس (1-11)، إن حرمانه من حقوقه داخل سجنه، وعدم معرفة ذويه عن مكان وجوده لـ 9 أشهر، ومنعه من زيارتهم والاتصال بهم، هو ما دفعه لانتزاع حريته بنفسه.
وتابع "عند خوضنا الإضراب قلنا لإدارة السجن إننا سنخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام، لا ضد إدارة السجن، بل ضد المخابرات الصهيونية، التي قررت اعتقالنا"، وأشار إلى أن الاحتلال عمل على إخضاع غرفته للتفتيش اليومي للضغط عليه، حيث كان يتم ذلك من 3 إلى 4 مرات يوميًّا، علماً بأنه صادر كل حاجاته، وحتى ملابسه الخاصة، واستبدلها بملابس للصليب الأحمر.
وفيما يلي نص الحوار كاملًا:
ما الذي دفعك لخوض إضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام؟
لقد أمضيت في سجون الاحتلال ما يزيد عن تسعة أعوام في الاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة، ومع كل اعتقال يتم تهديدي بزجي باعتقال إداري لخمس سنوات، وفي الاعتقال الذي سبق اعتقالي الأخير، أمضيت 43 شهراً في الاعتقال الإداري، تنفيذاً لتهديد ضباط المخابرات، ولم يكن قد مضى على تحرُّري سوى أشهر معدودة، وفي اعتقالي الأخير هذا، حُرمت من كل حقوقي، فلم يعرف أهلي عن مكان وجودي لـ 9 أشهر، ومنعت من الزيارة، ومن الاتصال بأهلي، فكان لا بدَّ لي، من انتزاع حريتي بنفسي.
لا أعتقد أن المرء يمكن له دخول إضراب مفتوح دون استعداد مسبق، فكيف هيأت نفسك جسديًّا ونفسيًّا لخوض هذا الإضراب غير المحدد بسقف زمني؟
قبل الإضراب بـ 15 يومًا، بدأت أهيئ جسدي للإضراب، بعد أن حزمت قراري، بالامتناع عن الأكل، والاقتصار على شرب الحليب، وبعدها كتبت ورقة أنا وأخي عمر أبو شلال الذي شاركني إضرابي الأول بطوله، وكان معي في نفس الغرفة، ورفعناها إلى إدارة السجن، قلنا لهم فيها: بأننا سنخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام، ولا نخوضه ضد إدارة السجن، بل ضد المخابرات الصهيونية، التي قررت اعتقالنا، وبعد مرور 3 أيام وتأكد الإدارة من جدية وصلابة قرارنا، قاموا بنقلنا إلى زنازين سجن الجلمة، وهنا بدأ مسلسل الضغط الممارس علينا لفك الإضراب.
حدثنا عن هذه المرحلة، وعن الوسائل التي استخدمها الاحتلال لثنيك عن إضرابك، وكيف واجهتها؟
قاموا بنقلي من زنزانة إلى زنزانة في محاولة لإرهاقي جسديًّا، فأعلنت إضراباً آخر عن الماء، فأعادوني إلى قسمي في سجن مجدو، بشرط أن أشرب الماء، وبعد يومين نقلوني إلى زنازين تحقيق سجن الجلمة، فأضربت عن الماء 7 أيام، فزادوا من الضغط عليَّ، من التفتيش اليومي الذي كان يتم من 3 إلى 4 مرات يوميًّا، علماً أنه لا يوجد في الغرفة ما يدعو للتفتيش، ولم أكن أملك إلا غطاءً وفرشة النوم، حتى فرشة النوم كانت فقط عبارة عن اسفنجة بدون وجه يغطيها، بعد أن صادروا كل حاجاتي، وقاموا حتى بمصادرة ملابسي، وأعطوني بدلاً منها ملابس من الصليب الأحمر، وبعد هذه المدة من الإضراب عن الماء، تدهورت كثيراً حالتي الصحية، وشعرت بآلام حادة في الكلى، فنقلوني إلى مستشفى (أساف هروفيه) ومكثت فيه ليومين، ومن ثم نقلوني إلى ما يسمى مستشفى سجن الرملة، لنفس الغرفة التي كان فيها الأسيران المضربان: عمر أبو شلال، ومحمود السرسك، وهناك رفضت تناول أيٍّ من المحاليل، أو أي نوع من الفيتامينات، فبدأ ضباط الأمن والاستخبارات بشن هجوم نفسي وجسدي عليَّ؛ فعلى الصعيد النفسي: بدأوا بطرح عروض بإبعادي، وكان كل يوم يأتي بالحد الأدنى أحد القادة الكبار من أجهزة الأمن الصهيونية لتجديد العرض، وتوالت عروض الإبعاد إلى تركيا، وقطر، والباكستان..، وقالوا لي: إذا وافقت على الإبعاد، فإن التنفيذ سيكون في أقل من عدة ساعات، وكان الجواب الرفض القاطع والتام، وأن لا عودة إلا إلى منزل أهلي في نابلس وفقط إلى نابلس، فبدأوا بتكثيف عمليات تفتيش غرفتي، وقاموا بوضع شباك من "الفيبر جلاس" المقوى العازل على نافذة شباك الباب الوحيدة في الغرفة.
ماذا عن وضعك الصحي، كيف كان في تلك الفترة؟
زاد التدهور في حالتي الصحية، وكنت قد دخلت الثلث الأخير من الإضراب الأول عن الطعام، وبدأ وقتها الإضراب العام في السجون، وبدأ الإضراب يأخذ صدىً شعبيًّا وإعلاميًّا أبعد، وكنا نشعر أنه كلما زاد يوم في إضرابنا عن الطعام، زاد فيه مأزق الاحتلال، الذي كان يبحث عن مخرج من هذه المعركة، عن أي مخرج ينهي هذه المعركة منتصراً فيها، ولم أكن أجد له فيها، إلا الهزيمة، وفي اليوم 61، رفضت أخذ المحاليل والأدوية، ردًّا على ضغوطهم عليّ، فهددوني بإعطائي إياها بالقوة، وبعد 11 يوماً جاءتني لجنة تسمى (فعدات أتيكا) وهي لجنة من الأطباء النفسيين والمختصين والحقوقيون وطاقم من المحكمة العليا، وتدخل وقتها أيضاً الصليب الأحمر، ليفاوضوني على أخذ العلاج، فرفضت، فبدأت مجدداً إضراباً عن الماء والملح، فأحضروا لي 30 عسكريًّا وضابطاً، أمام الصليب الأحمر، وانقضوا عليَّ، وقيَّدوا يديَّ ورجليَّ، وطرحوني أرضاً، ثم ربطوني بالسرير (البرش)، وجرٍّعوني الماء والملح، وإبر البوتاسيوم بالقوة، وهنا دخلت بإضراب عن الكلام، وقمت برفع قضية على إدارة السجن لاعتدائهم عليَّ، فلم أجد لها صدىً، عند دولة لا تحترم أي قانون وتعتقلني بلا تهمة.
إذًا فكيف انتهى إضرابك الأول عن الطعام؟
استمررت في إضرابي حتى اليوم 73، وهنا تم توقيع اتفاق بين اللجنة العليا لقيادة الأسرى والإضراب العام، وإدارة مصلحة السجون الصهيونية، وكان من ضمن بنوده: التعهد بإطلاق سراحي وسراح المضربين: ثائر حلاحلة، وبلال ذياب، وعمر أبو شلال، وجعفر عز الدين، وبناءً على تدخل الإخوة وتأكيدهم على أن الاتفاق جرى بوساطة مصرية، وفي ثاني يوم لفك الإضراب العام في (16-5)، فككت إضرابي، ونقلتني الإدارة إلى مستشفى (أساف هروفيه) ومن ثم إلى سجن هداريم.
ما الذي جرى بعدها لتعود لإضرابك من جديد؟
في (21-6) وقبل أسبوع من موعد الإفراج عني، قامت المخابرات بنكث الاتفاق، وجددت لي الاعتقال الإداري 6 أشهر، فأعلنت فور سماعي للقرار الإضراب عن الطعام، فنقلوني إلى زنازين قسم 9 في سجن هداريم المغلقة، ووضعوني قرب غرفة فيها 4 مرضى مختلين عقليًّا، وبدأوا بإزعاجي ليلاً ونهاراً، بالطرق على الأبواب والجدران، حرموني خلالها النوم، في محاولة للضغط عليَّ لفك إضرابي، وكانت وقتها الإدارة تتعامل مع وضعي الصحي باهتمام بالغ، لا خشية على حياتي، بل خشية من استشهادي داخل سجونهم، فكان الطبيب يفحصني كل عدة ساعات للاطمئنان عليَّ، وفي (25-6) قلت لإدارة السجن: إن موعد الإفراج عني هو في (28-6)، فإذا جاء هذا اليوم دون الإفراج، فسأدخل بإضراب عن الماء، وعندها قاموا بنقلي إلى ما يسمى مستشفى الرملة، إلا أنه رفض استقبالي لسوء حالتي الصحية، فأرسلوني إلى مستشفي (أساف هروفيه) المدني، وبعد 4 أيام عدت لشرب الماء، وأمضيت كل الإضراب الثاني عن الطعام في هذا المستشفى، وأحيانا أنقل إلى ما يسمى مستشفى الرملة، ليوم أو يومين، ومن ثم يعاد إرجاعي إلى (أساف هروفيه) عند تدهور حالتي الصحية، لقلة الأدوية المتوفرة في الرملة، والأجهزة الطبية اللازمة، وهكذا، وزادت في تلك الفترة عروضات الإبعاد من قيادات أجهزة الأمن الصهيونية، إلا أن ردي كان: الإفراج إلى البيت فقط.
كيف كان رد الإدارة على صلابتك على موقفك ورفضك لكل عروض الإبعاد؟
في (3-8) الموافق لـ 15 رمضان، نقلوني إلى زنازين سجن هداريم، وقام مجموعة من الجنود باقتحام غرفتي، وكنت وقتها لا أقدر على الوقوف على قدمي، وأجلس على كرسي متحرك، فانهالوا عليَّ بالشتائم النابية والصراخ، وقاموا بإلقائي من على الكرسي، وقال لي الضابط المرافق لهم: ما بدنا تموت عنا، فرددت: إذًا أخرجني من هنا، فقال لي: أنت مجنون، لأنك تضرب رأسك برأس (دولة إسرائيل) لأن رأسك في آخر المطاف سيتحطم، فقلت له، رأسي أصلب من الجدار، والجدار هو الذي سيتحطم، وقلت له: "أنا أريد الشهادة، ولم تعد الأمور بتفرق عندي".
فوصلت وقتها الإدارة إلى طريق مسدود، فجاءني المحامي جواد بولص وقال لي: إن المحكمة قررت تخفيض الاعتقال الإداري لأربعة أشهر، في محاولة لاسترضائي، دون جدوى، وأعطوني بعدها قراراً جوهريًّا بالاعتقال، بمعنى أنه لن يكون هناك تمديد عقب هذا التمديد، فقلت له لن أفك إضرابي حتى يعطيني من قام باعتقالي (المخابرات) قراراً مكتوباً بالإفراج عني، عقب انتهاء مدة الاعتقال، وفي (25-9) أخبرني المحامي بصدور هذا القرار، فقلت له لن أفك إضرابي حتى أرى القرار بعيني، فأحضر ليَ المحامي نسخة منه ففككت إضرابي، وهنا نقلوني إلى ما يسمى مستشفى الرملة، وبدأوا بإعطائي الماء والملح بالوريد، ومادة (الانتفوزيا) لمدة 5 أيام، وأيضاً الماء في الفم، وبعدها أعادوني إلى سجن هداريم، وهناك استقبلني إخواني الأسرى استقبال المنتصر، إلا أني لم أكن آمن مكر الاحتلال من تجديد اعتقالي ثانية، وكنت دائماً متأهب نفسيًّا وجسديًّا لإضراب جديد في حال نكث الاحتلال وعده بالإفراج، ولم أكن أبحث عن الموت، بل فقط أبحث عن الحرية.
ما الدور المنوط بقيادة السلطة للقيام به لحل قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال؟
المطلوب من الرئاسة طرح موضوع الأسرى على نطاق دولي، حتى تفضح ممارسات الاحتلال بحق أسرى عزّل، كيف تسكت السلطة عن أسرى لها، موجودين لدى دولة معادية، هذا الأمر منافٍ للقرارات الدولية، فهناك أسرى لهم 30 عاماً في السجون، ومن قبل توقيع اتفاق أوسلو، للأسف صوت القيادة في المطالبة بأسرى الشعب الفلسطيني خافت، ولن يفرج الاحتلال عنهم لسواد عيون السلطة وبلا مقابل.
وما المطلوب من الفصائل الفلسطينية إزاء قضية الأسرى؟
كل فصيل يعرف المطلوب منه، الفصائل هي من تحرك الشارع الفلسطيني، عليها استنهاض قوى الشارع للمزيد من الفعاليات، واعتبار هم الأسرى همًّا عامًّا وهمًّا وطنيًّا، كان للتفاعل الشعبي مع قضيتنا أثر بالغ في تسريع الحل، لذا يجب عليها التوحد والتكاتف نحو حل هذه القضية، وللأسف فإن الانقسام أثر كثيراً على الأسرى، بل انعكس عليهم داخل السجون، وهناك بعض الفصائل لم تشارك في الإضراب العام، بضغط من قياداتها خارج السجن، لذا فإن التوحد، أولى خطوات نصرة الأسرى.
وماذا عن الشارع الفلسطيني؟
الشارع الفلسطيني أبلى بلاءً حسناً خلال فترة الاضراب العام، ولكن هذا لا يكفي أن يكون التفاعل لحظيًّا ومؤقتا، يجب وضع برنامج وطني شامل لتحريك موضوع الأسرى واعتباره همًا وطنيًا عامًا، للقيام بفعاليات شبة يومية، على مختلف الصعد والمستويات، حتى لا نكون عوناً للاحتلال على الأسرى.
عن المركز الفلسطيني للإعلام
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية